وجود قانون ينظم حرية الاعتقاد والبحث العلمي ضرورة لدرء الفتنة الطائفية وتأكيد الوحدة الوطنية ثلاث قضايا شهدتها المحاكم تمسك فيها دفاع عاشور والحبيب والفالي بكفالة الدستور لحرية البحث العلمي القانون سيؤكد أحقية المواطن والمقيم في ممارسة عقيدته وشعائره من منطلق قانوني بعيداً عن المبادرات أو الموافقات الشفهية
لا يمكن إنكار سلسلة من القضايا التي شهدتها المحاكم الكويتية، التي حملت في شكلها حماية الثوابت الإسلامية، على الرغم من أنها تحمل بعض الدوافع الطائفية، لكن وبمجرد عرض الأمر على القضاء يكون في حينها في حيرة بين ما يعد من قبيل حرية البحث العلمي، التي كفلها الدستور في نص المادة 36 وبين ما يعد تجاوزا على الثوابت الإسلامية التي بمعناها الفضفاض والعام قد تمنح لها من الحماية القانونية العامة دون تحديد لمعناها وحدودها الطبيعية.من القضايا التي شهدتها المحاكم الكويتية شكوى قدمت ضد النائب صالح عاشور على خلفية انتقاده لتاريخ إحدى الشخصيات الدينية السنية، التي اعتبرتها الأطراف مقدمة الشكوى أنها من صحابة الرسول، وبالتالي لا يجوز الإساءة إليها، لكن دفاع النائب صالح عاشور حمل في دفاعه أمام المحكمة أن ما طرحه النائب عاشور هو من قبيل البحث العلمي الذي كفله الدستور.
وبعد طي القضاء ملف هذه القضية عرضت قضية المواطن ياسر الحبيب على خلفية إصداره نشرتين تضمنتا إساءة الى صحابة النبي، وتمسك الحبيب ببعض الكتب التي تؤكد صحة ما يردده، وبعدها صدر حكمان مختلفان بحق الحبيب بالسجن 10 سنوات لكل قضية، وبعد إغلاق القضاء هذين الملفين، اللذين قد يتم فتحهما بمجرد الطعن عليهما بالمعارضة من قبل الحبيب، ظهرت قضية السيد محمد الفالي، التي قدمت من قبل مواطن يتهم فيها السيد محمد الفالي بإساءته للصحابة وقدم إلى النيابة العامة قرص «سي دي» يتضمن صوت الفالي وما تتضمنه تلك الإساءات، وصدر حكم قضائي ابتدائي من محكمة أول درجة بتغريم الفالي 10 آلاف دينار، وتم الطعن عليه امام محكمة الاستئناف، ومن المتوقع أن تنظر القضية أمام محكمة الاستئناف غدا برئاسة المستشار صالح المريشد.وتجمع تلك القضايا جملة من الملاحظات سيتم إبرازها في هذه الدراسة على النحو التالي:أولا : جميع تلك القضايا مقدمة من مواطنين مستندين فيها إلى قصاصات ورقية أو قرص «سي دي» يستندون فيها إلى أحد نصوص قانون الجزاء الكويتي الذي يسمح بتقديم الشكوى الجزائية لكل مسيء ضد الله، عز وجل، أو النبي، عليه الصلاة والسلام، أو حتى آل بيته أو صحابته الكرام، وهذه المادة لا تشترط بمن يتقدم بالشكوى الجزائية صفة في تقديمها سوى تقدمه بها، وهو ما يجعل أمر التقدم بالشكاوى الجزائية سهلا وبلا اي مشاكل.احترامثانيا: يكون رد الدفاع عن المتهمين في تلك القضايا، ضرورة احترام حرية البحث العلمي التي كفلها الدستور بنص المادة 36، فضلا عن ضرورة احترام حرية الاعتقاد التي كفلها الدستور في نص المادة 35، والتأكيد على وجود العديد من الثوابت في كل نهج إسلامي، وهذه الثوابت تعد من قبيل حرية الاعتقاد المطلقة التي نص عليها الدستور الكويتي.