د. مجدي رفعت: عالج نفسك بالفرشاة والألوان!
كثيرة هي ضغوط الحياة اليومية، قد تصل بنا إلى ما هو أبعد من الإجهاد، الضغط أو حتى الاضطراب النفسي، وتدخلنا إلى عوالم من الاكتئاب، الوساوس، لنستحق بجدارة لقب مرضى نفسيين. لكن أياً من ذلك لن يحدث إذا تمكنت من تفريغ شحنات الضغط تلك، بل تستطيع تجديد طاقاتك واكتشاف جوانب مضيئة في ذاتك وتفجير مواهبك لتنطلق في الحياة بنظرة مشرقة وسعيدة.
كيف نفرغ تلك الطاقات ونكتشف أنفسنا؟ للإجابة هذا السؤال، التقت {الجريدة} د. مجدي رفعت خبير العلاج بالرسم.كيف أتتك فكرة العلاج بالرسم؟كنت في الرابعة عشرة من عمري، حين بدأ ولعي بالرسم. كنت أرسم كل ما يصادفني، بورتريه للوجوه، صور من الطبيعة، أشكال من خيالي. الرسم هو الهواية التي لم تفارقني إطلاقًا منذ طفولتي، إنه بالنسبة إلي حياة كاملة ووسيلة ناجحة تماماً لضمان الصحة النفسية، لذا تحمست لإيجاد ذلك النوع من العلاج في مصر، فمن خلاله أربط بين دراستي للطب عموماً وبين إيماني بالرسم وهوايتي الأصيلة، لذا أنشأت مركزاً متخصصاً لممارسته.أخبرنا عن ذلك المركز؟تترك دراسة الطب عموماً لدى المرء شعورا بالآخرين، فقد خلفت لدي رغبة عارمة في مساعدة المحيطين بي، وخلال عملي لسنوات في إدارة المؤسسات الطبية احتكيت بالناس باستمرار، عايشت معاناتهم المستمرة والتي يشكل الضغط النفسي الجزء الأكبر منها، فاهتممت بإنشاء مركز لا يهدف إلى الربح مطلقاً، إنما إلى مساعدة الآخرين في اكتشاف أنفسهم ومشاكلهم وتشخيصها وعلاجها، أبصرت فكرتي النور منذ سبع سنوات، وأضيف إليها الجديد يوماً بعد يوم.ما أنواع الأنشطة المتوافرة في المركز؟بطبيعة الحال أهتم بالرسم، لذا كان أول ما توافر في المركز، كذلك يتضمن أنواعاً أخرى من الفنون مثل النحت، الخزف، جلسات اليوغا والتأمل، ركن مخصص للتمارين الرياضية والبدنية. إذا جمعنا تلك العناصر في مجال واحد ستكون النتيجة الراحة النفسية. بالإضافة إلى كل ما سبق، فإن أحد أكبر اهتماماتنا هنا هو الأطفال، فهم الأكثر تلقائية والأقدر على التعبير عن أنفسهم، لذا هم الأسهل في التشخيص والعلاج.من هم رواد مركزك، وهل نطلق عليهم تسمية مرضى؟حين نتحدث عن الصحة النفسية، علينا التمييز بين المريض النفسي الحقيقي وبين المعرَّض، لسبب أو لآخر، للإصابة بالمرض النفسي، كذلك بين من يعاني من اضطرابات نفسية بسبب ضغوط معينة. يرتاد مركزي شرائح مختلفة من الناس، منهم من ينضم للمجموعة الثانية أو الثالثة، ومنهم من يأتي لمعرفة المزيد عن ذاته ومحاولة اكتشاف جوانبه الخفية، أو حتى للترفيه والمتعة. يمثل الأطفال شريحة واسعة نظراً إلى حساسية مرحلتهم العمرية.ما هي أسس التحليل والعلاج النفسي بالرسم؟ما من طريقة واحدة، أو خطوات محددة للعلاج النفسي بالرسم، بل الأمر رهن بإدراك المتخصص وإلمامه بجوانب الحالة التي يعالجها، ولعل إحدى أبرز المراحل هي التشخيص. ثمة مؤشرات تساعد في تشخيص الحالة، فمثلا مرضى الاكتئاب يظهرون جدا في تفاصيل رسومهم، وغالبا ما تقتصر على خط وحيد، أو يرسم المريض شخصاً يقف بمفرده في اللوحة، بينما نرى مريض الوسواس القهري مثلا مولعا بالتفاصيل، كذلك يكثر المصاب بالهياج العصبي من استخدام الألوان الساخنة والمتناقضة مثلا كالأحمر مع الأسود، وهكذا.إذا هل هو علم أم موهبة شخصية؟ بالطبع يعتمد الأمر على العلم، لا بد من دراسة الطب النفسي والإلمام بأنواع المرض النفسي وحالاته وخصائصه، كي يكون التشخيص والعلاج أمراً ممكناً، كذلك لا يخلو من العوامل الشخصية، التي لا أحبذ أبداً وصفها بالموهبة، إنما أفضل مثلاً الخبرة أو الممارسة التي تعطي أبعاداً أخرى للعلاج. لم أتخصص في الطب النفسي، لكنني درسته واعتمدت على حبي الشخصي للرسم والفنون وإحساسي بها، وأعتقد أن هذا هو الفصل، فالإحساس أكثر ما يميز الطب النفسي في رأيي.