القـرآن

نشر في 29-09-2008
آخر تحديث 29-09-2008 | 00:00
 د. حسن حنفي

ورد لفظ «القرآن» حوالي سبعين مرة في سبعة معانٍ متمايزة: القرآن تنزيل من عند الله، وهو حق نزل من الحق وبالحق من أجل الحق، ولا يستطيع أحد أن يقلده أو أن يأتي بمثله، وهو مصدق لما نزل سابقا، ومتمم للتوراة والإنجيل، وهو قرآن عربي بلسان عربي مبين، وليس أعجميا، والقرآن للطاعة والامتثال بل للسجود، والقرآن يهدي الناس إلى الصراط المستقيم.

في هذا الشهر الكريم، شهر رمضان نزل القرآن، وليلة القدر في العشر الأواخر منه «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ»، فهو الشهر المبارك. ويقرأ في الفجر وحين السحر، في ساعات الليل الأخيرة أو ساعات النهار الأولى «وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا». دون الإطالة أو الشقاء أو إجهاد النفس «طه، مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى».

وقد ورد لفظ «القرآن» حوالي سبعين مرة في سبعة معانٍ متمايزة:

1- القرآن تنزيل من عند الله. نزل مفرقا، أجوبة عن أسئلة «وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ». وكان الكفار يتمنون أن ينزل القرآن جملة واحدة حتى لا يؤثر في الواقع، ولا يغير حياة الناس، ويظل كلاما يُسمع ويُنسى ولا يُعمل به «لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً». نزل مفرقا حتى يثبت في القلوب تدريجيا «وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ». ولا داعي للعجلة «وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ»، أن يتحقق في حياة الناس. وهذا هو معنى التنزيل «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً». وهو أيضا معنى الترتيل «وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً». أي الشعور بالمعاني والحقائق وقياس مدى المسافة بينها وبين الواقع.

2- وهو حق: نزل من الحق وبالحق من أجل الحق. ليس افتراء «وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى». بل هو وحي من عند الله «بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ». وهو من لدن حكيم، «وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ». وهو كتاب مبين «تِلْكَ آيَاتُ الْقُرآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ». لا يؤمن به الكفار «وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ»، ولا يستمعون إليه «وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ». وهو محفوظ من الضياع والتحريف «إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ». وهو قرآن مجيد «بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ». وهو قرآن كريم «إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ». وهو قرآن عظيم «وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ»، وهو قرآن حكيم «وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ».

3- ولا يستطيع أحد أن يقلده أو أن يأتي بمثله، وهو من دلائل الإعجاز، ويتحدى القرآن البشر أن يأتوا بمثله «ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ»، «عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ». وفيه منافع الناس ومصالح البشر «وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ». وخرجت فيه كل الأمثلة «وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ». فالإعجاز هنا ليس بلاغيا فقط بل هو تحد فني وتشريعي وعلمي.

4- وهو مصدق لما نزل سابقا، ومتمم للتوراة والإنجيل. فهو وحي واحد نزل على فترات طبقا لدرجة تطور الوعي الإنسانى «حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ». فالأديان واحدة ومتنوعة. ويقص على بنى إسرائيل والنصارى تاريخ تعاملهم مع أنبيائهم تكذيبا وهو الأغلب أو تصديقا وهو الأقل «إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ».

5- وهو قرآن عربي بلسان عربي مبين، وليس أعجميا. نزل بلغة العرب من أجل فهمه بلغته الأصلية «إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ». وهو بلسان قويم دون عوج، «قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ». فصلت آياته واستنبطت منه الأحكام طبقا لقواعد اللغة العربية «كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ». القرآن المترجم للدراسة وليس للعبادة. ويستحيل ترجمة كل شيء. إذ يفقد القرآن المترجم البلاغة العربية وأساليبها.

6- والقرآن للطاعة والامتثال بل للسجود «وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ». هو قرآن للتدبر والفهم «أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا». لا يُهجر ولا يُنسى، «إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً». هو قرآن للذكر والتلاوة «وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ». وهو تذكير بيوم الميعاد «فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ». يستمع إليه الجن فيؤمن «اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَباً». هو قرآن للاتباع بعد الاستماع «فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ». «وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ».

7- والقرآن يهدي الناس إلى الصراط المستقيم «إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ». يبدأ بالإنذار «وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنْذِرَكُمْ بِهِ». ومن يهتدِ فإنما يهتدي لنفسه «وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ». ولو نزل هذا القرآن على جبل لتصدع من خشية الله «لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللهِ». فيه شفاء ورحمة للناس، «وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ». وتسيّر به الجبال «وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ».

وهو مشتق من أول لفظ نزل «اقرأ». الله معلمه، «عَلَّمَ الْقُرْآنَ». تلك هي المعاني للقرآن في هذا الشهر الكريم الذي نزل فيه. لا يتحول إلى وثن ورقى بالقطيفة والذهب يُعلق في الأعناق أو يوضع داخل المركبات أو يتهادى بين الرؤساء، ويُقبّل ويحنط كالمومياء.

* كاتب ومفكر مصري

back to top