ليس كل ما ينشر في الصحف مسمار بلوح

نشر في 14-12-2008 | 00:00
آخر تحديث 14-12-2008 | 00:00
No Image Caption
يا معود، والله مكتوب بالجريدة... تفعل هذه العبارة مفعول السحر عند كثير من الكويتيين، إذ يعتقدون أن ما ينشر في الصحف هو بالضرورة صحيح تماما ولا تشوبه شائبة، يكفي أن يكون منشورا بصحيفة ما، أي صحيفة، يصبح حينها من المسلّم به... ربما لا يعلم الكثيرون ان عددا غير قليل من الأخبار المنشورة في الصحف غير...
 عبدالله العتيبي يا معود، والله مكتوب بالجريدة...

تفعل هذه العبارة مفعول السحر عند كثير من الكويتيين، إذ يعتقدون أن ما ينشر في الصحف هو بالضرورة صحيح تماما ولا تشوبه شائبة، يكفي أن يكون منشورا بصحيفة ما، أي صحيفة، يصبح حينها من المسلّم به...

ربما لا يعلم الكثيرون ان عددا غير قليل من الأخبار المنشورة في الصحف غير صحيح، وحتى إذا كان الخبر أوالتقرير أو التحقيق صحيحا فهو مكتوب ليفهم بالطريقة التي تريدها الصحيفة، ويجري التغيير والحذف منه كي يكون ملائما لتوجه الناشرين، من تنظيمات وقبائل وطوائف وعائلات.

عندما تتوجه الى بعض الدواوين، تشعر أن حربا ستقوم في أي لحظة، بسبب السجالات والتناحر بين مختلف الاطراف، وينطلق كل شخص من قناعة أساسها خبر في صحيفة «أنا متأكد أني قريته في وحده من الجرايد»، ويرد آخر «يبا صدقني الحكومة طايرة طايرة الكاتب (...) يقول».

على هذا المنوال يمضي الجدل بلا طائل، ولعل الازمة الاخيرة بين مجلس الأمة والحكومة كشفت مقدار «الفبركة» الموجودة في الصحف، والخلط الواضح بين المزاعم والاخبار والتمنيات، ساهم فيها زيادة عدد الصحف، وبدلا من أن يكون حافزا لتحري الدقة، وتوسيع قاعدة المشاركة، بدا أن كل مؤسسة تغني على... مصالحها، بل وراجت القبلية والطائفية والطبقية على حساب الوطنية.

تطبق بعض الصحف سياسة «اكذب اكذب حتى يصدقك الناس»... في إصرارها على تكرار تقارير غير صحيحة، حتى تصبح ملتصقة بشخص ما، فقط لأنه لا يروق لها أو لا يدعم توجهاتها، وفي العام الماضي، ربما لم ينتبه القراء الى صورتين نشرتهما صحيفتان، بعد فبركتهما بصورة واضحة، لزيادة عدد حضور ندوتين جماهيريتين، عدا توزيع التهم على المخالفين من دون دليل، والتعرض لعائلاتهم بإهانات بالغة بلا رحمة.

يتحمل القارئ مسؤولية مضاعفة، لأنه يساهم في تكريس الصحافة السيئة، ويدعم الاحتيال الذي تقوم به، فكثير من القراء يطالعون عناوين الموضوعات فحسب، من دون قراءة النص كاملا، في حين أن بعض العناوين تكون مضللة تماما، ولا تمت بصلة إلى النص المرفق، بل توضع عناوين مخاتلة، لتوجيه القارئ وخداعه.

تنجح بعض الصحف في زرع تصورات في عقول بعض القراء غير موجودة أصلا، لكنها تستغل معرفتها بشريحة كبيرة من القراء تقرأ بطريقة «سطحية»، علاوة على أن المجتمع الكويتي يستمع كثيرا الى «القيل والقال»...ويستند الى وكالة «يقولون» من دون تمحيص.

المؤسف أن من يدفع ثمن هذه المخالفات هي الحرية المستباحة، فالباحثون عن مزيد من الحريات يشاهدون مقدار التجني الذي يتعرض له البعض، من جهات تستغل الانفتاح النسبي الموجود لضرب الآخرين، بحجة «حرية التعبير»... بينما يجري حجب كل الآراء الأخرى.

يعتقد البعض أن امتلاك صحيفة يعني امتلاك ناصية الحقيقة، وما دامت البذاءات والاكاذيب تنشر في صحيفة ما، فهي الحقيقة كاملة، والصواب المنجز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، أو كما يقال باللهجة المحلية «مسمار بلوح»... لكنه في الواقع مسمار في نعش الحرية المنتهكة.

أمعنوا النظر في الصحف لتتأكدوا...ولا تصدقوا كل شيء.

back to top