فلتكن قمة تجميد الإنقسامات
إذا كانت المصادفات المحزنة فرضت انعقاد قمة الكويت في وقت يستمر فيه العدوان على غزة تارة قصفاً وتدميراً وطوراً احتلالاً وحصاراً، فإنه من المؤسف أن تكون الإرادات العربية جعلت هذه المناسبة الهادفة إلى الجمع والبحث في الخير العام تلتئم على وقع الانقسامات.
حين دعت الكويت إلى القمة الاقتصادية قبل أكثر من عام انطلقت من قناعة بأن تحسين شروط عيش المواطن العربي وتنمية اقتصاده وموارده حاجة ملحة ومدخل ضروري للعمل العربي المشترك ولنهضة جديدة للأمة تواجه من خلالها مختلف التحديات. آنذاك لم تكن الأزمة المالية – الاقتصادية قد ضربت العالم، ولم تكن أسعار النفط قد عاودت الانخفاض، ولم تكن غزة تعاني هذه الدرجة من الهمجية الإسرائيلية والدمار. اليوم وفي ظل التطورات المالية والاقتصادية التي شهدها الاقتصاد العالمي، ومع انكشاف حجم العدوان وما يخلفه من كوارث في فلسطين، باتت هذه القمة أكثر إلحاحاً وأشد ضرورة، فالمواجهة الواجبة للأطماع الإسرائيلية في السياسة والميدان لن تصل إلى غاياتها المرجوة إلا إذا ترافقت مع إدراك عميق لدى كل دولة عربية ولدى كل مواطن عربي بأن التنمية هي المعركة المستمرة وبأن العلم والصحة والبيئة أدوات في المواجهة الحضارية الشاملة. غزة أولاً في قمة الكويت الاقتصادية. نعم، هكذا فرضت الظروف والأوقات. لكن الكويت لا تريد لغزة أن تكون سبباً لمزيد من الانقسام. لذلك فإنها تأمل أن يوحد الدم الفلسطيني الفلسطينيين أولاً والعرب ثانياً، فتصير قمة الكويت خلاصة القمم المتناثرة التي انعقدت في الدوحة والرياض وشرم الشيخ. لكنها خلاصة إيجابية تستبعد سياسة المحاور وتشذب المزايدات على الفلسطينيين وممثليهم الشرعيين وعلى العرب وقياداتهم الحريصة على الحقوق الفلسطينية التي تأخذ بالصمود والعقل لا بالانتحار أو الانجرار إلى ما ليس للعرب مصلحة فيه. موقف عربي جامع هو المطلوب في «بند غزة». فلا مصلحة لأحد في مواقف إنشائية تخاطب الفضائيات وتعمق الشرذمة العربية و الانقسامات، ولن يقبل أحد أسلوب التهويل والتخوين الذي يتوجه إلى العواطف المتقدة بفعل الإجرام الصهيوني ولا نجني منه سوى مزيد من الدم والتراجع والتدخل الدولي المتفاقم في الإقليم. غزة اليوم تنادي قمة الكويت لتقول لا وقت لتبادل الاتهامات، ولا وقت لتقسيم العرب بين ممانعة واعتدال، ولا مبرر لسياسة المحاور التي تستدرج التدخلات. أما الطريق إلى الإنقاذ فلن يمر إلا عبر إعادة اللحمة إلى الجسم الفلسطيني واتفاق العرب على قرارات حازمة وواقعية توجه إلى اسرائيل رسالة قوية مفادها أن لا سلام يمكن أن يبنى على ركام المنازل وجثث الأطفال وعلى سياسة القوة التي تحاول فرض الوقائع بالحديد والنار. حبذا لو تتحول قمة الكويت إلى قمة مصالحة شاملة بين كل الأطراف. لكن إذا لم يكن ممكناً تحقيق هذا «الحلم العربي» فليستكمل تجميد العلاقات الذي بدأ بالدوحة بتجميد الانقسامات، علّنا نشهد في قمة مقبلة عودة للمحبة والوئام. الجريدة