رندا أسمر: الممثّل يغنّي والمغنّي يمثّل والحابل مخلوط بالنابل!
بينها وبين خشبة المسرح قصة عشق لا تنتهي، تحمل ثقلها بفرح كبير وعليها تصنع الإبداع، فيما يقودها حدسها لقبول عمل تلفزيوني او رفضه.
رندا اسمر التي تعود الى الشاشة في مسلسلين جديدين هما «مجنون ليلى» و»جبران خليل جبران»، تتحدث الى «الجريدة» عن عشقها للمسرح ورؤيتها للواقع الفني في لبنان.كيف كانت بداياتك؟تخرجت في معهد الفنون الجميلة قسم المسرح، تخصصت في التمثيل وفي السنة الأخيرة درست الإخراج المسرحي. منذ عامي الجامعي الأول، شاركت في مسرحيات لأساتذتي: شكيب خوري وريمون جبارة وعملت مع جوزف بونصار، من بينها «صانع الاحلام» لريمون جبارة وكسبت تنويهًا كممثلة واعدة في مهرجان بغداد ونالت المسرحية جائزة الابداع في مهرجان قرطاج في تونس عام 1986. كذلك عملت في التلفزيون والسينما ومع جواد الاسدي في «الخادمتان»، مع نضال الاشقر في «ثلاث نسوان طوال»، «اوديب الملك» في مهرجانات بيت الدين، «مهاجر بريسبان» لنبيل الاظن في مهرجانات بعلبك، «عقد ايلين» و»ثعلب الشمال» و»رباعيات الخيام» وشاركت في إلقاء الشعر مع نضال الأشقر في بعلبك أيضاً.في التلفزيون، قدمت «نساء في العاصفة»، «العاصفة تهب مرتين» وأخيرًا «الحل بايدك». شاركت حديثًا في مسلسل عن حياة جبران خليل جبران من اخراج سمير حبشي وأعمل راهنًا في «مجنون ليلى» للكاتبة كلوديا مرشليان، سيعرض خلال شهر رمضان الكريم على شاشة المستقبل اللبنانية. عملت في تنفيذ انتاج مشروعين مهمين هما «النشيد» و»حضارة» مع غبريال يمين.كيف تصفين علاقتك بالمسرح؟في المسرح نتحكم بالأشياء أكثر مما نفعل في التلفزيون، حيث يشكل الممثل عنصرًا من عناصر كثيرة خصوصًا في الإطار الإنتاجي. لذلك لا يأتي العمل وفق ما يتمناه الممثل، أرفض غالباً سيناريوهات او أعمالا لا تتضمن ادنى المقومات الاساسية التي تخولني المشاركة فيها. يتحمل الممثل عذاب المسرح اكثر من التلفزيون لأنه هو المتحكم، فيختار فريق العمل ويكون على علاقة مباشرة مع الجمهور، إضافة الى أن المسرح مفعم بالحياة من الكواليس الى التحضيرات وكل ما يتعلق بالخشبة والعروض والتفاعل مع الجمهور.هل يعود شعورك تجاه المسرح الى مشاركتك في صناعة العمل؟أشعر أنني أشارك في صناعة العمل كله وليس الدور فحسب. يتحمل الممثل في المسرح همّ العمل انتاجًا وتنظيمًا وادارة، وهو عمل مرهق، لكن يجب الا ننتظر من يقدمه الينا بل يجب أن نقدم الفكرة والانتاج وإلا لن نعمل، وهو بالذات ما يفعله المسرحيون الشباب الذين يقدمون الفكرة ويؤمنون المال من الرعاة والداعمين للثقافة وتكون النتيجة أعمالا رائعة.لماذا تعملين في المسرح طالما يؤمن لك التلفزيون الانتشار والشهرة أكثر؟الشاشة سهلة المنال مقارنة مع المسرح الذي يحتاج الى التنقل ودفع التكاليف والحجز إضافة الى أن اللبنانيين لم يعتادوا الذهاب اليه بعد. ثمة جمهور مسرحي لا يتخطى سبعة آلاف شخص، فيما يتوجه الآخرون الى حيث الغناء والرقص بعيداً عن العمل المسرحي الصرف الذي يتكل على الممثل والنص والإخراج. العمل في التلفزيون سهل من حيث تحضير النص وأدائه ولا يشبع الاستهلاك الراهن فيه غريزة الممثل، لذلك يشكل المسرح والتلفزيون عالمين مختلفين.أحب التلفزيون لكني أحب النوعية وعندما أتابع الاعمال الراهنة لا أشعر بالأسف لعدم مشاركتي لأنني لم أخسر شيئًا. قليلة هي الاعمال التلفزيونية التي تثير دهشتي واعجابي، مع الاشارة الى تقدم الانتاج في السنوات الاخيرة وتحسنه وتراكمه، ما يؤدي الى تحسين النوعية.