ثالثا: يكون موضوع هذه القضايا هو اختلاف نهجين إسلاميين في الطرح أو حتى الاتفاق أو الاختلاف مع إحدى الشخصيات المنسوبة إلى أحد النهجين، وبالتالي فإن الشكاوى التي تقدم تحمل اتفاقا لدى جمهور من التابعين لنهج معين وتكون بمنزلة اختلاف لنهج آخر.ضرورةوبعد سرد تلك الملاحظات هناك جملة من المبررات تدفعنا إلى ضرورة المطالبة بإصدار تشريع يؤكد حدود حرية الاعتقاد التي كفلها الدستور وكذلك حرية البحث العلمي التي نص عليها الدستور الكويتي، وهذا الإطار التشريعي الذي ننادي به، أكدته المادة 36 من الدستور، عندما نصت على حرية البحث العلمي بنصها على ان حرية الرأي والبحث العلمي مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غيرهما، وذلك وفقا للشروط والأوضاع التي يبينها القانون.وبالتالي فإن الدستور سمح بإمكانية وجود قانون ينظم حرية البحث العلمي، كما ينظم حق الإنسان في التعبير عن رأيه، وهذا القانون الذي ننادي بوجوده يحدد الإطار الذي من خلاله نستطيع الحديث والتعبير عن رأينا بالقول أو الكتابة بخلاف كتابة الصحافة التي ينظمها قانون المطبوعات والنشر، وكذلك للنصوص التي تحدد لنا إطار البحث العلمي الذي نستطيع من خلالها التحرك في هذا المجال من دون أن تطالنا المسؤولية الجزائية التي تتحدث عنها نصوص قانون الجزاء.والمبررات التي تدفعنا الى المطالبة بوجود قانون ينظم حرية الاعتقاد المطلقة التي أكدتها المادة 35 من الدستور، وحرية البحث العلمي التي نصت عليها المادة 36 من الدستور هي لإغلاق باب الشكاوى الطائفية التي ترهق القضاء الكويتي في نظرها ويكون في حيرة المعتقدات وفي حيرة البحث العلمي دون أن يكون ملما بصحة تلك المعتقدات او بالقصد الدستوري الذي تعنيه المادتان 35 و36 من الدستور بإطلاقها حرية الاعتقاد أو حرية البحث العلمي، وهذه المبررات نشير إليها على النحو التالي:اولا: إن وجود تشريع يؤكد الوحدة الوطنية وينبذ الطائفية، ويؤكد المسار الحقيقي الذي عناه المشرع الدستوري في تأكيده احترام حرية البحث العلمي، سيحدد المحاذير التي يتعين تجاوزها لدى ممارسة حرية التعبير عن الرأي سواء بالقول أو الفعل أو بحرية البحث العلمي، وبوجود هذا القانون لن تكون هناك مسؤوليات عامة بسبب عمومية النصوص، بل سيمنح هذا القانون امام الباحثين في كل العلوم حرية البحث وإبداء آرائهم تحت حماية هذا القانون. حريةثانيا: إن وجود قانون يحدد الطريق الذي من خلاله ممارسة حرية البحث العلمي وحرية الاعتقاد سيريح القاضي الجنائي في تطبيق النصوص القانونية تطبيقا صحيحا ومحققا لرغبة المشرع، في اعتبار الأفعال الجائزة والافعال المحرمة، وهذا ما يحتاج اليه القاضي الجنائي لأن أحكامه لا تقبل الشك والتخمين وإنما الجزم واليقين، والمعلوم أن القاضي الجنائي لا يحكم وفق القياس ولا الاجتهاد وإنما يعمل على تطبيق النص الدستوري الذي يؤكد أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بقانون.