ناصر المحمد: نهضتنا الحديثة قامت على أركان دستور جسد مبادئ الديمقراطية والحرية... وهما من المكاسب التي نفاخر ونعتز بها فعاليات مؤتمر الحوار الوطني للإصلاح السياسي انطلقت أمس
بمشاركة السلطات الثلاث، التشريعية والتنفيذية والقضائية، انطلقت فعاليات مؤتمر «الحوار الوطني للإصلاح السياسي» الذي نظمته جمعية الشفافية الكويتية مساء أمس، في قاعدة جابر الأحمد الصباح، بالمجلس البلدي، إذ أجمع المشاركون في المؤتمر على أهمية الحوار واحترام الآراء، وإتاحة الفرصة لسماع آراء جميع الأطراف الأخرى مهما تعددت أطروحاتها واختلفت أفكارها وانتماءاتها السياسية والفكرية، مشددين على ضرورة الفصل بين السلطات مع ضرورة تعاونها وفقاً لأحكام الدستور. أعرب سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد عن بالغ سعادته بهذه المناسبة العزيزة على قلوبنا جميعاً، وهي الذكرى السادسة والأربعون لصدور الدستور الكويتي، وأضاف المحمد في افتتاح مؤتمر «الحوار الوطني للإصلاح السياسي» الذي نظمته جمعية الشفافية الكويتية مساء أمس في قاعدة جابر الأحمد الصباح في المجلس البلدي أن هذه المناسبة الغالية تختلف كثيرا عن أي مناسبة أخرى، لان جميع المكتسبات والإنجازات التي تحققت في وطننا كانت انعكاساً لصدور الدستور، الذي وضع قواعد ثابتة ودعائم صلبة انطلقت منها دولة الكويت الحديثة، كما أن نهضتنا الحديثة قامت على أركان هذا الدستور، الذي جسد مبادئ الديمقراطية والحرية وهما من أعظم المكاسب التي نفاخر ونعتز بها. وقال المحمد: «إن كنا نحتفل اليوم بذكرى صدور دستورنا العظيم فإننا نستذكر بكل عرفان وتقدير رجالات الكويت الأوائل الذين تركوا لنا ميراثا عظيما، ينير طريقنا ويهدينا إلى السبيل المستقيم، وفي هذا المجال لابد أن نستذكر بكل إجلال وتقدير ذلك الدور التاريخي الكبير الذي قام به أمير البلاد الراحل المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ عبدالله السالم الصباح طيب الله ثراه، الذي أخذ على عاتقه أن يصنع للكويت ركيزة صلبة ودعائم ثابتة لا تهزها الرياح، وحمل المشعل ليقود مسيرة النور والحرية فكانت ولادة الدستور وميلاد دولة الكويت، دولة عصرية، قوية الأركان شامخة البنيان، عنوانها التكاتف والتلاحم، ودستورها التعاون والمحبة ونهجها الشورى والديمقراطية»، مؤكداً أن الشيخ عبدالله السالم الصباح كان صاحب نظرة ثاقبة وبصيرة نافذة، قرأ المستقبل وأدرك دعائمه وثوابته وعناصره ومفرداته، فكان قراره التاريخي بوضع دستور للبلاد يهدف إلى إشراك الشعب في إدارة الدولة على أساس مبادئ ديمقراطية تنطلق من واقع الكويت وتتلاءم مع أهدافها.
جوهر الديمقراطية الحقيقية وذكر المحمد في حديثه أمراء الكويت الراحلين المغفور لهم الشيخ صباح السالم الصباح، والشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح، والشيخ سعد العبدالله السالم الصباح، تغمدهم الله بواسع رحمته، الذين تسلموا الراية من بعده، فحافظوا على الأمانة، وواصلوا الجهد والعطاء من أجل سمو هذه الراية وإعلاء مكانتها، والتي سوف تستمر بإذن الله عالية خفاقة في ظل القيادة الحكيمة لصاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح وسمو ولي العهد الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح حفظهما الله ورعاهما. واستطرد: اليوم نفتخر بالديمقراطية التي نعيشها والتي ازدهرت ونضجت بعد قرابة نصف قرن من الزمان، ومن واجبنا الحفاظ على هذا الإنجاز العظيم، الذي يحقق لنا كياننا، ويحفظ لنا وجودنا، مؤكداً أن الديمقراطية التي عاشتها الكويت والتي نعيشها الآن مكسب كبير لنا جميعا، إن حفظناه نقيا من الأهواء العارضة، حفظ علينا وحدتنا وحفظ لنا وطننا العزيز، ولقد أثبتت الأيام