إسرائيل إلى معسكر الدول المارقة

نشر في 11-03-2009
آخر تحديث 11-03-2009 | 00:00
 بلال خبيز يقولون في إسرائيل إن العالم تغير، يلمسون هذا لمساً ويشاهدونه عياناً، من أفضل من الإسرائيليين في معرفة تفاصيل هذا السر؟ أليست إسرائيل كانت طرفاً في المكالمات الهاتفية التي توصف بالمكالمات الحميمة بين ديوان رئاسة الوزراء في القدس والمكتب البيضاوي في واشنطن؟ اليوم يبدو كل شيء يتغير بالنسبة لهم، وهم خائفون، ويجدر بهم أن يخافوا.

81 وفداً دولياً اجتمعوا في شرم الشيخ لدعم إعمار غزة، وإسرائيل كانت غائبة، وهي التي دمرت، لكن غيابها لم يكن تحصيلاً حاصلاً، وعلى الأقل يجدر بنا أن نسجل عدد الغياب استناداً إلى وزن الحضور، فإسرائيل غائبة وأميركا حاضرة، وساركوزي أيضاً كان حاضراً وهو الذي حاز لقب صديق إسرائيل، لكن إسرائيل كانت غائبة. في مصر وبرعاية رئيسها حسني مبارك، يجتمع العالم لدعم السلطة الوطنية الفلسطينية وإعادة إعمار غزة، وفي تل أبيب يفكرون ملياً في هذا الأمر.

ربع المال، أو أقل قليلاً، قدمته أميركا التي مثلتها سيدة البيت الأبيض السابقة، ووزيرة الخارجية الحالية، فهل ستلجأ إسرائيل إلى تدمير المباني التي أعيد إعمارها بأموال أميركية؟ هذا سؤال لا يجدر بالناطقين باللغة الفارسية أن يتجاهلوه تماماً. في شرم الشيخ قالت وزيرة الخارجية الأميركية أيضاً إن لبنان لن يوضع على أي طاولة صغيرة أم كبيرة، وألا مساومات على استقلال وسيادة لبنان، فليسمح لنا محترفو تقديس السلاح بهذا الاستطراد الساذج: منذ نعومة أظفار الحركات السياسية العربية في لبنان التي قارعت إسرائيل وقاتلتها، كان ثمة معادلة لا محيد عنها تحركها، وتقول المعادلة إن الخطر الأكبر على سيادة لبنان الناجزة واستقلاله التام يأتيان من طبيعة المشروع الإسرائيلي المتعدي والإمبراطوري.

وإن هذا المشروع خلخل ويخلخل دولاً راسخة في المنطقة وخطره على لبنان لابد أنه أعظم بكثير، فقد لا تكون السيدة كلينتون من دعاة هذا الرأي، إنما لا بأس، فلندرأ الخطر الإسرائيلي الأعظم بحجة أميركية، وليسمح لنا الأشقاء بإنجاز استقلالنا وإتمامه. هل ثمة خيانة في مثل هذا السعي؟

مناصرو السيد خامنئي يملكون حججهم من دون شك، إذ يقولون إن التغيير في السياسة الأميركية محض وهم قاتل، لكن ما يفوتهم دوماً لا يتصل بهذا الأمر، فأميركا أكثر الدول ثباتاً في سياساتها الخارجية لأنها أقل الدول تعرضاً للضغوط، وهذا صحيح، ومع ذلك يجدر بنا أن نفكر مرتين، إن لم نقل عشراً: هل مازالت مصر هي نفسها مصر الخديوي إسماعيل والملك فاروق؟ أم أنها أصبحت دولة مهمة في العالم وتملك من الوزن ما يجعل مصالحها مأخوذة في اعتبار العالم وأميركا في مقدمة العالم؟ الأرجح أن الإجابة عن هذا السؤال يسيرة بعض الشيء.

إيران نفسها، حتى في ظل حكم الملالي، دولة لها اعتبارها ووزنها، وهذا الوزن لا يتأتى من صواريخها الباليستية، بل على الأرجح من تاريخها العميق والممتد في الزمن، ثم من ثقافتها الراسخة التي تعود جذورها إلى ما قبل الثورة الإسلامية طبعاً، وأيضاً، من أثار الحضارات التي تعاقبت على هذا البلد، فشيراز وتبريز بعض من كنوز البشرية جمعاء، ولن يكون سهلاً على جيش مهما بلغ عتوه أن يدمر هذه الكنوز على غرار ما فعل الطالبان بتماثيل بوذا في باميان، ومصر ليست أقل حضوراً في التاريخ مثلما أنها من دون شك أقوى حضوراً في الحاضر والمستقبل.

