جاسوس بلا قلب خميس بيومي... مفجِّر السفارة العراقيّة ومكاتب منظّمة التحرير في بيروت

نشر في 18-09-2008 | 00:00
آخر تحديث 18-09-2008 | 00:00
عرضنا في الحلقات السابقة باختصار قصة أمينة المفتي التي زُرعت بين رجال المقاومة الفلسطينيين، وكان دورها إرسال كل ما هو متاح أمامها من معلومات تخص المقاومة، نعرض في هذه الحلقة واحدة من العمليات المخابراتية القذرة، المنصرفة إلى أعمال القتل والتخريب، وبث الشقاق والعداوة، وزعزعة الاستقرار الداخلي بإشعال الفتن والضغائن بين العشائر.

تلك المهام لا يتولاها أي شخص، بل تختاره الأجهزة المخابراتية وفق شروط صعبة معقدة، حيث يُخضع لدورات تدريبية أشد تعقيداً عن تلك التي ينالها الجاسوس المكلّف بجلب الأخبار، يُغسل تماماً من مشاعر الإنسانية، تُنزع من قلبه مشاعر الحب والشفقة والندم، وتُزرع مكانها الغلظة والقسوة والجفاف، تُخنق عواطفه الفطرية فيتحول بعد ذلك إلى مخلوق بلا قلب، يتحرك الوحش الكامن فيه بالأمر، ويسكن بداخله بالأمر أيضًا.

عام 1965، عُقد مؤتمر القمة العربية في القاهرة، الذي تقرر فيه تحويل روافد نهر الأردن، وبُحثت فيه الإجراءات العسكرية الواجب اتخاذها لمواجهة أي رد فعل إسرائيلي ضد عمليات التحويل، فقدمت القيادة العربية المشتركة خطة موحدة حددت فيها الإمكانات العسكرية التي يجب أن تتوافر لدى كل دولة من الدول العربية المتاخمة لإسرائيل، حتى إذا ما وقع أي هجوم إسرائيلي يتصدى له رد جماعي عربي.

كان نصيب لبنان من تلك الخطة سرباً من الطائرات وراداراً، على اعتبار أنه يملك مناطق استراتيجية عسكرية مهمة على رؤوس قمم الجبال. وخوفاً من وقوع هجوم عليه يدمر طائراته وراداره، تقرر إعطاؤه أيضاً بطاريات صواريخ أرض/ جو، وبعد أن وزّعت الخطة انتقل البحث إلى التكاليف وتحديد الجهات العربية التي ستتولى التمويل، بحيث تكون لديه صواريخ نقالة لا تكون عرضة لعمليات نسف إسرائيلية. قوبل هذا التبدل في السياسة والتسليح بغضب أميركي.

خلال عامي 1971و 1972، عاش لبنان مأساة الخلاف مع الفلسطينيين، ووقعت حوادث مايو (أيار) 1973 وتدهورت علاقاته مع الدول العربية، لكن تلك السياسة ما لبثت أن تبدلت بعد ذلك، وبعد حرب أكتوبر انفتح لبنان على العرب وعلى المقاومة الفلسطينية، ورأى أنه لا بد من التنسيق مع العرب والمقاومة للذود عن أجوائه وسيادته. تجلت تلك السياسة الجديدة بذهاب الرئيس سليمان فرنجية إلى الأمم المتحدة ليقول كلمة العرب في القضية الفلسطينية، وتجلت أكثر بتخلي لبنان عن فكرة إخلاء المخيمات الفلسطينية من الأسلحة الثقيلة، وساد شعور ضمني بأن هذا السلام في المخيمات هو قوة للبنان واللبنانيين.

لم تقف إسرائيل ساكنة أمام تلك التغييرات، فقد استشعرت بأن لبنان بدأ يسير بخطى ثابتة للانتقال من مرحلة الدولة المساندة إلى مرحلة الدولة المواجهة.