والأحداث صلابة وقوة تجربتنا الديمقراطية، وان الاختلاف في الرأي أو التباين في وجهات النظر، هو دليل سلامة الممارسة ونضجها، فالحوار البناء الذي يهدف إلى تحقيق مصلحة الوطن والمواطنين هو جوهر الديمقراطية، والأساس السليم الذي تقوم عليه، ومن دون الحوار البناء والنقد الهادف لن تكتمل عناصر الديمقراطية التي هي الحصن الذي نلجأ إليه ونعتصم به بعد الله. واختتم المحمد بقوله: أمامنا الكثير من الأهداف والطموحات التي نتطلع إلى تحقيقها، وسبيلنا الوحيد في ذلك هو تضافر الجهود كافة، وتعاونها من أجل بناء وطننا الذي يجب أن نتفانى في عطائنا له، حتى تظل هامته عالية ورايته خفاقة. تحديات صعبة من جانبه أعرب رئيس مجلس الامة جاسم الخرافي عن سعادته ان يبدأ هذا الحوار الوطني فعالياته في هذا اليوم، وينطلق من هذه القاعة، في الزمان والمكان اللذين شهدا انجازا تاريخيا مهماً بمولد الدستور، وشهدا عزيمة اهل الكويت لمواصلة مسيرة وطنية ديمقراطية لبناء دولة المؤسسات والقانون، مضيفاً انه بحق انجاز تاريخي نعتز به، ولا يقلل من شأنه ما اعترى مسيرتنا الديمقراطية من عثرات، او ما شاب عملنا الوطني من صعوبات، ويجب ان نبني عليه بالحكمة والعقلانية، والفكر السياسي الواعي، والممارسة الديمقراطية الرصينة، وبعزيمة واصرار لنصنع مستقبلا مشرقا لهذا الوطن الذي لم يبخل علينا يوما بالعطاء، مؤكداً ان الحوار الوطني، يجب الا يقتصر على احياء ذكرى او يبقى في اطار مناسبة وطنية، بل يجب ان يتحول الى ممارسة حياتية عامة، فالتحديات صعبة، وقضايانا متراكمة، وأداؤنا السياسي والاقتصادي يشوبه التردد والركود. ومواجهة ذلك تبدأ بالحوار ولا تكون الا بالاصلاح الشامل. والحوار الوطني الذي نريد هو الحوار الذي يؤدي الى النتائج الملموسة لا التنظير، الحوار الذي يبني ولا يهدم، يداوي ولا يجرح، يؤسس للمستقبل ولا يبقى اسير الماضي، يشعل شموع الامل ويجتث جذور الاحباط واليأس، لافتاً إلى أن للحوار الوطني قواعد ثلاث يستقر عليها، وينطلق منها، وينتهي اليها، اولها: وحدتنا الوطنية التي هي العمود الفقري لهذا الوطن، وخط الدفاع الاول عن امنه واستقراره، ويجب ان نصونها من التشتت والفرقة، باحترام التعددية، وصيانة الكرامات، والنأي عن التعصب، وتأكيد مرجعية الدولة والولاء للوطن في الخطاب والممارسة. وثانيها، ان الحرية والمشاركة السياسية من الفضائل التي طبع عليها المجتمع الكويتي منذ القدم، وتلك نعمة نحمد الله عليها. وعلينا جميعا ان ندرك ان الحرية حق، ولكن ممارستها يجب ان تكون في اطار من المسؤولية وفق قاعدة احترام حرية الاخرين، والمشاركة السياسية خيار وطني لا غنى عنه، ولكنها لا تحقق اهدافها الا بممارسة ديمقراطية واعية وبناءة تؤمن الاستقرار، وتعزز التماسك الاجتماعي، وتهدف إلى المصلحة الوطنية العليا.وثالثها، ان خطابنا السياسي والاجتماعي في هذه المرحلة يعتريه، للاسف الشديد، قدر من الاحباط والتذمر، وذلك من دون شك يعبر عن حالة الركود التي اصابت حركتنا في مواجهة قضايانا الوطنية. لكن ذلك يجب الا يعطل فينا ارادة الاصلاح والبناء، او يضعنا في دائرة الاحباط واليأس. واول شرط لنجاح ملتقى الحوار الوطني، هذا او غيره، هو ان ينتشل خطابنا من هذه الحالة، ويغرس بذور الامل والتفاؤل، ويوجه انظارنا إلى المستقبل.