صبرا وشاتيلا منحته الزياتور الإيطاليّة بهاء طاهر: حصّة الثقافة في العالم العربي هزيلة!

نشر في 09-11-2008 | 00:00
آخر تحديث 09-11-2008 | 00:00

فاز الأديب المصري بهاء طاهر بجائزة “الزياتور” الإيطالية عن روايته “الحب في المنفى” بعد أن ترجمتها الإيطالية باولا فيفياني, وتعد الجائزة من أرفع الجوائز التي تمنحها مدينة كالياري تكريماً للأديب الإيطالي فرانشيسكو اليزاتور. طاهر أول عربي يفوز بهذه الجائزة بعد وصول روايته إلى التصفيات.

اختيرت “الحب في المنفى” بحسب بيان الجائزة لتصويرها المأساة الفلسطينية، خصوصاً مجزرة صبرا وشاتيلا في لبنان, عام 1982، ومحاكمتها للعجز العربي: “نعم... لماذا ندمّر أنفسنا بأيدينا؟”.

حازت الرواية لقب «كاملة الأوصاف» من الناقد الأدبي الراحل د. علي الراعي عندما اختيرت أفضل رواية في معرض القاهرة الدولي للكتاب، لتشهد بعد ذلك مسيرة حافلة من ثناء النقاد وتحصد الجوائز وتصل إلى إيطاليا.

صف لنا شعورك بعد فوزك بجائزة «الزياتور» الإيطالية عن روايتك «الحب في المنفى».

سعدت كثيراً بوصول الرواية إلى هذه المرحلة, وشعرت بأهمية تمسّك الكاتب برسالته وبالأمل.

تحمل الرواية في طيّاتها هزيمة ومضموناً حزيناً وأحلاماً مجهضة!

يقول تشيكوف {عندما أكتب عن أشياء محزنة، فأنا لا أدعوكم للبكاء وإنما أدعوكم إلى التفكير في السبب أو الأسباب التي دفعت هذه الشخصيات إلى أن تصبح على ما هي عليه}... لا يتشكل الواقع كما تراه العين الناقدة، لكن نستطيع الاستفادة من النقد في تغيير الواقع، أو تغيير ما نرفضه، من هنا لا يمكن اتهام كتابتي، ولا كتابات أي مبدع آخر بالهزيمة لأنها ليست دعوة للاستسلام، بل هي دعوة للتفكير والتغيير.

يرى البعض أن الكتابة الأدبية أصبحت غائبة وغير مؤثّرة؟

الكتابة غير مؤثرة, وثمة من يريد لها ذلك. ما هي حصة الثقافة في التلفزيون والثقافة الإلكترونية في العالم العربي؟ حصة رمزية هزيلة جداً، تخضع لأنواع الرتابة والرقابة كافة، وغير مسموح لك بالتفوّه بما تؤمن به. يتطلب الإيمان بالثقافة ودورها خوض معركة تعيد الى الثقافة دورها في الإنهاض والتغيير.

الكتابة غير مؤثرة, وثمة من يريد لها ذلك. ما هي حصة الثقافة في التلفزيون والثقافة الإلكترونية في العالم العربي؟ حصة رمزية هزيلة جداً، تخضع لأنواع الرتابة والرقابة كافة، وغير مسموح لك بالتفوّه بما تؤمن به. يتطلب الإيمان بالثقافة ودورها خوض معركة تعيد الى الثقافة دورها في الإنهاض والتغيير.

علاقة الروائي بالأحداث السياسية في المنطقة العربية... كيف تراها؟

أؤكد دائماً أن كل كاتب لديه رسالة تزيد وعيك بمحيطك وبعلاقتك الإنسانية المتشابكة والسياسية، أو تغيّب هذا الوعي. يعتبر تغييب الوعي نوعاً من الفعل السياسي، لذلك أعتقد أن تجاهل الكتابة في السياسة يفصم العلاقة بين الأخيرتين، فيما كل كتابة أدبية في العالم هي كتابة سياسية.