التغيّر اللبناني

بينما كانت تتشكّل خطوط السياسة اللبنانية الجديدة، كانت إسرائيل تراقب بقلق وحذر، فمن شأن لجوء لبنان إلى «الشرق» متلاحماً مع دول المواجهة فتح جبهة عربية خامسة ضد إسرائيل، تضطرها إلى تغيير استراتيجيتها العسكرية كلها، ويحل بذلك السخط الإسرائيلي والأميركي على لبنان.

لكل ذلك، أعطت أميركا الضوء الأخضر لإسرائيل لتعربد في لبنان وتضرب النبطية ضربات مستمرة متلاحقة، ويتسع نطاق ضرباتها لتشمل مخيمات اللاجئين حتى في بيروت نفسها.

بدأ دور المخابرات الإسرائيلية في عرقلة التطورات اللبنانية، وقطع خطوط التوافق والتمازج بين لبنان والعرب، باللجوء الى أسلوب شبكات التخريب، حيث رأت أنه الحل الأسرع والأسهل، ذلك لأنها جرّبته كثيراً ونجحت فيه، ولها عشرات السوابق في ذلك أهمها فضيحتي «لافون» وتهديد علماء الصواريخ الألمان وقتلهم في مصر.

لذلك جندت اسرائيل اللبناني خميس أحمد بيومي (34 عاماً) ودربته على أن يكون جاسوساً بلا قلب، منزوع المشاعر وحشياً في إجرامه، لتنفيذ سياستها التخريبية في لبنان والضرب بلا رحمة في الصميم.

عزيز قوم ذل

فى إحدى البنايات المطلة على البحر مباشرة في طريق بوليفار، ولد خميس لأسرة ميسورة جداً وافرة العدد، فوالده مقاول كبير يملك مكتباً فخماً يموج بعشرات الإداريين، وفي محيط هذا الثراء عاش مدللاً مرفهاً ومنعماً، لا يعلم من أمر الدنيا سوى اللهو والسهر في مقاهي بيروت وصيدا برفقة من يماثلونه ثراء، فقضى سنين عمره بحثاً عن المتعة ومطاردة الحسان، متجاهلاً نصائح والده الذي فشل في الاعتماد عليه في إدارة أعماله، فتركه لحاله يائساً منه، غاضباً عليه، على أمل أن يأتي يومٌ ويفيق إلى نفسه.

لكن أمله لم يتحقق في حياته، إذ مات فجأة في حادث سيارة، وتبين لأسرته أنه مدين بمبالغ طائلة للبنوك، وأفاق خميس على واقعه المؤلم وقد صفعته الصدمة وزلزلته الكارثة، خصوصا وقد تهرب منه أصدقاء السوء فوجد نفسه فجأة العائل الوحيد لأمه وإخوته الستة، وكان عليه أن ينبذ ماضيه ليقيهم مرارة الفقر والعوز والمعاناة.

عمل خميس اختصاصياً للعلاج الطبيعي في أحد مراكز تأهيل المعوقين في صيدا، وبعد مرور أربع سنوات في العمل، اكتشف أنه مثل الثور الذي يجر صخرة يصعد بها إلى الجبل، وفي منتصف المسافة تنزلق الصخرة، فيعاود الكرة من جديد من دون أن يجني سوى الشقاء، لذلك كره نفسه وواقعه، وفكر فى الهجرة إلى كندا وبذل جهداً مضنياً لكن محاولاته فشلت، فخيمت عليه سحابات الغضب واليأس، وانقلب إلى إنسان عصبي وعدواني، وأصبح مخلوقا ضعيفا عاجزا عن المقاومة وسط حالة الفشل التي تلفّه من الجهات كافة.

في شباك الجاسوسيّة

ذات صباح التقى خميس بسيدة أرمينية مسنّة، جاءت لتسأله عن إمكان عمل علاج طبيعي لابنتها المعاقة في المنزل، وأعطته العنوان لكي يزورها بعدما أطلعته على التقارير الصحية التي تشخّص حالتها.

وجد خميس في حديثها وملبسها علامات الثراء، فزار منزلها حيث كانت ترقد «غريس» بلا حركة، طفلة في التاسعة من عمرها في عينيها شعاعات الأسى والبراءة.

