بحيرة رمضان الساحرة!

نشر في 09-09-2008
آخر تحديث 09-09-2008 | 00:00
No Image Caption
 طالب الرفاعي ربما غدا المسلم أحوج ما يكون إلى صوم عصري مختلف، فالعالم الإسلامي بمسلميه يحيا عصراً كونياً طغت عليه صور المادية في كل مناحي الحياة، مما ضاعف الحاجة إلى شهر رمضان خاص، وتطلب صوماً مختلفاً، لكن أي رمضان ذاك الذي نبحث عنه؟ وأي صوم نبتغي؟

شهر رمضان شهر صوم بالمعنى الروحي أولاً، وبالمعنى الجسدي تالياً، شهر يفترض أن يصوم فيه الإنسان روحياً عن كل فكر فاحش أو وحشي أو ملتوٍ أو ظالم أو لا إنساني، قبل أن يبقى جائعاً لما يتجاوز العشر ساعات، صائماً عن الأكل والشرب. فالصوم عن الطعام والشراب، هو الصوم الأسهل، وهو الصوم الأصغر، الصوم الظاهري، الصوم السطحي، وهو صوم ليس لصاحبه منه سوى جوعه وعطشه إن هو اكتفى به.

المسلم اليوم بحاجة إلى تفكير جدي بصوم روحي أكثر بكثير مما هو بحاجة إلى صوم بدني، لا يختلف عن أي نظام حمية غذائي.

الصوم بحيرة هادئة بمياه كالبلور، يغطس فيها الصائم، ينزل إلى مائها المصفّى، كي يستجمع هدأة ونقاء نفسه، ليخلصها من كل ما شاغلها ونغّص عليها صفاءها، وأبعدها عن لحظات راحتها.

بالصوم ينقّي الصائم فكره وقلبه من أدران أفكار وتهاويم لزجة علقت به، قبل أن يمارس رياضة تخليص جسده من كل سمٍ تمثل بأكل أو شرب زائد، أو تخمة أضرت به.

المسلم، حيثما كان، أحوج ما يكون إلى شهر رمضان، فسحة إيمان إلهية عابرة يعود بها إلى الله. الله السلام، الله الرحمن، الله المحبة، الله الرحيم، الله الجمال، الله العلم، الله العدل، الله الخير، الله الوصل الحسن، الله المساعدة، الله الكلمة الطيبة، الله النور، الله الحياة. الله خالق الإنسان ومكرّمه على باقي مخلوقاته أجمع.

المسلم، حيثما كان، أحوج ما يكون إلى شهر رمضان، فسحة إيمان إلهية عابرة، يعود بها إلى الله، فيبتعد عن الكره والعصبية والترهيب والعنف والوحشية والبغضاء والنفاق والكذب والرياء والقسوة والفوضى والدم والقتل.

المسلم، حيثما كان، يمرّ بأوضاع اقتصادية واجتماعية وسياسية وعسكرية بائسة ومزرية، وهو بذلك أحوج ما يكون إلى رمضان، شهر تنقية للروح والنفس والجسد، شهر يعيد إلى المسلم بعض توازن غالٍ ينشده، توازن يشحن قلبه ببعض أملٍ، يعينه على معايشة واقعه، والقبول به.

شهر رمضان الذي يحتاج المسلم هو شهر آخر غير الذي بيننا. شهر رمضان الذي يحتاج المسلم، هو قبس من نور رباني في ظلمة اللحظة الإنسانية المجنونة الراكضة. شهر ينقّي القلب من مخاوفه وأوهامه، ويطرد عن الجسد فضلاته المتراكمة.

شهر رمضان آخذ في التحول إلى شهر أكلٍ وموائد ومقاهٍ ومسلسلات تلفزيونية لا تنتهي، وممارسات طقسية بائسة، وأين هذا من ذاك؟ فكأني برمضان الحق شهراً غريباً ما عاد يمر بديار المسلمين، وإن مرَّ فقلة قليلة تتنبه إلى مروره، وقلة من القلة القليلة تنزل إلى بحيرته الساحرة فتغتسل بمياهه البلورية!

back to top