برامج المسابقات... لماذا تزدهر في رمضان؟ تغري بالربح السريع ويلجأ إليها العاطلون عن العمل!

نشر في 17-09-2008 | 00:00
آخر تحديث 17-09-2008 | 00:00

ما إن يبدأ شهر رمضان المبارك، حتى تبدأ معه وسائل الإعلام في التسابق على تقديم برامج الترفيه والتسلية، وتكثر برامج المسابقات خصوصًا التي تعتمد على الربح الفوري السريع من خلال طرح مجموعة من الأسئلة والتنافس عليها مقابل الحصول على جائزة معينة. تختلف وجهات النظر الإعلامية تجاه تلك النوعية من البرامج وارتباطها بالشهر الفضيل، منهم من يرى أنها تُدخل البهجة والسرور الى قلب المشاهد، والبعض الآخر لا يرى فيها سوى عملية نصب واحتيال من قبل الوكالات الإعلانية التي حولّت الإعلام الى إعلان وأصبح المشاهد بالتالي خاضعًا لعملية البيع والشراء. من ناحية أخرى، يرى رجال الدين أنه لا بدّ من الاستفادة من وقت الصيام لتصحيح فكر المشاهد وحثّه على الصلاة والإيمان بدلا من إعطاء التسلية والترفيه المساحة الزمنية الأطول من البث على الهواء.

لماذا تحرص الفضائيات العربية على اعتماد هذا النوع من البرامج بكثافة على شاشاتها في فترة رمضان المبارك؟ هل لتلبية رغبات الناس؟ أم لأن همّها الأوحد هو تأمين دخل ماليّ كبير من خلال اعتمادها على الاتصالات الهاتفية المباشرة والرسائل القصيرة، من دون النظر الى معاني هذا الشهر الفضيل وكيفية حثّ المشاهد على الصلاة وعمل الخير بدلا من التسلية وإضاعة الوقت؟

تعتمد برامح المسابقات على الربح الفوري السريع من خلال طرح مجموعة من الأسئلة الثقافية والأحاجي والتنافس عليها.

استقطبت هذه البرامج جمهوراً ضخماً نظراً إلى الديناميكية والتنوع اللذين تتمتع بهما، بالإضافة إلى كونها محفزاً جيداً للذهن، يستند على استدعاء المعلومة في وقت قصير للغاية، ما يصعب على كثير من المتسابقين، حتى إن كانت المعلومة المطلوبة سهلة وفي متناول الجميع.

«الجريدة» استطلعت آراء المشاهدين ورجال الدين والشرع حول أهمية برامج المسابقات ومدى نجاحها.

أصبح هوس المشاركة في برامج المسابقات هاجس الكثيرين، لا سيما في رمضان الفضيل، إذ يحرص المشاهدون في غالبيتهم على المشاركة فيها من خلال المكالمات الهاتفية المكلفة، أو إرسال مجموعة من الرسائل النصية القصيرة، بهدف الحصول على فرصة للربح. تجاوزت المسابقات محيطها المحلي لتصل إلى المشاهدين في شتى بقاع العالم العربي، بعضها هادف يعتمد على المعلومات العامة المفيدة، يؤيده المشاهدون ويحبذون استمراره، والبعض الآخر مبتذل لا يمت إلى الشهر الفضيل بصلة، ما أفقد رمضان طابعه الروحاني الجميل وتسبب في ابتعاد المشاهدين عن أجواء الطاعة والعبادة.

مبالغ نقديّة

يقول أحمد المسعود (42 عاماً): «ثمة نوع من المبالغة في بعض برامج المسابقات في شهر رمضان، تعرض غالبية المحطات إعلانات خيالية تُمنّي بها المشاهد بالربح الفوري للهدايا والمبالغ النقدية، ويكون الفوز للأسف شبه مستحيل. أعتقد أنها برامج تجارية بحتة، تفتقر إلى أهم عوامل النجاح، مثل التركيز على الثقافة الهادفة والمعلومات العامة، التي تعود على المشاهد والمتلقي بالفائدة حتى وإن لم يحالفه الحظ بالربح».

