النحات والرسام مارون الحكيم: وزارة الثقافة اللبنانية مقصِّرة لعدم استحداث متحف للفنّ الحديث

نشر في 02-10-2008 | 00:00
آخر تحديث 02-10-2008 | 00:00

افتتح النحات والرسام اللبناني مارون الحكيم «البيت - المحترف» في ضيعته «مزرعة يشوع»، وهو بمثابة مشروع متحف يضم مجموعة من نتاجه الفني تعود للفترة ما بين 2002 – 2008، وتتراوح بين النحت بالحجر والخشب، الى أعمال تلوينية أضفى عليها أسلبته الشخصية المطبوعة بالجنوح النحتي.

ترقى علاقة الحكيم بالصخر الى الطفولة الأولى، برفقة والد «معمرجي» (بنَّاء)، يقصّب الصخر ويشقع حجارته حيطاناً، يهندس لها قناطر وأعمدة، هي من سمات البيت اللبناني التراثي القديم...

أصبح «البيت - المحترف} حقيقة، حيث أعمالك النحتية واللونية، والذكريات والزمن الأول... كيف تعيش تلك اللحظات؟

أحلم منذ 20 سنة بهذا «الإنجاز». هذا البيت حاضن منحوتاتي وأحاسيسي. نفّذت 30 معرضاً في بيروت ومدن العالم، لكن جمع تلك الأعمال في هذا المكان له نكهة أخرى. أشعر بأنّ أعمالي وجدت «بيتاً» يحتضنها... كنقيب للفنانين التشكيليين، يؤرّقني هذا الوضع، وهنا، أسجّل عتباً من وزارة الثقافة ومن البلديات ومؤسسات المجتمع الأهلي... لا أحد يعرف مثلاً أين يجد أعمال روّادنا التشكيليين، من حبيب سرور، الى داود القرم، الى مصطفى فروخ، وقيصر الجميل وسواهم... وهذا معيب!!! لهذا السبب اتكلت على نفسي وجمعت أعمالي خوفاً من تبعثرها! ولا أسمّي هذا المكان متحفاً، لأن في التسمية جموداً لا أحبّه!

كيف تتواءم اللوحة المنحوتة الناتئة، المسطّح اللوني والمنحوتات الصخرية والخشبية... كيف تُنوِّع وسائل تعبيرك الفني والمواد؟

بحكم الدراسة، خصوصاً بسبب نشأتي، وجدت نفسي متّجهاً نحو النحت. ولدت في بيت نحاتين، الوالد والأشقاء كانوا معماريين... ينحتون الصخر ويبنون البيوت... وعيت على رنّة الأزميل «يفلّع» الحجر.

منذ الطفولة تصادقت مع مادة الصخر واتجهت بحماسة نحو فن النَّحت والتلوين معاً. وكي أشفي غليلي في الطفولة والمراهقة، كنت أقضي عطلة الصيف أنحت في الصخر أشكالاً تمتّعني، ما ولّد في نفسي قناعة بأن النحت شيء مني، وتكوّنت في نفسي ثقة القدرة والجرأة على محاورة الصخر. وفي مرحلة الدراسة الفنية، وعيت لعبة الجماليات وأبجديات كلّ مادة. أما دراستي لفن السيراميك، فقد علمتني الدمج بين الشكل واللون والحجم، أختصر فأقول إن اللون دخل على الحجم.

لكن نزعة النحت طاغية في لوحتك اللونية!

أنا فخور بذلك. إنها خصوصيتي! يعني ذلك أنني صادق في لوحتي مع نفسي وأزرع أحساسي داخل تلاوين اللوحة. تختلف الأداة، لكن الروح تبقى واحدة!

يمّر لبنان بأزمات سياسية وأحياناً أمنيّة. ما تأثير المناخات السلبية في إنتاجيّتك الفنية؟

لا تأثير إطلاقًا. بالعكس، كلما تأزّمت حولي الأمور كلما اتقدت فيّ شعلة الفن وشكلت لي تحدياً خلاقاً وازداد انتاجي، فالفنان هو ابن المعاناة، حتى الفرح أعتبره معاناة. أنا من جيل بدأ مرحلة الشباب مع بداية الحروب على لبنان (1975)، في البداية أنتجت فناً بتأثير من الحرب، ثم اكتشفت أن الحرب لا تنتج فناً. علينا تصفية معاناة الحرب في نفوسنا، لأن الحرب سلبية ومدمِّرة، أضف الى ذلك، اننا نعيش في زمن تسلّط سياسيين فاسدين، ما يضفي على المجتمع حالة يائسة، فيشعر الفنان أوالمثقّف بأنه مهمَّش.