أي نوع مسرحي يقصده الجمهور اللبناني؟هناك مخلصون للمسرح يتابعون الأعمال ويحترمون عملنا وجهدنا وجديتنا، ويشكلون جمهوراً وفياً يدفعنا الى الاستمرار والاجتهاد، إضافة الى التقدير الذي نلقاه لدى تقديم مسرحياتنا في الخارج، ما يعطينا دفعًا أيضًا.هل من جمهور عربي متابع للمسرح اللبناني؟يحب العرب عمل اللبنانيين وينتظرونه بفارغ الصبر لأنهم يجدونه مختلفًا. في الدورة الأخيرة لمهرجان قرطاج، على الرغم من الطقس العاصف، اكتظّ المسرح بالمشاهدين فيما بقي عدد كبير منهم في الخارج ينتظرون دورهم للدخول. ما رأيك في الجوائز الممنوحة إلى الفنانين؟ في لبنان مسرحيون ومطربون وموسيقيون مبدعون لا يعرفهم الجمهور المحلي فيما هم مشهورون خارجًا. لا مكان للمسرح في الجوائز، لا يمكن تهميش الناس واعتبار بعض الأشخاص ممثلين للبلد. من جهة أخرى، بعض الذين ينالون الجوائز يستحقها كما أن البعض الآخر لا يستحقها. لماذا يغيب المسرح عن تلك الجوائز برأيك؟إنها عملية بتر للحياة الفنية في لبنان، ويغيب المسرح بسبب عدم اطلاع شامل على الحياة الفنية اللبنانية.هل تعتبرين المادة المقدمة على شاشة التلفزيون ملائمة؟ثمة مواد جيدة وهناك تنوع في الخيارات والأعمال والأساليب والإخراج، ولكل نوع جمهوره الخاص.هل تختلف لغة المسرح عن التلفزيون؟الكلمة في الحوار المسرحي جوهرة مطرزة تحتاج الى جهد كبير في الاداء والاخراج. يتطلب العمل التلفزيوني عدداً من الحلقات ليأخذ مكانه ويحظى بجمهوره. ليست اللحظة التلفزيونية مقدسة بمقدار المشهد المسرحي المرتبط بالمشهد السابق واللاحق والمنضبط بوقت محدد ضيّق. إضافة الى ذلك، لا عناصر مبهرة في المسرح مهما كثر التفنن في الديكور والسينوغرافيا. ينبهر الجمهور المسرحي بأداء الممثل والنص والاخراج، فيما يقدم التلفزيون الصورة والصوت والمادة المبهرة. هل تأملين خيرًا في ظل التذمّر الذي نشهده لدى فنانين كثر؟ يعود التذمر الى درجة الثقافة والإطلاع على الوضع الفني. يجب شكر الشباب الذين يسعون الى العمل المسرحي على الرغم من صعوبته في لبنان بسبب غياب المرجعية والصندوق الوطني للمسرح. احترامًا لهؤلاء الذين يعملون، يجب أن نتابع أعمالهم المعروضة لنقوّمها ونبقى على اطلاع عليها، وبالتالي لا نكتفي بالوقوف على الحياد والانتقاد.ما رأيك بالدراما اللبنانية؟لم أتابعها في الفترة الأخيرة بسبب انهماكي بالأحداث السياسية إضافة الى عملي في مسرح المدينة كمديرة تنفيذية وحضوري مساء النشاطات التي ينظمها المسرح، لكنني أتلقى اصداء عما يعجب الجمهور اللبناني، اكتشفت أنه يحب أعمال كلوديا مرشليان وشكري انيس فاخوري. أما بالنسبة الى الكوميديا التي ما زالت ضعيفة محليًا فهي لا تشدني، لذلك لا أسعى الى متابعتها. هل تتابعين الدراما العربية؟لا للأسف. على الرغم من تراكمها الكبير على شاشاتنا، لكن يحتاج الحكم عليها إلى تفرغ دائم لمشاهدتها. هل من الممكن أن تحظى الدراما اللبنانية بمكانة لها وسط هذا التراكم؟تكمن مشكلة الدراما اللبنانية في عدم توافر التمويل اللازم لإنتاجها، إلا أن الأمور تتحسن عبر المحاولات الانتاجية للشاشات المحلية، لذلك أتمنى أن يؤمَّن التمويل بسخاء لأن هناك مقدرات هائلة في لبنان. يذكر أن المسلسل اللبناني كان مع انطوان ريمي وابراهيم الخوري والياس متى، الرائد الأول في العالم العربي قبل انطلاق الدراما العربية، لكن اهماله أدى الى هبوطه.