من ناحيته، يوضح عبد الكريم بهمن (35 عاماً) أن «المسابقات أفقدت رمضان طابعه الديني والروحاني، باتت محطات كثيرة تعتمد اليوم على مذيعات فاتنات لجذب الجمهور أمام التلفزيون، تماشياً مع متطلبات العصر، ما يتنافى وتعاليم ديننا الإسلامي حول العبادة والتقرب إلى الله في أيام رمضان».

تختلف أم أيوب الشطي عن الرأيين السابقين، فهي تؤيد برامج المسابقات، وترى أنها تضفي على شهر رمضان طابعاً جميلاً ومميزاً، ويحرص مشاهدون كثر على المشاركة فيها من باب التسلية والربح، تقول: «شخصياً أحرص على متابعتها ليس على القنوات المحلية فحسب بل الفضائية أيضاً. منذ زمن بعيد، اقترنت برمضان وأعطته روحاً مختلفة، وهي مستحبة وتجتذب أفراد العائلة ليجتمعوا أمام شاشة التلفزيون بهدف التسلية بعد تناول وجبة الإفطار».

رأي الإعلاميين

يؤكد مذيع قناة «الراي» نواف القطان أن نجاح البرامج يقاس بنوعيتها وفحواها ومدى تقبل الجمهور لها، فثمة برامج مسابقات عدة على قنوات كثيرة، بعضها مميز وناجح كما هي الحال مع برنامج المسابقات الذي يعرض على الراي «ورد وهيل»، يقول: «شهادتي بـ «ورد وهيل» مجروحة، للأمانة، حقق نجاحاً كبيراً على مستوى الوطن العربي، لمسنا هذا الشيء من تفاعل الجمهور ومن الكم الهائل من الاتصالات التي تردنا من دول عدة، لله الحمد حققنا فعلاً نجاحاّ مميزاً وصدى طيباً بجهود المسؤولين والقائمين على القناة، فهم حريصون على أن يكون البرنامج ملائماً للشهر الفضيل، اذ تتخلله أسئلة دينية ومعلومات عامة ترضي الجمهور وتحافظ على الطابع الرمضاني المميز».

يعود سبب انتشارها وشعبيتها، في رأيه، في هذا الشهر بالتحديد إلى الأجواء العائلية البحتة يقول القطان: {من المناسب جداً أن تعرض تلك البرامج في رمضان لتقديم الفائدة والمعلومة والهدايا، لرسم الإبتسامة على وجوه المشاهدين، فالتواصل بيننا وبين الجمهور هو ما نصبو إليه كإعلاميين، يكمن توجهي الشخصي في التقرب من قلوب المشاهدين بأسلوب راق وغير مبتذل لتحقق البرامج النجاح والانتشار».

التسلية والمتعة

أما مذيعة قناة «الراي» نورهان فتؤكد، وبحسب الإحصاءات، نجاج برامج المسابقات في رمضان، تقول: «لاقت في السنوات الماضية قبولاً كبيراً من المشاهدين، على الرغم من التركيز الإعلامي المتزايد على المسلسلات الدرامية والتي قللت بدورها من شعبية البرامج الأخرى، إلا أن برامج المسابقات كسرت القاعدة وأصبحت نداً قوياً للمسلسلات الدرامية، نظراً إلى رغبة الجمهور في الالتفاف حول شاشات التلفزيون في جو عائلي حميم، بقصد التسلية والمتعة وكذلك الربح».

توضح نورهان أن نجاح هذه البرامج يعتمد على المذيع والمخرج أكثر من المادة والمضمون، لأنهما عنصران أساسيان لنجاح برامج المسابقات.

