المغنم الكبير

نشر في 13-07-2008
آخر تحديث 13-07-2008 | 00:00
No Image Caption
 سليمان الفليح حينما قام الزعيم العراقي الراحل عبدالكريم قاسم بانقلابه الدموي على الاسرة الهاشمية، التي كانت تحكم العراق، وعمت الفوضى ارجاء البلاد وكثر السلب والنهب و«الفرهود». هذه المفردة بالذات يختص بها شعب العراق دون سواه من بقية الشعوب وهي عادة (قبلية) قديمة تعني نهب ما يقع تحت اليد من اموال الخصم المهزوم من دون اي تمييز، اقول حينما وقع «الفرهود» بعد انقلاب قاسم سطا احد الرجال على رأس تمثال الملك البابلي القديم بنوخذ نصر وباعه الى مهربي الآثار، وحينما استتب الوضع بعد الثورة جيء بالرجل وقدم الى محكمة عسكرية بتهمة نهب ممتلكات الشعب.

وكان السؤال الاول الذي وجهه رئيس محكمة الثورة للرجل: انت متهم بسرقة رأس الملك فماذا تقول؟!

فقال الرجل: حسنا انا سرقت رأس الملك ولكن انتم قطعتم رأس الملك، ويعني بذلك (رأس ملك العراق فيصل الثاني).

وهنا تحولت التهمة من جنائية الى سياسية! وتحول الرجل من لص الى سياسي وكبرت المسألة وتعقدت وكادت تطير برأس الرجل.

***

هذا المشهد الدراماتيكي يذكرني بما كان يحدث في منطقة الخليج بالذات ابان مرحلة الستينيات والسبعينيات الميلادية، إذ كان بمقدور اي مجرم عادي مطلوب للعدالة في بلاده سواء بجريمة جنائية او مالية او اخلاقية ان يتحول الى سياسي معارض! بفضل (الصحافة الصفراء) التي كانت تقتات على اختلاق الاكاذيب وفبركة الفضائح وتلفيق القصص عن بلاد النفط، لذلك كانت سرعان ما تلتقط هذا الشخص وتستثمر ثورة غضبه وتنسج على لسانه الاسرار المكذوبة والتشويهات المتعمدة لنظام بلاده، وبذلك يصبح (مجبرا اخاك لا بطل)، ومن ثم يساومون وزارات الإعلام في دول الخليج، ويتعاظم الابتزاز حينما يخترعون من عندياتهم أسماء وهمية لمناضلين وهميين يشتمون أنظمة بلادهم، والأمر لا يتوقف عند هذا الحد، بل حتى لو سارعت تلك الدول إلى «قطع لسان» تلك الصحف النابحة. وما أعنيه بالقطع هو منح «الهبة» للإسكات كما كان يفعل الخلفاء في الدولتين الأموية والعباسية. أقول: حتى لو فعلوا ذلك فإن أولئك المسعورين يواصلون السعار بحجة أن ما أخذوه هو لإسكاتهم! وبقي أن يحصلوا على شيء آخر لامتداح تلك الدول.

وما يؤسف له أن تلك الإساءات والأقاويل تلقى «ترويجا» لا «رواجا» لدى القارئ العربي الذي يصفق لمثل هذه البذاءات التي تلقى صداها او بالاصح «صدأها» لدى القارئ الحاقد الذي يعتبرها صورة حقيقية لتفسخ المجتمع الخليجي بالذات، وهذا بالطبع مرده الى مشجب الرقيب الذي اتخذ ذريعة لـ«تسريب» مثل هذا الخواء النتن إلى عقلية القارئ.

***

يبقى القول أخيرا ولكي نقطع دابر هذه الصورة ولتجاوز تلك الذريعة الهشة وتحجيم هذا «الادب» الرائج الرخيص هو الا نحوّل صاحبه الى «بطل» عن طريق منع أعماله. ولكي لا نحوله الى ادب مطلوب من خلال ذلك المنع. وهذه هي الطريقة الاجدر الى قرية كونية ولتعدد المصادر فقد بارت تجارة الصحف الصفراء بالقضايا الخليجية. ولم يعد يلتفت اليها احد، الا في سبيل التندر والسخرية والضحك عليها، بعد ان كانت «تضحك عليه»! ولكن المضحك اليوم حقا ان بعض دور النشر التي كانت تصدر مثل تلك الصحف الصفراء قد سلكت طريقا آخر للانتشار والتسويق الا وهو طريق (الجنس) الذي بدأ ينتشر بشكل (روايات) خليجية سخيفة لا ترقى الى اي صنف ادبي (ويؤلفها) بعض مراهقي الادب الذين (بالكاد) يكتبون جملة انشائية صحيحة ليتلقفها ناشرو الدور الصفراء لزعمهم انها تجسد جرأة الادب بالرغم من انها لا تعدو عن كونها مجرد «قلة أدب».

back to top