ثريا قابل… قيثارة الشعر الغنائي

نشر في 12-12-2008 | 00:00
آخر تحديث 12-12-2008 | 00:00
من بيروت ومن مجالسها الأدبية أخذ يفوح جمال شعرها عطراً، فقد كان صالون الأربعاء الذي كان يعقد في بيروت نواة انطلاقها، كما أخذت تطرق أبواب الصحافة اللبنانية من خلال النشر بجريدة «الأنوار» والصحف الأخرى بدعم من الصحافية جاكلين نحاس.

في عام 1963م صدر لثريا محمد قابل في بيروت ديوان «الأوزان الباكية»، وهو الديوان الشعري الأول، وبهذا الاصدار مُنِحت لقب رائدة الشعر الفصيح المطبوع في الجزيرة العربية، كما كان لها دور مميز في كتابة المقال بصحيفة قريش المكية.

لم يكن طريقها ممهداً ومكسواً بباقات من الورد المعطر، بل كانت هناك منعطفات خطيرة تواجهها، منها محاولة إعادة إصدار طبعة أخرى لديوانها «الأوزان الباكية»، إذ كان مجرد وجود اسمها على صدر الغلاف سبباً لمنع طباعته، لولا مساندة الملك فيصل، رحمه الله، التي كانت سبباً لظهور أول ديوان شعري نسائي.

ما إن تجاوزت ثريا قابل هذا المنعطف بنجاح حتى تزايدت موجات الجدل والسخط من المحافظين والصحافة التي كان يسيطر عليها آنذاك بعض الاقلام المحافظة، بسبب إشرافها على ملحق النصف الحلو في جريدة البلاد وملحق النصف الآخر في جريدة عكاظ، كذلك لم يكن الوسط العائلي الذي تنتمي إليه راضياً تمام الرضا عما وصلت إليه من شهرة، لكن حب الشاعرة للتغيير والنهوض بنساء بلادها من مجتمعها المغلق إلى مجتمع يضاهي ما وصلت إليه شقيقاتها في البلاد المجاورة كان دافعاً لمواجهة كل التحديات.

وسرعان ما وصلت ثريا قابل إلى مستوى مرموق في الأدب والفن، وأصبحت من الاسماء النسائية اللامعة ما بين جيل رواد الأدب والفكر ورموز التجديد، حتى أطلق عليها الشاعر محمد حسن عواد «خنساء الجزيرة العربية»، كما دعمها كل من أحمد قنديل، ومحمد حسن فقي، وحسين سرحان وحمزه شحاته.

وقد اشتهرت الشاعرة بكتابة الشعر العامي القائم على المفردة الحجازية، فأثرت الساحة الغنائية بأشعارها التي كانت تصيغها بأسلوبها الكلاسيكي ذي النكهة الجداوية الأصيلة عن الحب والغرام والشوق والهجران والعتاب، حتى لقبت بـ«صوت جدة»، فالحب لدى ثريا حب عفوي ونقي، تصيغه بأسلوبها الخاص والمختلف بعيدا عن التكلف الذي قد يفقد الشعر بريقه:

تمنيت من الله تبقى معي يا حبيبي

تمنيت من الله يجعلك حظي ونصيبي

وكأنه ربي استجاب من غير ما اعمل حساب

طليت لقيتك معايا حقق لي حلمي ومنايا

وتستمر ثريا في حبها، ويبين اثر هذا الحب والغرام على ملامحها، فهي لا تبالي بأن تظهر تلك التعابير باعتبارها كيانا انثويا خالصا وانعكاسا طبيعيا لثورة ونشوة الحب الداخلي:

حسيت برعشة في كياني

يوم جات عيني فـ عينيك

ما قدرت أقوم من مكاني

ما عرفت اسلم عليك

قربت مني فـ ثواني

لقيتني كلي فـ ايديك

فالشاعرة هنا لا تبحث عن الحب اللفظي والعبارات العذبة فقط، بل تبحر في أعماق وذات الحبيب لترى مكانها:

ودي ادخــــل لــقـلـبـــــك

واشوف بعيني مكاني

ودي من غير ما أقلك

تحس بشوقي وحناني

وللشوق نكهة خاصة في شعرها، حين ترسم صورا شعرية رائعة لا تجعل المتلقي يصافح الكلمة فقط، بل يتعايش معها، وتمارس أشعارها التأثير السحري باستخدام مفردات سهلة ممتنعة:

يا شوق طير بيه وروح

مع نسمة بعبير الزهور

من جدة على نجد الحلوة

وصل لي لحبيبي غنوة

فتصنع نسيجا مترابطا بين الهجران والعتاب بأسلوب راق بعيدا عن الانفعالات العاطفية:

ما تقول لي قصدك إيــه تهجرني وتزعـــــــــــل ليه

بشويش عاتبني بشويش بشويش ياعيوني بشويش

يا بعيد عن عيني في خيالي طيفك يشــــــاغلني ليالي

تعال لي وارحــــــــــم حالي يا غرامي يا أغلى أماني

بشويش يا حبيبي وبكفاية عذابي وسـهدي وأسايا

خليني أتهـنا بــهــــــــوايا يا حياتي وقلبي يا مناي

وقد كونت ثريا ثنائيا شهيرا مع المطربين الراحلين الكبيرين فوزي محسون وطلال مدح، رحمهما الله، ورسمت بكلماتها لوحات فنية رائعة... تستحق بها أن تكون أسطورة الشعر الغنائي.

back to top