شعائرثالثا: صدور هذا القانون سيؤكد عل احقية المواطن والمقيم في ممارسة عقيدته وشعائره من منطلق قانوني، بعيدا كل البعد عن المبادرات أو الموافقات الشفهية، وبالتالي فإن هذا القانون سيمنح كل انسان حقه في ممارسة شعائره الدينية وفقا للعقيدة التي ينتهجها، وكذلك ممارسة حرية بحثه العلمي المتصل بتلك العقيدة دون أن يتجاوز المحاذير التي ينص عليها القانون صراحة.تشريعرابعا: إن سن تشريع ينظم الحق العقائدي للأفراد من الديانات السماوية الثلاث التي أشارت إليها المذكرة التفسيرية في شرحها لنص المادة 35، يؤكد احترام عقائد تلك الديانات ويحدد الإطار الذي ستتبعه السلطة التنفيذية في تقديرها تجاه الشعائر التي سيقيمها أصحاب الديانات غير السماوية، وسيكفل التشريع حقوق الأديان من باب تشريعي منظم.ويتعين على المشرع في وضعه نصوص هذا القانون الاستعانة ببعض رجال الدين ممثلين للعديد من الأطياف الدينية وهمهم الاتفاق على وضع العديد من المحاذير الدينية، ويتم وضعها في القانون، ويراعى في رجال الدين من كل الأطياف عدم التشدد والرغبة في التسامح والتأكيد على احترام الآخر.ممارسةخامسا: يراعى لدى وضع نصوص هذا القانون وضع الخطوط العامة في ممارسة حق الاعتقاد أو كذلك للبحث العلمي دون أن يحدد المشرع لطريقة ممارسة الشعائر لأنها قد تكون جزءا من العبادة، وهو ما سيضعف القانون والرغبة من وجوده للتأكيد على الوحدة الوطنية بين أبناء الشعب الكويتي دون التمييز بين مواطن وآخر بسبب قوله أو فعله أو رأيه، كما يتعين احترام قوله وفعله متى كان متوافقا مع حرية البحث العلمي والاعتقاد التي نص عليها الدستور، وستمنح القضاء معاقبة المسيء لمن يخالف المحاذير التي نص عليها هذا القانون.المذكرة التفسيرية وفي الختام لا يمكن تجاهل ما بينته المذكرة التفسيرية عند حديثها عن الحريات التي منحها الدستور الكويتي لمواطنيه على النحو التالي «ومن وراء التنظيم الدستوري لمسؤولية الوزراء السياسية، توجد كذلك وبصفة خاصة رقابة الرأي العام التي لاشك في أن الحكم الديمقراطي يأخذ بيدها ويوفر مقوماتها وضماناتها، ويجعل منها مع الزمن العمود الفقري في شعبية الحكم وهذه المقومات والضمانات في مجموعها هي التي تفي، على المواطنين «بحبوحة» من الحرية السياسية، فتكفل لهم -إلى جانب حق الانتخاب السياسي- مختلف مقومات الحرية الشخصية في المواد «30، 31، 32، 33، 34» من الدستور وحرية العقيدة (المادة 35) وحرية الرأي (المادة 36) وحرية الصحافة والطباعة والنشر (مادة 37)، وحرية المراسلة (المادة 39) وحرية تكوين الجمعيات والنقابات (المادة 43)، وحرية الاجتماع الخاص وعقد الاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات (المادة 44)، وحق تقديم العرائض إلى السلطات العامة (المادة 45) وفي جو مليء بهذه الحريات ينمو حتما الوعي السياسي ويقوى الرأي العام، وبغير هذه الضمانات والحريات السياسية، تنطوي النفوس على تذمر لا وسيلة دستورية لمعالجته، وتكتم الصدور آلاما لا متنفس لها بالطرق السلمية، فتكون القلاقل، ويكون الاضطراب في حياة الدولة، وهو ما اشتهر به النظام الرئاسي في بعض دول أميركا اللاتينية، وما حرص الدستور على تجنبه وتجنب الكويت أسبابه».