ولا أحد يشك في أن الجيش الأميركي أقوى جيوش العالم، وليس ذلك فحسب، بل إن قنبلة إيران اليتيمة التي تهدد العالم كله، ليست إلا نقطة في بحر السلاح النووي الأميركي، ومع ذلك يعرف العالم كله أن الجيش الأميركي لا يستطيع مهاجمة المملكة العربية السعودية. فهذا لو حصل، يغير العالم من حال إلى حال، كما لو أن جيشاً إيرانياً يهاجم حاضرة الفاتيكان ويفرض على البابا أن يقيم الصلوات الخمس، ومع ذلك لا يلحظ القادة الإيرانيون قوة الحضور السعودي في هذا المجال، فالأمر بالنسبة لهم يتلخص بعدد الصورايخ والطائرات. كم فيلقاً يملك البابا؟ هكذا كان ستالين يفكر، لكن إمبراطورية السوفييت انهارت وبقيت ممكلة الفاتيكان.

والحال، إذا كان تجاهل المصالح السعودية والمصرية أمراً يشق على أميركا نفسها فكيف هي الحال مع إسرائيل؟

في العودة إلى الخوف الإسرائيلي: مصدر الخوف الإسرائيلي يأتي من التغير الذي طرأ على السياسة الأميركية، وبدأت بوادره بالظهور تباعاً. هذا التغيير يتصل بتحجيم القدرة الإسرائيلية على استعمال مصدر القوة الأبرز الذي تملكه الدولة العبرية، ألا وهو الجيش القوي الذي يستطيع من دون شك أن يدمر غزة والضفة ولبنان في وقت قياسي، لكن ما يقيده هو رأي عام عالمي يتحول نحو تقييد حركة الجيوش بإصرار وثبات، وهذا مما يعرفه دعاة المقاومة: أليست سوق المجازر الإسرائيلية في غزة والضفة ولبنان هي بعض أسلحة المقاومة اليوم؟

إسرائيل تخشى أن يكون جيشها لم يعد قادراً على ضرب غزة بعدما قررت أميركا تمويل إعادة إعمارها، لكن الخشية الأكبر في إسرائيل اليوم تتعلق بالعزم الأميركي على محاورة إيران من أجل الوصول إلى حل في ملفها النووي. في هذه الحال لا تستطيع إسرائيل استعمال جيشها القوي، مثلما أنها لا تستطيع أن تشاهد السوق ينعقد في شرم الشيخ وهي منفية عنه.

البعض في لبنان وفلسطين وإيران وسورية مازال يقول: المقاومة حق مقدس. والمعنى أن هذه المقاومة تملك الحق في استعمال الوسائل كافة لإيذاء إسرائيل. القتل والخطف وتهديد أمن الإسرائيليين، والحق أن هذه المقاومة هي الوصفة الأسلم لتبرير حجة إسرائيل في استعمال جيشها، وبما أن القيد العالمي يزداد على إسرائيل ثقلاً ويشتد ضيقاً، فإننا أمام حكومة يمينية برئاسة نتنياهو في إسرائيل.

قد نشاهد إسرائيل تنزلق إلى معسكر الدول المارقة، إنما من قال إن إسرائيل كدولة مارقة ومحاصرة غير قادرة على الإيذاء، فهل ثمة خيار شمشوني في الأفق؟ هذا أمر أكثر من وارد. مع ذلك، لا أحد يستطيع أن يفهم لماذا يصر الحريصون على هزيمة إسرائيل على تخليصها من هذا القيد؟

السيد خامنئي يخطب في مؤتمر دعم غزة بالفارسية، والصحف في لبنان وفلسطين تصدر بالعربية، واللغات السامية تتحدر من جذر واحد، ولكن العرب يقرؤون في كتاب مختلف تمام الاختلاف عن الكتابين الفارسي والعبري على حد سواء.

* كاتب لبناني

back to top