ثقافة القبح
«matt» رحّالة من طراز حديث، دار حول العالم وزار أشهر المواقع التاريخية وأهمها، وفي كل موقع منها نصب كاميرته وصور نفسه وهو يرقص رقصة «الكلاكيت» تحت أو بجانب أعظم الآثار العالمية.
ومن الدول التي زارها الكويت، التي رقص تحت أبراجها رقصته المشهورة، وكعادته التقط صوره التذكارية للمكان، وكتب انطباعاته عن مدينة الكويت في يومياته المدوّنة بموقعه على الانترنت. ولعل أهم ما جاء فيها والذي لفت نظري هو قوله «إن كل ما تراه في الكويت هو: (ويشير إلى كومة تراب صورها بالكاميرا). شعرت بالغضب حين قرأت ما كتبه وما صوّره، لكني حين هدأت انتبهت إلى أن كلامه للأسف فيه الكثير من الحقيقة، فقط انظر من فوق الجسور التي تعبرها كل يوم سواء كانت على الدائري الرابع أو الخامس أو السادس وبقية الجسور، فماذا ستشاهد؟ غالبا ستكتشف الكميات الهائلة من الأتربة التي تحيط بالجسور، من تحتها، حولها، قربها، مساحات عظيمة من الأتربة أو بعضا من المزروعات العشوائية. شيء محزن أن ينظر القادم إلى بلدنا وأول ما يلفت نظره فيها هو القبح، وأنها ليست أكثر من كومة تراب، وهو معذور في دهشته، فهل هناك مدينة في العالم المتحضر مازالت تحتفظ بساحاتها الترابية بعد؟ لماذا لا تُخضّر هذه المساحات أو تُرصَف أو تُسفلَت، المهم ألا تُترك على هذه الشاكلة، لاسيما أن الكويت بلد أنعم الله عليه بالخير الكثير، فلماذا لا تظهر بالشكل الحضاري والجمالي الذي تستحقه والذي يتناسب مع إمكاناتها؟ حرام هذه «البهدلة» غير اللائقة ببلدنا، ويكفينا تأخرا عن العالم. أعرف أن بلدية الكويت وهيئة الزراعة تقومان بأعمال كثيرة، لكنها تفتقد اللمسة الجمالية، وأعتقد أننا نفتقد ثقافة الجمال، الثقافة البصرية التي تميز وتفرق ما بين الجميل والبشع، بين الذوق ورهافته ورخص الرداءة. نحن فعلا في حاجة إلى إعادة نظر في هوية الشكل الجمالي لمدينتنا وتصحيح مساره، وتحديد الطابع والانطباع الحضاري للمدينة، لأن الجمال والتنسيق ليسا بترفٍ لكنهما ضرورة قصوى لرسم هوية ثقافية حضارية لوطن يعاصر قمة الانفتاح والتواصل الحضاري بين الأمم، فكيف نُري العالم تخبطنا وعدم اهتمامنا بالشكل المفروض أن تكون عليه مدينة صغيرة ثرية مثل الكويت، وكيف لا نخجل من كميات الأتربة التي تحيط بالشوارع من كل الاتجاهات، الداخلية والخارجية، وتلك المزروعات العشوائية، ومن النخيل المحمل بالتراب المتراكم على السعف الميت المتراكب طبقات بعضها فوق بعض والمحشو بالحشرات وأعشاش الطيور، إذ يجب متابعة قصه وتشذيبه وتخليصه منها وإعادته إلى شكله الجميل، كذلك يجب تخليص الطرق من كميات الملصقات والإعلانات الهائلة التي لا تترك فراغاً إلا واقتحمته بملصقاتها البشعة والمشوهة لأعمدة النور والشوارع، يجب أن يكون هناك ضوابط وردع لهذه الفوضى البصرية، كل بلاد العالم نظمت شكل الشوارع فيها ووحدت ألوان الأرصفة، فلا يوجد هناك رصيف أحمر وبجانبه رصيف رمادي أو أصفر أو أخضر كلها تتقاسم الشارع الواحد. ففي مسقط مثلا، تأخذ الدولة من كل مواطن ثمنا لرصف المساحة التي أمام منزله، ويتم رصف الشارع كله بلون موحد، مما يضفي جمالاً واتساقاً وهوية لكل شارع وطريق، وهذا الأمر يجب أن يشمل مظلات الانتظار الخاصة بمواقف باصات النقل العام، فلماذا لا يقوم اتحاد الجمعيات بوضع شكل ثابت بمواصفات مدروسة لمقاومة الشمس والرياح ولها شكلها الجمالي الموحد مثل كل عواصم العالم العظيمة، بدلا من هذا القرقيعان الرخيص؟ ولن أتكلم عن البيوت الخربة الآيلة للسقوط في شارع الاستقلال وفي العاصمة، لأنه قد كتب عنها الكثير، فهل من مستمع يوجعه قلبه وضميره فيهب لنجدة شوارعنا وإنقاذها من قبح الفوضى، ومن ثقافة عمالة سائبة لا تميز الفرق بين الأدغال وبين المدينة.