إرث جاك بريل المعقّد... يكشف الحقد الذي خلّفه موته!

نشر في 13-10-2008 | 00:00
آخر تحديث 13-10-2008 | 00:00

ولّدت الذكرى الثلاثون لوفاة المغني جاك بريل عاصفة من التكريم وموجة من الخلافات القانونية المؤلمة. في الثامن من الشهر الجاري، عرض دار المزاد العلني  Sotheby’s في باريس 94 غرضاً كانت في ما مضى ملكاً للمغني والكاتب والممثل البلجيكي، من بينها قلم حبر سائل وغليون ومخطوطات لأشهر أغانيه. في هذا الإطار، عُرضت في دار المزاد العلني نصوص لإصدارات بريل الكلاسيكية مثال Amsterdam  وMathilde، مكتوبة بخط يده. كلمات تلك الأغاني، المدوّنة على أوراق دفاتر مدرسية، ممزوجة بتصحيحات مذهلة وأفكار منمّقة لبريل.

ذلك الأمر مذهل ومزعج في آن، إذ أنه لأسباب قانونية، حُجِبَت النصوص جزئياً بقصاصات أوراق أو صور.

طُلب من دار المزاد العلني بيع تلك المقتنيات الشخصية لصالح 30 فرداً من أبناء أخوة عشيقة بريل الراحلة، سيلفي ريفيه. يُذكر أن ميش، أرملة بريل، وبناته الثلاث اللواتي خسرن نزاعاً قانونياً طويلاً لمنع عملية البيع، يملكن حقوق النشر والتصرف كافة بأغنياته. بذلك رفضن منح دار المزاد العلني إذناً بعرض المخطوطات كاملةً في المزاد العلني أو ضمن كتيّبات.

يُشار إلى أن عائلة المغني حاولت مراراً وتكراراً شراء المجموعة الكاملة التي تضم 94 غيتاراً وشريطاً وصورة وملصقاً كبيراً ومخطوطة. غير أنّ أبناء أخوة عشيقة بريل رفضوا البيع، فهم يتوقعون جني مبلغ أكبر من المال، أي حوالى 500 ألف يورو (390 ألف جنيه استرليني)، من خلال المزاد العلني، وهو أول مزاد في فرنسا يضم مقتنيات مغنٍ مشهور.

في هذا الإطار، قالت فرانس بريل، إبنة المغني: «هذا تصرّف بغيض وحقير. جرّبنا السبل كافة لمنع عملية البيع».

مضت 30 سنة على وفاة بريل، عن 49 عاماً. لا شك في أن هذا الأخير كان ليجد تلك الخلافات ممتعة، أو موضوعاً جيداً لأغنية، لأن عدداً كبيراً من أغانيه أو قصائده المعروفة التي أدّاها بصوته الرخيم المتوتّر الذي يسلب الأنفاس، يسخر بشدة من الهوس المادي للطبقة الوسطى.

إلى جانب المخطوطات، الغرض الأبهظ ثمناً في المزاد، ملصق عملاق لصورة بريل عندما حضر إلى قاعة كارنيجي في نيويورك في ستينيات القرن الماضي.

عاطفة متألمة

غادر بريل بلجيكا في ريعان الشباب هرباً من رفض عائلته البرجوازية، ثم أصبح أشهر مغنٍّ باللغة الفرنسية. ما زال يباع من ألبوماته أكثر من 200 ألف نسخة سنوياً، أي أكثر بكثير من ألبومات إديث بياف. يعتقد معجبون كثر به، أجانب وفرنسيين، أنه فرنسي الجنسية.

لم تُكتَب أغنياته المُعَذَّبة والساخرة لتُغنى بل ليُؤديها على المسرح، كان ينشدها بعاطفة متألمة وعميقة لدرجة أنه كان ينهي حفلاته منهكاً.

تميزت الذكرى الثلاثون لوفاته المبكرة إثر إصابته بالسرطان، بموجة من الألبومات والكتب والبرامج التلفزيونية والإذاعية في فرنسا وبلجيكا.

ترك بريل عائلته عام 1960 وأمضى العقد التالي، الذي شهد أوج نجاحاته، مقيماً في فيلا في مدينة روكويبرون كاب مارتن الفرنسية برفقة سيلفي ريفيه، المسؤولة الصحفية السابقة عن الشركة المعنية بتسجيلاته. خلال تلك الفترة، كتب بريل أشهر أغنياته، من بينها Amsterdam وMathilde وJacky وLes Bonbons.