واستطرد الخرافي بأن القضايا المطروحة في هذا الحوار، هي قضايا وطنية هامة، تتصل بتفاصيل اوضاعنا الراهنة، ولعل ابرزها العلاقة بين الحكومة ومجلس الامة التي ينبغي ان تستقر على اسس دستورية سليمة، قوامها التعاون الايجابي البناء الذي بدونهب لن تتوفر للسلطتين، التشريعية والتنفيذية، القدرة على الاداء السياسي الفعال. وبمعزل عن الاسباب والعوامل، فإن حالة التوتر التي اتسمت بها هذه العلاقة، والتي من دون شك يتحمل مسؤوليتها الطرفان، أصبحت مصدر قلق لنا جميعا، وتلقي بظلالها على مسيرتنا الديمقراطية، ولابد أن يتوقف كل من الحكومة ومجلس الأمة عند اسبابها، ويعملا بروح من المسؤولية الوطنية لمعالجتها، وفي تقديري، فإن تحسين اداء السلطتين، وبشكل خاص الاداء التنفيذي، يشكل مدخلا اساسيا للمعالجة المطلوبة، ومن جانب آخر، يشكل غياب التخطيط بعدا آخر من الاشكالية التي نعيشها، إذ ينعكس ذلك بشكل سلبي واضح على النمو الاقتصادي والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، ولابد أن يعالج هذا الحوار الوطني سبب المشكلة وأبعادها، ويقترح المعالجة والحلول.الفصل بين السلطات من جانبه، أكد رئيس الدائرة الاستئنافية وممثل المجلس الاعلى للقضاء المستشار عادل بورسلي أن مرحلة ما قبل الاستقلال ترسخت خلالها مقومات استقلال القضاء في دولة الكويت بجهود رجالات الكويت الشرفاء. وأضاف بورسلي: حتى صدر المرسوم الاميري رقم 19 لسنة 1959 من حاكم الكويت آنذاك المغفور له الشيخ عبدالله السالم الصباح، بشأن تنظيم القضاء، وبعد ان تدارسه رجال من اهلنا اتخذوا من الحكمة وفن الخطاب سلاحاً لحل المعضلات، قد ثبت القانون السابق دعائم استقلال القضاء كسلطة حتى صدر الدستور بتاريخ 11 نوفمبر 1962م متحدثا في بابه الرابع عن السلطات في الدولة، واشار في مادته الخمسين الى انه «يقوم نظام الحكم على اساس فصل السلطات مع تعاونها وفقاً لاحكام الدستور، مع عدم جواز تنازل اي سلطة عن كل او بعض اختصاصاتها المنصوص عليها في الدستور لسلطة اخرى». وقررت مادته الثالثة والخمسون على ان «السلطة القضائية تتولاها المحاكم باسم الأمير في حدود الدستور». وأفرد الدستور فصله الخامس للسلطة القضائية كافلا استقلالها بعبارات ساطعة وألفاظ لا تقبل التأويل، نقتبس منها: «لا سلطان لأي جهة على القاضي في قضائه، ولا يجوز بحال التدخل في سير العدالة، ويكفل القانون استقلال القضاء»، وذكر بورسلي «أن المشرع الدستوري عندما نقل الى المشرع العادي كفالة استقلال القضاء، لم يفوضه بانتقاص اي جزء من ذلك الاستقلال، فتبع ذلك صدور القانون رقم 23 لسنة 1990 بشأن تنظيم القضاء معززاً الاستقلالية الدستورية للقضاء التي حرص المجلس الاعلى للقضاء واعضاء السلطة القضائية على حمايتها وصونها والتمسك بها من خلال ضمان استقلال القضاء كسلطة، والعمل على تطويره واصلاحه بصمت داخل حدود البيت القضائي»، مؤكداً أن هذا الحوار الوطني فرصة سانحة لتبادل الأفكار والمعلومات في هذا الشأن، وليكون محركاً دافعاً، لاستكمال مقومات استقلال السلطات القضائية مالياً وادارياً، وسبيلاً للبحث على سن ما يلزم من تشريعات لكفالة وضمان اكتمال استقلال السلطة القضائية على الهدي والنحو الذي رسمه الدستور.من جانبه، قال رئيس الهيئة التنسيقية للحوار الوطني للاصلاح السياسي د. محمد المقاطع: «لقد التقت ارادة الكويتيين في اسمى صورها يوم أن قرروا انشاء الدولة، فكانت الرضائية بينهم اساسا لوجودها فاختاروا من بينهم حاكمهم عن قناعة وارادة ومعرفة، فكانت تلك أول بشائر الغرس الطيب لهذا البلد، حيث تحقق له الكيان السياسي والمعنوي لمفهوم الدولة على بساطة شكلها وضآلة امكانياتها وتلقائية اهلها، فانطلقت مسيرة التشييد فتجذرت عبر سنوات متلاحقة قيم متكاملة من اللحمة الوطنية والاخلاص والهمة المثالية واكبتها سواعد وتضحيات مفصلية ومشاركة ومشورة فعلية، وتعاون ومرجعية ابوية وشعبية، فجاء البناء مشيدا بأفضل المفاهيم الدستورية المعاصرة، وتمخض عنه عقد اجتماعي واقعي لا نظري، فكان ذلك سرا دائما للقوة والالتفاف والمشاركة في السلطة واحترام المرجعية، مؤطرا للهوية المجتمعية في ابعادها الاسلامية والعربية والوطنية».