هل تلاحظ تراجعاً في إقبال اللبنانيين الذواقة على ارتياد صالة عرض الفنون واقتنائها؟

علينا الفصل بين التذوّق الفني وبين اقتناء الأعمال الفنية. لا شك في أن هناك نخبة، ذواقة فنون في لبنان، وبطبيعة الحال ليست جماهيرية، كما في كل المجتمعات. لا بدّ من الإشارة الى أهمية التربية الفنية في البيوت والمدارس والجامعات والأندية، الى الدور الذي تؤديه وسائل الإعلام عبر البرامج الثقافية - الفنية.

أما مسألة اقتناء الفنون فمرتبطة بالوضع الاقتصادي في لبنان. الحالة الاجتماعية تشكو من هزال القدرة الشرائية نتيجة الأزمات الأمنية - السياسية. لذلك، تتّجه أولويات المواطن نحو الأمور الحياتية الأساسية، وفي هذا المجال تُعتبر الأعمال الفنية، من الكماليات!

لكن تلك الأوضاع لا تؤثر في إنتاجيّتي. مسألة تسويق أعمالي ليست أساسية. يمكن أن أساعد ذواقة الفن، عن طريق تسهيلات بالدفع، حتى إنني أقدّم أعمالاً لبعض المثقّفين الذواقة، من دون مقابل. في النهاية أنا فنان ولست تاجراً...

كأستاذ (جامعي) للفنون وكنقيب للفنانين التشكيليين، كيف ترى ملاءة المؤسسات التعليمية في تعليم فنانين وتخريجهم لتطوير الإبداع؟

لا أخشى من غياب المواهب الجديدة، لكنها بحاجة الى مناخات إيجابية ملائمة لنموّها الطبيعي. هناك عوائق تحول دون انطلاقة الجيل الجديد من الفنانين. التشجيع محدود جداً من قبل المؤسسات الخاصة والعامة والقلق والإحباط يشلاّن المواهب. ماذا تتوقع من فنان ناشئ لقمة عيشه هي الهاجس الأساسي؟ رغم ذلك، أجزم بأن أعداداً لا بأس بها من المتخرّجين الجدد يشقون دروبهم ويفتّشون بإصرار عن هوية فنية لهم.

هل تعتبر أن اقتناء الأعمال الفنية ترف كمالي، أم أنه حاجة حياتية؟ وإذا كان حاجة فكيف يمكن تأمينها؟

لا أستطيع اعتبار الفن ترفاً... مثلاً، لا أعامل من يحب الفنون بشكل سلبي، بل أساعده في اقتناء عمل فني من دون مقابل إذا اقتضت الحاجة. الفن حاجة أساسية لنمو إنسانية الإنسان. لا يمكننا أن نطلب من الفنانين كلهم «إهداء» أعمالهم الى الذواقة، لأسباب حياتية، لكننا نستطيع أن ندفع المسؤولين الى استحداث متاحف تسمح للذواقة بالتمتع بالإبداعات إذا تعذّر اقتناؤها.

يشهد بعض دول الخليج إقبالاً على عرض الفنون وتسويقها، خصوصاً في دولة الإمارات، حيث تقام مزادات تشارك فيها مؤسسات كبرى، إضافة الى إقبال فنانين لبنانيين على عرض أعمالهم. هل انتقل وزن بيروت التشكيلي الى دبي مثلاً؟

لا أقيّم الفنون انطلاقاً من المزادات العلنية، أينما حصلت، لاعتبارات كثيرة تدخل فيها العلاقات العامة والخاصة ووسائل الترغيب! لا أحبّذ تلك الوسائل لتقييم الفنون. بالنسبة الى نشر الفنون وترويجها عبر المعارض واللقاءات، فذلك أمر مطلوب ومهّم جداً، سواء في الخليج أو في أي عاصمة عربية. أما بيروت فستبقى عاصمة للثقافة والفنون، استمرت في أصعب الظروف السياسية والأمنية والاقتصادية، بسبب مناخها الثقافي وخصوصياتها والأشقاء العرب كلهم يدركون تلك الحقيقة ويعلنوها!

هناك ثقة كبيرة بدينامية اللبناني وليس بأهل السياسة، وهذا هو سرّ تجدّد بيروت، مدينة للفنون والثقافة... أريد التذكير بأنني أقمت حتى الآن 30 معرضاً فردياً، وفي أحلك أيام الحرب وانعدام الأمن والقتل على الهوية. لكن الإيمان بالحياة وبالفن أقوى من الحرب والموت.

back to top