وزير مملوكي أنقذ مصر من المجاعة دراسة فرنسيّة توثّق آثار بدر الجمالي التاريخيّة

نشر في 06-11-2008 | 00:00
آخر تحديث 06-11-2008 | 00:00
No Image Caption

بدر الدين الجمالي، أمير الجيوش ووزير الخليفة الفاطمي المستنصر بالله وصاحب آثار كثيرة في مدينتي القاهرة والإسكندرية. اعتبره المؤرخون أقوى وزراء الدولة الفاطمية، كان لسياساته الاقتصادية والعسكرية أثر كبير في انتشال مصر من الأزمة الاقتصادية والمجاعة التي ألمت بها طوال سبع سنوات لم يستطع خلالها الخليفة المستنصر بالله السيطرة على زمام الأمور.

كان نجاح الجمالي مبرراً لبسط نفوذه على الدولة، فأمسك بزمام الحكم وصار الآمر الناهي برضى الخليفة، حتى أنه عيّن ابنه الأفضل الجمالي وزيراً لمصر من بعده.

جذب نجاح الوزير بدر الجمالي المؤرخين ليسهبوا في ذكر مآثره، وفي ظل الأزمة المالية العالمية التي تمر بها دول العالم راهناً، اختار المعهد العلمي الفرنسي للآثار الشرقية في القاهرة الآثار العمرانية التي خلدت اسم الجمالي في شوارع القاهرة والإسكندرية محوراً لدراسة بحثية يشارك فيها باحثون فرنسيون ومصريون فيها.

في هذا السياق يقول د. محمد أبو العمايم (باحث في المعهد العلمي الفرنسي) إن «الجمالي مملوك أرميني ومسيحي الأصل كان أميراً للجيوش في الشام، استدعاه الخليفة المستنصر من الشام ليوليه الوزارة عام 1073م كي يستعيد السيطرة على الأزمات التي كادت تودي بدولته.

شاءت الأقدار ألا تقتصر معاناة البلاد على اختلال الإدارة والفوضى السياسية، فجاء نقصان منسوب مياه النيل ليضيف إلى البلاد أزمة عاتية، وتكرر النقصان ليصيب البلاد بكارثة كبرى ومجاعة امتدت سبع سنوات متصلة من 1065م إلى 1071م، وعُرفت هذه المجاعة بالشدة المستنصرية أو الشدة العظمى.

هكذا أخذت دولة المستنصر بالله بالتداعي والسقوط، وخرجت بلاد كثيرة عن سلطانه، فقُتل البساسيري في العراق عام 1059م وعادت بغداد إلى الخلافة العباسية، وقُطعت الخطبة للمستنصر في مكة والمدينة، وخُطب للخليفة العباسي عام 1070م، ودخل النورمان صقلية واستولوا عليها، فخرجت عن حكم الفاطميين عام 1071م بعد أن ظلت جزءًا من أملاكهم منذ أن قامت دولتهم.

تداعى حكم المستنصر في بلاد الشام، فاستقلّ قاضي صور بمدينته وخرجت طرابلس عن سلطان الفاطميين، وتتابع ضياع المدن والقلاع من أيديهم، فاستقلت حلب وبيت المقدس والرملة عن سلطانهم عام 1071م ثم تبعتهم دمشق في العام التالي.

لم يكن أمام الخليفة المستنصر بالله للخروج من هذه الأزمة العاتية سوى الاستعانة بقوة عسكرية قادرة على فرض النظام، وإعادة الهدوء والاستقرار إلى الدولة التي مزقتها الفتن وثورات الجند، فاتصل ببدر الجمالي والي عكا، وطلب منه القدوم لإصلاح حال البلاد، فاشترط جمالي ألا يأتي إلا ومعه رجاله، فوافق الخليفة.

انتعاش

جاء بدر الجمالي بقواته الأرمينية من الشام فسكنوا القاهرة وحصنوها وزادوا مساحتها، وأعادوا بناء سورها، فأصبحت مدينة دفاعية مسورة لصدّ هجمات السلاجقة المحتملة عليها.

كذلك استطاع التخلّص من قادة الفتنة ودعاة الثورة، وبدأ بإعادة النظام إلى القاهرة وفرض الأمن والسكينة في ربوعها، وامتدت يده إلى بقية أقاليم مصر فأعاد إليها الهدوء والاستقرار وضرب على يد العابثين والخارجين، وبسط نفوذ الخليفة في جميع أرجاء البلاد.

نظم الجمالي شؤون الدولة وأنعش اقتصادها، فشجع الفلاحين على الزراعة ورفع الأعباء المالية عنهم، وأصلح لهم الترع والجسور، ما أدى إلى فيض في الحبوب وتراجع الأسعار. وكان لاستتباب الأمن دور في تنشيط حركة التجارة في مصر، وتوافد التجار غليها.

لم يكن ليتسنى للجمالي القيام بهذه الإصلاحات المالية والإدارية من دون أن يكون مطلق اليد، مفوضاً من الخليفة المستنصر، فأصبحت الأمور كلها في قبضة الوزير القوي، الذي بدأ عصراً جديداً في تاريخ الدولة الفاطمية في مصر، تحكم فيه الوزراء أرباب السيوف، وهو ما اصطلح عليه بعصر نفوذ الوزراء.

كان لدور الجمالي في رخاء البلاد بالغ الأثر في قلوب المصريين حتى أنهم أطلقوا اسمه على أحد أبرز أحيائهم آنذاك وهو حي الجماليّة الذي ما زال معروفاً إلى اليوم في مصر. بلغت سطوة الجمالي أن عهد بالوزارة الى ابنه الأفضل الذي كان يشاركه في أعمال الوزارة.

ترك الجمالي آثاراً خلدت اسمه في قلوب المصريين، فبنى في القاهرة مسجده المعروف بمسجد الجيوشي على قمة جبل المقطم، ومسجد العطارين في الإسكندرية ومسجد القمري في المحلة الكبرى ومسجد أبو الحجاج في الأقصر ومسجد العمري في أسنا والمسجد الكبير في قوص ومشهد السيدة نفيسة في القاهرة وأجزاء من مسجد أحمد بن طولون ومقياس النيل في القاهرة.

back to top