وُصِف بريل دائماً بأنه شاعر وكاتب أغنيات. من خلال المخطوطات المعروضة في دار المزاد العلني، تبيّن أن أغنياته لم تكن في البداية سوى قصائد مكتوبة على دفاتر مدرسية ومنقّحة مرات عدّة، أُضيفت إليها الموسيقى في وقت لاحق.

عندما توفيت ريفيه منذ ست سنوات، تركت مجموعتها الخاصة من مقتنيات بريل لأبناء أخوتها.

خلافات

عام 2003، بذل هؤلاء المحاولة الأولى لعرض المجموعة في المزاد العلني، لكن زوجة بريل وبناته، شانتال وفرانس وإيزابيل، تمكنّ من عرقلة العملية، وادّعين في ذلك الوقت أن المقتنيات الشخصية والمخطوطات لا يمكن أن تُباع بشكل منفصل عن الحقوق الحصرية لأعمال بريل والتي تملكها أسرته. لكن في الأسابيع الأخيرة، فشلت محاولات العائلة منع عملية البيع.

أشارت فرانس بريل، مديرة دار النشر التي تملكها العائلة (منشورات بريل)، إلى أن «الأغراض المعروضة للبيع لا تعدو كونها مجرد قصاصات ورق. إنها مخطوطات كتبها جاك لكن لا يمكن لأحد التصرّف بها لأننا نملك وحدنا الحق الحصري بذلك».

تابعت: «عاش بريل بضع سنوات مع امرأة اسمها سيلفي أصرّت دائماً على أنها لا تملك شيئًا من مقتنياته. عندما توفيت، أراد أبناء أخوتها جميعهم الحصول على حصّة».

يُتوقع أن يكون الغرض الأبهظ ثمناً من المجموعة المعروضة للبيع دفتر ملاحظات كبيراً يحتوي على مخطوطات لأغنيات Amsterdam و Les Timides

و Jacky و Cheval و L’Age Idiotالتي كُتِبَت عام 1964. من المتوقع أن يُباع بـ70 ألف يورو.

يُشار إلى أن أغنية Amsterdam، وهي من أشهر أغاني بريل، ليست سوى نشيد محزن يعبّر عن الحياة التعيسة التي يعيشها البحارون وغيرهم في المرفأ الهولندي المتّسخ. عن تلك الأغنية قال بريل إنه رغب من خلالها في تأليف «أغنية بحرية تشبه لوحة للرسام بروغل».

علاقة حب وكره

احتفلت بلجيكا الأسبوع الماضي بالذكرى الثلاثين لوفاة أحد أبنائها المشهورين القلائل، وفي هذا السياق يُعرض فيلم وثائقي جديد عن علاقة الحب والكره التي ربطت بريل بما أسماه «الدولة المسطحة». استطاع الأخير أن يُبكي الجماهير بقصيدته الغنائية النابعة من القلب والتي تصف سماء بلجيكا المنخفضة وجمالها الحزين. في المقابل، انتُقِد بريل بشدة لتناوله بلجيكا بشكل ساخر في أغانيه.

من خلال المقابلات المحفوظة في الأرشيف لفيلم J’aime les Belges ، والتي عُرضَت حديثاً، عبّر بريل بشدّة عن أفكار أبناء بلده المحدودة و«عدميتهم» مع تبنيه «جنونهم». ولد في بروكسل وهي دولة تعتمد اللغة الفرنسية، لكنه تربى في كنف عائلة تتحدث اللغة الفلامنكية، فلم يشعر بأنه في موطنه في أي من اللغتين وهو شعور ترددت أصداؤه بشكل أكبر في صفوف عدد من البلجيكيين المعاصرين.

أشار بريل في مقابلة أجريت معه في سبعينيات القرن الماضي إلى «أن دولاً متعددة احتلت بلجيكا، وبالتالي لا نتكلم اللغة الفرنسية أو اللغة الهولندية البحتة، نحن لسنا بشيء».

تعلّق فرانس بريل، ابنته، «بعد إصداره أغنية Les Flamandes، نُفِيَ بعد أن كان بطلاً»، وتشير إلى أغنية تصف المرأة الفلامنكية بأنها متباهية وسوقية ومبتذلة.

back to top