ظل خميس مداومًا على زيارتها للعلاج إلى أن التقى بخالها «كوبليان» تاجر المجوهرات في بيروت، فتجاذبا معاً أطراف الحديث، وقص خميس حكايته مع الثراء وليالي بيروت، وصراعه المرير مع الفقر لينفق على أسرته، وسأله كوبليان سؤالاً محدداً، عن مدى قدرته على الإقدام على عمل صعب بمقابل مادي كبير، فأكد خميس استعداده لعمل أي شيء في سبيل المال.

سافر كوبليان إلى بيروت وقد خلف وراءه صيداً سهلاً، ضعيفاً، يكاد يفتك به قلق انتظار استدعائه، وما هي إلا أيام حتى فوجئ كوبليان بقدوم خميس يرجوه أن يمنحه الفرصة ليؤكد إخلاصه، فهو ضاق ذرعاً بالديون والحرمان ومتاعب الحياة.

رحب به عميل الموساد واحتفى به على طريقته، وهيأ له الفرصة لكي يجدد ذكرياته أيام الثراء، ولم يكن الأمر سهلاً بالطبع فسرعان ما انجذب خميس لماضيه، وترسخت لديه فكرة العمل مع كوبليان كي لا يُحرم من متع افتقدها.

كانت آلاف الليرات التي تُنفق عليه دافعاً الى زيادة ضعفه وهشاشته، ونتيجة لحرمانه لم يعارض مضيفه في ما عرضه عليه، وكان المطلوب منه حسب ما قاله، تهديد المصالح الأميركية لموقفها مع إسرائيل ضد لبنان، وضد العرب، ولما أعطاه خمسة آلاف ليرة – دفعة أولى – قال له خميس إنه مع النقود ولو ضد لبنان نفسه.

مفخّخات ومتفجّرات

أقام خميس في إحدى شقق بيروت، ينفق من أموال الموساد على ملذاته، وتعهّده ضابط مخابرات إسرائيلي ينتحل شخصية رجل أعمال برتغالي اسمه «روبرتو»، يجيد التحدث بالعربية، فدربه على كيفية تفخيخ المتفجرات وضبط أوقاتها، وكذلك التفجير عن بعد، وأساليب التخفي والتمويه وعدم إثارة الشبهات.

كانت عملية إعداد العبوات الناسفة من مادة T.N.T شديدة الانفجار صعبة ومعقدة، تستلزم تدريباً طويلاً، خصوصا أن خميس لم يسبق له الالتحاق بالجيش ولا يملك أية خبرات عسكرية تختصر دروس التدريب.

في أولى عملياته التخريبية، أصدرت إليه الأوامر بتفجير السفارة العراقية في بيروت. سكت خميس ولم يعلق، فقد تحسس جيبه المتخم بالنقود. حمل حقيبة المتفجرات بعدما ضبط وقتها وتوجه إلى مبنى السفارة بهدوء وثقة، وغافل الجميع عندما خرج من المبنى من دون حقيبته التي تركها في الصالة الرئيسة خلف قطعة ضخمة، ووقف عن بعد ينتظر اللحظة الحاسمة.

نصف ساعة وملأ الحي دويّ الانفجار، قُتل تسعة بينهم خمسة لبنانيين. عاد خميس إلى شقته لاهثا يلفه الخوف والذعر، ولحق به روبرتو ليجده على هذه الحال، فصفعه بعنف قائلاً إنه يعرض نفسه بذلك للخطر.

وقف خميس مكانه ساكناً شاحباً، فيما انهالت عليه كلمات اللوم والتقريع والسباب، فالسيطرة عليه كانت مطلوبة عنفاً ولينا، ترهيباً وترغيباً، منحاً ومنعاً، وتلك أمور يجيدها خبراء السيطرة والالتفاف في أجهزة المخابرات، وهم أدرى الناس بكيفية التعامل مع الخونة والجواسيس، فهم يخضعون تصرفاتهم وردود أفعالهم وفقاً لنظريات علمية مدروسة ومحسوبة بدقة، وليس لمجرد هوى في النفس، فترويض الخونة في شبكات التخريب أمر بالغ التعقيد والصعوبة.