ما هو المطلوب لإعادة رفعه؟السخاء في الإنتاج، فعندما يتوافر المال تتحسن نوعية العمل. يحتاج الممثل الى المشاركة في أكثر من عمل ليتمكن من العيش. هذا ما يحدث في الوقت الراهن، إذ يصور بعض الفنانين قبل الظهر وبعد الظهر في مسلسلين منفصلين، ما يؤدي الى تراجع النوعية في الأداء. لو كسب الممثل اللبناني ما يكفيه ماديًا من عمل واحد لما اضطر الى تقسيم جهده بين عملين.لماذا لم تسعي الى الشهرة؟أحب أن أكون حيث يجب أن أكون فحسب. لا يصنع غلاف المجلة النجومية بل عمل الفنان الذي يؤسس لمحبة الناس. انطلاقًا من ذلك، لم أشعر أنني بحاجة الى البحث عن الأضواء وغلاف مجلة وخبر وصورة، لأن ذلك يمر سريعًا في ذهن الجمهور ولا يحفظ في الذاكرة كما تحفظ صورة العمل المميز الذي يقدمه الممثل. وفق أي معيار تقبلين العروض أو ترفضينها؟يهمني أن أكون على اتفاق مع المخرج ومؤمنة بعمله، ووفق النص ودوري في العمل وفريق العمل، إضافة الى حدسي الذي لا يخيب في نجاح العمل أم لا، إذ لا يمكن أن أجهد في سبيل عمل لا أشعر أنه سيعجب الجمهور وأرفض أن أعمل لأكون موجودة فحسب. سبق وعملت مع المخرجين الذين أرتاح للعمل معهم أمثال ريمون جبارة وشكيب خوري ونبيل الاظن وغبريال يمين وسمير حبشي وميلاد الهاشم وايلي أضباشي.هل تعتبرين أن عصر الممثل النجم ولى؟نعم، لأن الذاكرة لم تعد تحفظ الكثير بسبب الاستهلاك والارهاق. يبحث جمهور التلفزيون عن قصة تمر مثل قراءة أي رواية عادية، وكما ينتقلون من قصة الى أخرى ينتقلون من عمل إلى آخر.كيف تفسرين وجود ممثل قدير في عمل ما الى جانب وجوه جديدة من خارج الوسط أحيانًا؟أصبحت المهنة مرغوبة أكثر وهذا دافع لنا، يبحث الجميع عن الشهرة عبر التلفزيون، وينعكس ذلك سلبًا على الجامعيين المتخصصين في التمثيل الذين يعانون البطالة، إلا أن بعض المخرجين الاساتذة يمنح الفرص لطلابه. ثمة خربطة في مهنة التمثيل، ويجب التمييز بين المتخصصين والطارئين، سمعت إحدى المغنيات تقول:»لو اقفلت الفرص في وجهي أتوجه الى التمثيل». ذلك لا يحزنني، لأن ذلك مستوى التفكير لديها وتتحدث بمقدار استيعابها للأمور وخبرتها في الحياة وتقويمها لنفسها وللأخرين. من جهة أخرى الجمهور اللبناني ذكيّ ومطلع ومثقف، وبالتالي لا يمكن استغباؤه ولن يصح إلا الصحيح.هل يؤثر الوضع السياسي اللبناني في الحياة الفنية؟ما يؤثر في الحياة الفنية هو السعي وراء غلاف المجلات وتداول الاسم في الإعلام. الممثل يغني والمغني يمثل والحابل مخلوط في النابل، لذلك لا تأتي تلك الجوائز في اطارها الصحيح، لأن هناك خللاً في الأطر.من يتحمل المسؤولية؟غياب المرجعية. ما رأيك في نظرية «هيك الجمهور بدو»؟تلك نظرية موجودة لكنها غير صحيحة. إذا قدمنا للجمهور ما ينتظره عندها لا نساهم في دعوته الى توسيع آفاقه وتحفيزه على المزيد ليتطور ويتقدم. من المهم أن نقدم له ما يشعر به ويحترم احساسه ومشاعره.هل من مسرحيين عرب تحبين أعمالهم؟جواد الاسدي، فاضل الزعيبي، وجدي معوض، المخرج الشاب الكويتي سليمان بسام. لم يأخذ المسرح حيزًا كبيرًا في الخليج، فيما نشهد تجديداً في الأردن. يمر المسرح بأزمة عالمية وليس لبنانية فحسب. الانتاج المسرحي العربي قليل وليس من حركة سوى في مهرجان مسرحي حيث تتحمس الفرق على العمل. السبب في تراجع المسرح هو تأثير التكنولوجيا في الناس الذين اعتادوا على الحركة والصورة التي لا يمكن ضبطها في مكان مقفل، خصوصًا أن تنقلات الناس باتت كثيرة وهي تشبع حواسهم من حيث الصوت والصورة.