الاستعلاء المتبادل (1-2)

نشر في 03-12-2008
آخر تحديث 03-12-2008 | 00:00
 د. مأمون فندي ضجت الصحف والقنوات الفضائية، ولأكثر من أسبوعين، بقضية طبيبين مصريين اتهما بارتكاب جرائم في المملكة العربية السعودية، القضية بالنسبة لي ليست قضية الطبيبين رغم الأهمية الإنسانية للموضوع، فالقضية ليست جديدة، قبلها كانت قصة المدرس المصري الذي انتفضت الصحافة من أجله، وحتى الآن وبعد أن خمدت القصة منذ أعوام لم نعرف لا أصل القصة ولا نتيجتها ولا ما حدث فيها. إنها قصص تثير أسئلة أكثر من إجابات، وهنا في هذا المقال، سوف أتناول قضايا أساسية علينا أن ننقاشها كعرب فيما بيننا ومن دون خجل. أولى هذه القضايا هي هل نعرف حقا، كعرب في دول مختلفة أو حتى داخل الدولة الواحدة، بعضنا بعضاً جيداً؟ أم أننا نتبنى قوالب ذهنية جاهزة عن المغاربة والسعوديين والمصريين واللبنانيين والأكراد والصعايدة والدروز والنوبة والأمازيغ؟ قوالب تنم عن جهلنا ببعضنا أكثر من جهلنا بالغرب؟ والقضية الثانية: هل ساهم الإعلام الحديث، بفضائياته وصحفه، في زيادة هذه المعرفة (معرفة العرب لبعضهم بعضا)، أم أنه أطّر للجهل والصور النمطية وبالتالي أسهم في بناء جدران الكراهية بدلا من بناء حسور التواصل؟

بداية، أعرف أن الموضوع حساس للغاية، فالمصريون تأخذهم حمية الوطنية أكثر من معظم شعوب الدنيا... الغيرة الوطنية محمودة لدى كل المجتمعات، ولكنها حقيقة «ملخبطة» عندنا نحن العرب، فمثلا، عندما تبنى الملك عبدالله الثاني، ملك الأردن، شعار «الأردن أولا»، انتقده المثقفون العرب وقتئذ واعتبروا الشعار تخليا عن الانتماء القومي العروبي الأوسع، فلماذا أنكروا على الأردنيين أن يكون الأردن أولا بالنسبة إليهم، وهم أنفسهم لو حل أي خلاف بينهم وبين بقية العرب لتمسكوا بهويتهم الوطنية لا بالعروبة؟ الحقيقة هي أننا نقول الشيء ونقيضه في الوقت نفسه، نقول إننا عرب ولا فوارق بيننا، وإن نفط السعودية للمصريين، وجيش مصر للسعوديين، وهلم جرا من الكلام الذي لا أساس له على أرض الواقع. ولو جاء أي قارئ محايد من خارج عالمنا العربي، وقرأ ما كتبته الصحف حول موضوع الطبيبين المصريين المتهمين في السعودية، لقال إن حجم الكراهية والعداء بين هذين الشعبين يفوق ما بين شعبين متحاربين واقفين على حد السلاح. هذا افتراض مقصود لتحفيز الذهن حول الحوار في تلك القضايا الجوهرية.

كنت أكثر من مرة في جلسات تضم مصريين وسعوديين يتكلمون كلاما جميلا عن أن مصر تجد سندها بمملكة عربية قوية في السعودية، وعن أن السعوديين يرون مصر هي أم الدنيا، إلى آخر هذا الكلام المنمق، وعندما تجلس إلى كل من الطرفين على حدة، تبدأ نبرة الشوفينية بالعلو، وتنتشر في الجو رائحة الاستعلاء المتبادل بين الشعبين... استعلاء لاتجد له مثيلا في العالم المتحضر. لنكن صادقين مع أنفسنا، لغة الاستعلاء التي يتحدث بها بعضنا عن بعض، هي أقرب إلى الانحطاط منها إلى الحضارة... أعرف أن هذا كلام فيه قسوة، ولكن القسوة وتنظيف الدمامل أفضل من المراهم والمسكنات.

تستضيف المملكة العربية السعودية على أرضها ما يقرب من مليون مصري، وتستقبل القاهرة آلاف السعوديين ممن يفضلون قضاء إجازاتهم في دولة عربية بدلا من دولة أوروبية، إذا أخذنا ذلك في الاعتبار فإن علاقة الشعبين في ظل هذا التصعيد الإعلامي مرشحة لمزيد من التوتر بدلا من التسامح... والحديث هنا لا يقتصر على العلاقة بين السعوديين والمصريين، إنما ينطبق على علاقة الإماراتيين بالمغاربة، وعلاقة القطريين بأهل الشام، وعلاقة الكويتيين بالسوريين، وعلاقة السوريين باللبنانيين.

في ثقافتنا السائدة اليوم، يتندر أهل الوديان بثقافة أهل البدو والصحراء، ويتحدث أهل الخليج عن تخلف وفقر أهالي الوديان، ويتبادل أهل المشرق العربي وأهل المغرب العربي النظرات الاستشراقية التي يجدر أن يتوقف عندها باحث جديد (من النوع الثقيل) ليكتب لنا عن الاستشراق المحلي والاستعلاء المتبادل بيننا.

* مدير برنامج الشرق الأوسط بالمركز الدولي للدراسات السياسية والاستراتيجية IISS

back to top