عندما أذاع التلفزيون حادث التفجير وملأت صور الضحايا والمصابين الشاشة، كان روبرتو يراقب خميس عن قرب، ويدرس تفاعلاته وانفعالاته، وكانت المسألة مجرد تدريب على وأد مشاعره وقتل أية محاولة للرفض أو التمرد، أو الندم.

قصدت إسرائيل من تفجير السفارة العراقية في بيروت إشعال الشقاق بين الدولتين وتأجيج الخلاف بينهما، فالعراق كان يسعى وبشدة الى تقوية أواصر العلاقة بين لبنان والاتحاد السوفياتي، ويؤيد لبنان في خطواته نحو الاتجاه إلى الكتلة الشرقية. قصدت إسرائيل كذلك توجيه الاتهام إلى المقاومة، مما يفقدها التأييد اللبناني والمساندة.

نظراً الى ظروفه السيئة، أُغدقت الأموال على خميس فكفر بعروبته وتحول بعد مدة قصيرة إلى دموي يعشق القتل والدم، بل واستطاع تجنيد لبناني آخر اسمه جميل القرح كان يعمل مدرساً وطُرد من عمله لشذوذه مع تلاميذه الأطفال، فتصيّده خميس وجرّه إلى نشاطه التخريبي، وبارك روبرتو انضمامه للشبكة. لم يستغرق تدريبه وقتاً طويلاً، فبسبب خدمته في الجيش كان أكثر تفهماً لخطوات التدريب، كذلك أعمته الموساد بالأموال أيضاً فغاص لأذنيه في التفجير والتخريب وقتل الأبرياء، فشكل الاثنان معاً شبكة إرهابية هزت عملياتها بيروت.

صواريخ السيّارات

في التاسعة من صباح الثلثاء 10 ديسمبر (كانون الثاني) 1974 وبينما عدد كبير من موظفي مكتب منظمة التحرير في منطقة كورنيش المزرعة، يقومون بأعمالهم اليومية الاعتيادية، هزهم انفجار قوي، تبين أنه حدث في الطابق الأول من المبنى حيث معرض «ذبيان وأيوب» للمفروشات، وعثر رجال الأمن على سيارة فيات 132 بيضاء اللون تقف على الرصيف المواجه، ووجدوا على سطحها قاعدة لإطلاق أربعة صواريخ آر . بي . جي بلجيكية الصنع عيار 3.5 بوصة، مركّزة على لوح خشبي متّصل بأسلاك كهربائية انطلقت منها الصواريخ.

وسّع رجال الأمن دائرة التفتيش، فعثروا على بعد 65 متراً من السيارة الأولى، على سيارة ثانية من ماركة «فيات} أيضاً، وعلى سطحها صندوق خشبي آخر تخرج منه أسلاك كهربائية متصلة ببطارية السيارة.

أُخليت مكاتب المنظمة وسكان البناية، وقبيل مجيء خبير المفرقعات، شوهد الصندوق الخشبي يفتح أتوماتيكياً لتنطلق منه ستة صواريخ آر . بي . جي، أصابت مباشرة مكاتب المنظمة وتحطّم واجهاتها ومحتوياتها.

في الوقت نفسه تقريباً، تعرض مركز الأبحاث التابع لمنظمة التحرير، والكائن بالطابق الثاني من بناية الدكتور راجي نصر، في شارع كولومباني المتفرع من شارع أنور السادات، لهجوم صاروخي مماثل، إذ انفجرت أربعة صواريخ دفعة واحدة، انطلقت من على سطح سيارة «أودي 180»، وعثر إلى جانبها على غليون خشبي، وأسفرت العملية عن تدمير القسم الأكبر من مكتبة المركز التي تضم أكثر من 15 ألف كتاب وإصابة الكثير من المواطنين والسيارات.