رأي الدين

يرى د. عادل الدمخي (استاذ في كلية الشريعة ورئيس جمعية مقومات حقوق الإنسان) أن «لا ضرر من المشاركة في هذا النوع من البرامج والفوازير، فثمة مجموعة من المسابقات الجائزة شرعاً وهي التي تشجع على العلم والمعرفة، وبالتالي يقبل المشاهدون عليها للمنفعة والتزود بالمعرفة، وفي الوقت ذاته ثمة نوع من المسابقات غير الهادفة، تعتمد على جمع الأموال، تمتاز بنوع من المجازفة والمخاطرة، والربح فيها مجهول. هذا النوع غير جائز شرعاَ ويدخل من باب التشبه بالميسر».

يضيف الدمخي: «ليس المقصود هنا تحريم منح الأموال كجوائز، لكن من غير الجائز الدخول في مغامرات. يحتوي بعض برامج المسابقات على فقرات راقصة خارجة عن الدين كالفوازير وغيرها، للأسف نجد أن قنوات كثيرة تحرص خلال رمضان على عرض برامج راقصة واستعراضية ومسلسلات اجتماعية مبتذلة خارجة عن نطاق الدين والشرع، ولا تتلاءم مع الشهر الفضيل».

رأي علم النفس

من ناحيته، يوضح د. وليد فهمي أن هذه المسابقات تغري الشباب بالمكاسب المادية السريعة من دون بذل أي مجهود، لعدم وجود فرص عمل مناسبة أو لكثرة أوقات الفراغ والملل، «الشباب محبط ولديه أوقات فراغ كثيرة ولا يعرف كيفية استغلالها، ويساهم الإعلام بشكل أساسي في بث المسابقات السطحية من دون رقابة، وفي تسطح الفكر، كذلك، يؤدي عرض اعلانات المسابقات بكثرة الى ضغوط نفسية وتعزيز فكرة الكسب السريع، وبالتالي يزيد الاعتماد على مثل تلك المسابقات ويقلل الاعتماد على النفس، هذه حالة عامة تصيب الشباب العربي جميعاً».

يضيف فهمي: «تأتي المشاركة دائماً نتيجة الرغبة في خوض المغامرة والمقامرة على السواء، وبالتالي يسبب عدم الفوز احباطاً شديداً لدى الشباب، يتحول إلى اكتئاب، ويصبح تحقيق أحلامهم كالسراب، لذا لا بد من تدعيم قيمة العمل والدافع إليه ليصبح تفكير الشباب اكثر واقعية ومنطقية، ما يقلل الاعتماد على الوسائل الخيالية»، مضيفًا: «كذلك تعد المسابقات درباً من دروب المقامرة ومحاولة للكسب السريع بضربة حظ، ثمة كثيرون يحصلون على الأموال بصورة سريعة، من هنا يتأثر الشباب بهذه النماذج فضلاً عن الضغوط الاجتماعية والاقتصادية عليهم، ما يجعلهم غير قادرين على تحقيق أحلامهم. تؤدي المسابقات الى الكسل والإتكالية، فثمة شباب يخوضون تجربة المسابقات عبر الهاتف نتيجة للظروف الصعبة والبطالة التي يمرون بها».

متى بدأت؟

بدأت فكرة المسابقات التلفزيونية منذ أكثر من أربعين عاماً مع بدء بث الإرسال التلفزيوني، وكانت مقتصرة على الفوازير الرمضانية والتي كانت تعد نوعاً من التسلية والترفيه خلال الشهر الفضيل مع جوائز رمزية، واستمرت على هذا الشكل حتى السنوات العشر الأخيرة. حدث بعدها تطور هائل في وسائل الاتصال والتكنولوجيا الحديثة، المتمثلة في انتشار الفضائيات وتنوّعها مع ظهور خدمات الهواتف المحمولة وشبكة الانترنت وغيرهما، مما زاد على انتشار المسابقات، وتحولت إلى ما يشبه الهوس في جميع القنوات الفضائية وموجات البث الإذاعي وكذلك الصحف والمجلات ومواقع الانترنت والهواتف النقالة.

back to top