حال الطب

نشر في 31-08-2008
آخر تحديث 31-08-2008 | 00:00
 مظفّر عبدالله

مجانية الطب كانت مناسبة ربما في بداية تأسيس الدولة، لكنها اليوم تجر على القطاع الطبي والمرضى معا مآسي ندفع ثمنها يوميا عبر التذمر والشكوى من الخدمات.

أول العمود: في غياب مجلس الأمة تفتقر الصحف إلى المواضيع التي تملأ بها ورقها... فهل الكويت مجلس أمة فقط؟

***

قرأنا في الأسبوع الماضي خبرا عن نية جلب 174 طبيبا أجنبيا لمواكبة الرغبة الأميرية السامية في زيادة عدد أسرة المستشفيات بواقع 1100 سرير، وهذا الإجراء- من دون دخول في الأرقام المشار إليها– ربما يؤدي إلى تخفيف الزحام على مراكز التطبيب في الكويت التي بدأت شريحة كبيرة من الناس تهجرها مرغمة إلى مستشفيات خاصة متكبدة مبالغ قد لا تكون في مستوى طاقتها المادية، وبدلا من أن تخدم مستشفيات الحكومة البسطاء من الناس أصبحت للميسورين منهم بسبب الواسطة!!

إدارة الرعاية الصحية نشرت في أوائل شهر أغسطس إحصائية حول عدد القوى العاملة في المراكز الصحية بفئاتها ومعدلها للسكان بحسب إحصائية يونيو 2007. وتبين من هذه الإحصائية أن إجمالي الأطباء (طب عائلة، ممارس عام، وتخصصات أخرى) لم يتجاوز 1167. وفي قسمة على تعداد السكان (3ملايين نسمة) كشفت الإحصائية أن كل 3.5 أطباء يواجهون 10آلاف من تعداد السكان!! وبالتالي فإن زيادة عدد الأطباء الذي أشرنا إليه في بداية المقال ليس حلا جذريا لمشكلة التطبيب في الكويت، بل هو ترقيع لمشكلة تكبر مع زيادة عدد السكان، وليس من المعقول مواجهة الزيادة السكانية بزيادة الكادر الطبي إلى ما لا نهاية. فالأصل هو في تشريع نظام التأمين على الخدمات الصحية، وليس التأمين الصحي كما هو معمول به للوافدين الذي لم يؤد إلى أي تطوير فعلي لمستوى الخدمات الطبية المقدمة، فالتأمين على الخدمات الصحية نظام معمول به في بريطانيا ونيوزيلندا وأستراليا وعدد من الدول الأخرى مفاده أن الدولة تتقاضى ضرائب محدودة من الفرد مقابل تقديم خدمات طبية ليس بالضرورة أن تكون بكاملها مجانية، كما هي الحال في مجال طب الأسنان، ومن تلك الضرائب يتم تطوير القطاع الطبي بشكل مستمر سواء من الناحية الإدارية أو من ناحية مستوى الخدمة الطبية التي راحت ضحية الإدارة السيئة للقطاع الطبي في الكويت.

لقد وصلنا إلى قناعة مفادها أنه ليس كل شيء يأتي مجانا يمكن أن يحسن معيشة الفرد، وهذه حال الطب في الكويت اليوم الذي يكتفي بحسنة مجانية العلاج كونه أحد أعمدة دولة الرفاه... فماذا كانت النتيجة؟ هروب أطباء كويتيين إلى دول الجوار للحصول على رواتب ومميزات أعلى، وفتح الباب للعلاج في الخارج بدلا من قلب المعادلة في جلب مستشارين وأطباء وأجهزة متطورة باعتبارها عملية تراكمية.

شخصيا لا ألوم الكثير من الأطباء في عدم إبداء مزيد من الاهتمام بمرضاهم وزائريهم، فنحن نلاحظ عند زيارة أي مستوصف أو مستشفى حكومي كم المرضى الذين يدخلون على الطبيب الواحد خلال الفترتين الصباحية أو المسائية، وإحصائية إدارة الرعاية الصحية التي أشرنا إليها تؤكد ما نذهب إليه، وبالمناسبة يؤكد الوكيل المساعد لشؤون الخدمات الفنية بالوزارة أن جاذبية عمل الأطباء الأجانب في الكويت تعتبر أقل من نظيرها في دول الخليج الأخرى بسبب الحوافز المادية!

مجانية الطب كانت مناسبة ربما في بداية تأسيس الدولة، لكنها اليوم تجر على القطاع الطبي والمرضى معا مآسي ندفع ثمنها يوميا عبر التذمر والشكوى من الخدمات، وإذا لم يتم تدارك هذا القطاع عبر المساهمة في تمويله جماعيا، حكومة وأفرادا، وإذا لم تتم إدارته من قبل أكفاء ومتخصصين فسنظل نتذمر ونتذمر... وكم منا من أخذ دواءه من يد الصيدلي ورماه في سلة المهملات بعد ساعات وذهب إلى مستشفى خاص ليشعر بكرامته!!

back to top