كيف يؤثر الرسم في الحالة النفسية؟ثمة تأثيرات عدة للرسم، ويعد أقوى أنواع التعبير على الإطلاق، يدرك المرء غالباً معنى الكلمات التي يقولها، وبذلك يختار تلك التي تعبر عن المعنى المرغوب فيه. أما في الرسم، فيجهل أصلا المعنى الذي تحمله الرسوم ويتركها تخرج بحرية، بتلقائية من دون رقابة. الرسم هو عالم رحب من الحرية، والمساحة التي يمكن لكل منا أن يعبر من خلالها عما في داخله بعفوية، وعن إحساسه، تعجز ألف كلمة عن وصف الإحساس الموجود في الرسم، فهو يعمل أساسا على تنفيس الضغط وإخراج الشحنات العاطفية والعصبية المخزونة، التي تتسبب في غالبية الاضطرابات النفسية، بل والأمراض النفسية كذلك. هكذا تكون ممارسة الرسم بصورة سليمة ضمانة للصحة العصبية والنفسية.كيف تستخدمه في الطب النفسي؟ثمة استخدامان أساسيان: الأول خاص بالتشخيص، فمن خلال تحليل لوحات للمريض يمكن تحليل حالته بصورة مفصلة، وتغطية جوانب الشخصية المتعددة، تحمل كل رسمة أو لوحة في طياتها رسالة خفية وتفشي سراً من أسرار الشخصية، لذا تؤدي دورا هائلا في تحديد الحالة، هل هي مرضية أم مجرد اضطراب؟، وتساعد في ما بعد في تحديد العلاج الأمثل.ماذا عن الاستخدام الثاني؟الاستخدام الثاني - بعد التشخيص- هو في العلاج نفسه، ففي بعض الأحيان يكون مجرد وجود الصورة خطوة في العلاج، مثل بعض الحالات التي يتوهم المريض فيها أنه غير موجود، أو غير متحكم في ذاته على الإطلاق، هنا تكون الرسوم بمثابة دليل على وجوده وقدرته، فتكون خطوة في العلاج. عموماً يساعد الطبيب المختص المريض في معالجة الانحرافات الموجودة في رسومه وهي الطريقة غير المباشرة لتعديل الانحرافات النفسية، وبالتالي علاجه. كلنا يتأرجح بين العقل والجنون ويرجح الرسم كفة العقل.ما أبرز الصعوبات التي واجهتك في ذلك المجال؟أعمل منذ سنوات في العلاج بالرسم في مصح عقلي، أتعامل مع مرضى نفسيين، مدمنين وأطفال معاقين. واجهتني حالات كثيرة غاية في الصعوبة، لكنني أذكر دائما مريضا بعينه، كان يعاني من حالة متأخرة جدا من الاكتئاب وميول حادة إلى الانتحار، وفي إحدى الجلسات رسم صورة في غاية التعبير، رسم نفسه وحيدا ومنتحرا. على الرغم من قسوة هذا الرسم وصعوبته إلا أنه أنهى لديه الرغبة في الانتحار، لأنه ببساطة انتحر في الصورة ونفذ رغبته الملحة.وأطرف ما واجهك؟أذكر جيداً أنه في إحدى الجلسات كانت المريضة تعاني من آلام حادة في الرأس وقالت لي: {أشعر كأن قدم أحدهم فوق رأسي}، بالفعل رسمت صورة لرأسها تحت حذاء كبير، فبدأت أحدثها عن طلب المساعدة وكيف يمكنها أن تجد من يزيح الحذاء من على رأسها، فرسمت صورة لملاك يساعدها، وبالفعل تحسنت وزال الألم تماما.هل ثمة خطوات أو نصائح تفيد غير المتخصصين؟بداية، أنصح بضرورة وجود فرشاة وألوان وأوراق للرسم في البيوت، وعند الشعور بأي ضغط، حيرة، غضب، حزن، غيظ، أو أي شعور آخر ابدأ بالرسم، أترك لنفسك العنان واترك الفرشاة تترجم ما في داخلك، وتأكد أنك مع نهاية اللوحة ستشعر بتحسن شديد، بل يمكن حتى أن تفهم شعورك بصورة أفضل من السابق، فتعرف مثلا ما الذي أزعجك في موقف معين، أو ما يتعين عليك فعله حيال شيء ما. أما أكثر ما أؤكد عليه، فهو ضرورة إعطاء المساحة الكافية للأطفال للرسم كما يحلو لهم، من دون توجيههم نحو شيء بعينه، أو إحضار معلم للرسم. أتركوا أطفالكم يعبرون بفطرتهم وتلقائيتهم فهم يرون ما لا ترونه، وهم أقدر على التعبير عن أنفسهم منا، شجعوهم على الإبداع والتنفيس عن أنفسهم من خلال فن راق مثل الرسم.