أؤكد دائماً أن كل كاتب لديه رسالة تزيد وعيك بمحيطك وبعلاقتك الإنسانية المتشابكة والسياسية، أو تغيّب هذا الوعي. يعتبر تغييب الوعي نوعاً من الفعل السياسي، لذلك أعتقد أن تجاهل الكتابة في السياسة يفصم العلاقة بين الأخيرتين، فيما كل كتابة أدبية في العالم هي كتابة سياسية.

كيف تولد فكرة القصة أو الرواية لديك؟

لا أخطط للرواية أو القصة كما يفعل كثيرون، ولا أعتبر نفسي قدوة في هذا الموضوع. بينما تبدأ القصة بفكرة هلامية، تظل عملية إعادة الصياغة عملية بحث عن جذور الموضوع.

الكتابة بالنسبة إليّ عملية تبدأ بفكرة هلامية ثم تتطور، ربما بشكل مغاير تماماً، وتسيطر عليَّ حالة نفسية معينة أو شخصية معينة. في رواية “الحب في المنفى}، أردت تصوير حالة الهلع العربي من مذبحة صبرا وشاتيلا وإيضاح الموقف العربي ضد الرؤية الغربية التي تضع العرب في صورة المستحقين للعقاب. في “خالتي صفية والدير}، أردت كتابة قصة قصيرة عن القس بشاي، لكن الأحداث فرضت نفسها عليَّ أثناء الكتابة فتغيّر الموضوع، وفي “أنا الملك جئت} كنت جالساً في مكتبي في جنيف وسط عاصفة ثلجية شديدة عطلت مظاهر الحياة كافة، فذكرني منظر الثلج، وربما الصمت، بالصحراء.

أعتقد أن الأديب لا يكتب لمجرد الكتابة، بل عندما تصبح الأخيرة ضرورية جداً مثل عملية المخاض، والقارئ يستطيع بذكاء شديد التفريق بين ما هو حقيقي وأصيل وبين ما هو كاذب ومصطنع.

الحب في المنفى

في “الحب في المنفى} تبرز أزمة جيل بكامله، وهو الجيل الذي عاصر فترة الستينات, أيام الأحلام الكبرى. يقول الناقد د. عبد المنعم تليمة عن طاهر إنه ينتقد الحقبة الناصرية، في نفس ملحمي إيزيسي، تقترب نبرة البطل فيه الى الاستنجاد بالبطل الكاريزمي جمال عبد الناصر، خصوصاً لأنه يشهد تداعي مقومات الوطن وتحوّل المثقفين، وسقوطهم وانتهازيتهم وخيانتهم، وتفكّك العرب.

في الرواية محور أساسي آخر هو علاقة الشرق والغرب، من خلال علاقة المراسل الصحافي بالمرشدة السياحية النمساوية بريجيت، يناقش طاهر الثنائية الحضارية وعنصرية حضارة الرجل الأبيض. يراهن البطل على قدرة الحب على تصحيح الفجوة الحضارية وتجاوز ذكريات الظلم الاستعماري.

تحمل الرواية في ثناياها إدانة الحضارة الغربية وتتنبأ بأفولها لأنها قامت على الجشع والعنصرية. وعلى رغم وفاة البطل لأن حياته فقدت معناها، وإحباط الشخصيات واغترابهم, تحمل الرواية بشرى الخلاص، وكما يقول طاهر «لا أدعوكم للبكاء وإنما أدعوكم إلى التفكير في السبب أو الأسباب التي دفعت هذه الشخصيات إلى أن تصبح على ما هي عليه. وكتاباتي ليست دعوة للهزيمة ولا للتسليم وإنما هي دعوة للتفكير والتغيير».

طاهر في سطور

روائي مصري حصل على جوائز عربية وأجنبية كثيرة، منها جائزة الدولة التقديرية من مصر عام 1998 وجائزة يونانية عام 2001 عن مجمل أعماله. فازت روايته “خالتي صفية والدير” عام 2000 بجائزة “غيوسيبي تشيربي” الإيطالية بوصفها أفضل رواية مترجمة الى الإيطالية, ونال عن روايته الأخيرة “واحة الغروب” الجائزة العالمية للرواية العربية “بوكر العربية” في أولى دوراتها العام الجاري التي تنظمها مؤسسة خيرية في دولة الإمارات العربية بالاشتراك مع مؤسسة جائزة بوكر البريطانية.

back to top