مسلسل نور... وخدَم بمرتبة إنسان!

نشر في 12-09-2008
آخر تحديث 12-09-2008 | 00:00
 يحيى علامو الفن وسيلة حضارية في صياغة وعي الشعوب... ومساهم مهم في تشكيل الواقع وفي رسم معالم التغيير من خلال فعاليته التحريضية على الظواهر السلبية في المجتمع والإشارة إلى جوانب القصور فيه، ولا نبالغ إن قلنا إنه مدرسة الحياة بامتياز لمقدرته على تنمية التفكير وتشكيل الوجدان وتفعيل الدور الاصلاحي في المجتمع... ولذلك نراه في واقعنا العربي منقوص الحرية لشل قدرته التوجيهية والتوعوية ومنعه من أداء رسالته الحضارية.

التفاعل الشعبي مع ظاهرة فنية ما سواء كانت مسرحا أو سينما أو مسلسلا إنما يأتي لمعالجته قضية مجتمعية حساسة، أو لتسليط الضوء على ظاهرة سلبية ما، أو لملامسته وتر المشاعر والأحاسيس كما فعل مسلسل «نور» التركي بالشارع العربي... إذ استطاع كشف حجم المجاعة العاطفية بواقعنا والتي أخفتها الضغوط المعيشية والتحول المادي البشع والجشع في اقتصاداتنا، والذي قوض جماليتنا ونحن أمة العشق والغزل، وأفقدنا التواصل النفسي والعاطفي فيما بيننا، حيث أصبحت المادة مفتاح العلاقات ومؤشر الدرجات بل المقياس الأهم للفرز الاجتماعي، مما أوصلنا إلى حالة من التلبد والتصلب العاطفي مع فقدان الكلمة لمعناها والابتسامة لبريقها، وتحول اللقاءات إلى جلسات عمل والبيوت إلى فنادق وغرف التواصل إلى مراقد، وأصبح من يبحث عن لقمة عاطفية كمن يبحث عن إبرة في أكوام القش.

ولهذا جاء حضور المسلسل كبيرا -رغم بساطته- لتقديمه وجبة رومانسية دسمة ألهبت المشاعر وهيجت الأوردة وحددت لنا مساحة التصحر في واقعنا.. مما أحدث القلاقل ودفع بالمرأة إلى مطالبة الزوجة بكمية عواطف تتناسب مع أنوثتها وسخونة مشاعرها -وهذا حقها- ولكن من دون مراجعة نقدية للذات لكشف جوانب القصور فيها بالشكل والمضمون لأن العواطف لا تندفع باتجاه المرأة لأنها امرأة وزوجة بل لكونها سكنا ومدرسة وسياجا.. وهذا لا يعفي الرجل من المراجعة وإعادة شحن العواطف وذلك لضرورات اجتماعية وأخلاقية.

أما المشهد الحضاري الأهم في المسلسل الذي لم يحظ بالاهتمام ولا بالحضور ولم يأخذ دوره في التأثير على المشاهد هو تلك العلاقة الراقية والتعامل الاحترامي لخدم القصر المتمثل بـ«مروان ورقية» مع أسرة المسلسل وكأنهم أحد أبنائها، فالاهتمام بهما ماديا وصحيا ونفسيا وصل إلى قمة النضج الفني بل قمة الرقي الاخلاقي... وهذه الجمالية لا تقل عن جمالية المشهد الرومانسي ولا جمالية المكان بل أظهرت العلاقات الإنسانية في أبهى صورها وأعطت درسا متميزا في المساواة وحقوق الإنسان من غير مقايضة ولا دماء.

التنشئة الخاطئة غالبا ما تعيش في ظروف غير صحية تنعكس سلبا على مجمل سلوكياتها في المجتمع نظراً لقابليتها لامتصاص الرواسب ولكل مفرزات الواقع السلبية منها، وذلك لعدم توافر المناعة التربوية لغياب الجرعات الأسرية في مرحلة البناء إضافة إلى العامل المادي وتأثيره السلبي على السلوك، ولذلك نرى هذه التنشئة بمشاعر مختلفة عن الآخرين كالقسوة والعدوانية، وذلك لفقدانها الشفافية وإنسانية التعامل... ومن هذه الظروف غير الصحية وغير القابلة للتداول تأتي إشكالية التعامل غير الإنساني مع الفئات الضعيفة، خصوصا الخدم، من قبل البعض، باعتبارهم ممتلكات خاصة وبرسم التصرف والإتلاف تحت بند التأهيل لضمان الجودة والطاعة، ودون أي حساب لآدميتهم.

ارتضاء هذه الفئة في البيوت يتبعه بالضرورة ارتضاء نفسي وأخلاقي وإنساني وأن تكون لهم حصة مهما صغرت في نبل المشاعر وحضارية التصرف... وأن قبولهم هو قبول إنساني بالدرجة الأولى بعيدا عن أي خلفية تراكمية تجاه هذه الفئة أو تلك، فهؤلاء بشر -رغم سوء بعضهم- ويحلمون كغيرهم بحياة كريمة... والاغتراب فرصة لتحقيق الحلم... ولهذا يجب ألا يدفعوا فاتورة مرتفعة من كرامتهم وإنسانيتهم ثمنا لتلك الأحلام والأمنيات، فبالرغم من محدودية هذه التصرفات، لكنها تساهم في اهتزاز صورة المجتمع المشرقة.

الألفة والمحبة والوداد قيم أظهرها المسلسل في أبهى صورة، وأفرز منتجا عصريا تجلى بوضوح في التعامل الراقي مع فئة الخدم... فهل نتأثر كما تأثرت عواطفنا برومانسية المسلسل المفرطة... ونطالب ذوي النفوس الضعيفة بالتعامل المحترم والعصري مع الآخرين ونعطي صورة مشرقة عن قيمنا وحضارتنا التي ساهمت برقي أخلاقها وحكمتها في البناء الإنساني والحضاري للأمم.

back to top