بعد مرور دقائق عدة من تلك الانفجارات، تعرض مكتب شؤون الأرض المحتلة في الدور الأول من بناية الإيمان لصاحبها جعيفل البنا، والكائنة في شارع كرم الزيتون، لهجوم رابع مماثل بأربعة صواريخ.

كان خميس ذا دور فاعل في التفجيرات الأربعة، يشاركه جميل القرح وثلاثة جواسيس آخرين استطاع القرح تجنيدهم وضمهم إلى الشبكة الإرهابية، وكان أسلوب منصات صواريخ السيارات أسلوباً جديداً لم تعرفه بيروت من قبل، أو أية عاصمة عربية أخرى.

لم يقف الأمر عند تفجير سفارة العراق ومكاتب المنظمات الفلسطينية، بل تعداه إلى ما هو أبعد بكثير، إذ طالت الانفجارات الكنائس والمساجد لإثارة الفتن بين الطوائف، وإظهار عجز رجال الأمن اللبناني عن اكتشاف الجناة، أو إحباط المؤامرات التي تحاك فوق الأراضي اللبنانية.

ولأسباب كثيرة، أولها أن الأجهزة اللبنانية ترى أن التعاون مع أجهزة الأمن الفلسطينية أمر معيب ومسيء لسمعتها، وثانيها، أن الدولة اللبنانية لا تزال تفضّل السياحة على الأمن، والسبب الثالث هو التأرجح ما بين دولة المساندة ودولة المواجهة. كانت شبكة خميس بيومي وشبكات تخريبية عدة أخرى تعمل في لبنان بحرية مطلقة، وينسل أفرادها من بين رجال الأمن كالرمال الناعمة، فأوقعت تلك الشبكات لبنان في مستنقع عميق، وتأزمت العلاقة مع الفلسطينيين بسبب اللامبالاة اللبنانية في مطاردة العملاء ومحاكمتهم.

في تلك الأثناء، كانت سلطات الأمن الفلسطينية ألقت القبض على بلجيكي، بعدما تأكد لها أنه جاسوس إسرائيلي، وأثناء التحقيق معه قامت القيامة واشتد الضغط اللبناني لإطلاق سراحه، فسلموه للسلطات الأمنية مع ملف يحتوي اعترافاته، ليطلقوا سراحه بعد 24 ساعة!!.

الأمن والهدنة

أما الذين سُمح للفلسطينيين بالتحقيق معهم، فقد اعترفوا اعترافات كاملة بأنهم عملاء للموساد، وثار الشيخ بهيج تقي الدين وزير الداخلية اللبناني للملاحقة الفلسطينية الدؤوبة للجواسيس الأجانب، واشتدت الأزمة واستحكمت حلقاتها بعد موجة التفجيرات التي هزت لبنان كله، لدرجة توجيه نداء في الصحف يوم الجمعة 27 ديسمبر (كانون الأول) 1974 للذين يزرعون القنابل والصواريخ، أن يعلنوا الهدنة لمدة 48 ساعة تبدأ قبل رأس السنة بيوم واحد!!، تماماً كما حدث في بريطانيا سابقاً مع ثوار إيرلندا، وكتبت الصحف في لبنان أنه أمام عجز الدولة عن إلقاء القبض على أي متهم بزرع القنابل، لا مفر لديها من أن تلجأ إلى عاطفته الإنسانية، وترجوه أن يتوقف ليومين، أما إذا لم يستجب زارعو القنابل لرجاء الحكومة، فلا مانع من إعلان بيروت مدينة مفتوحة لمدة يومين، وليتحمل زارعو القنابل مسؤوليتهم أمام الضمير الإنساني، والتاريخ.

في التاسع من يناير (كانون الثاني) 1975، ألقى رجال الأمن الفلسطينيون القبض على خميس بيومي في شارع كورنيش المزرعة، عندما كان يرسم لوحة كروكية لأحد مباني المنظمة الفلسطينية، وأثناء التحقيق معه استخدم كل أساليب المراوغة والدهاء التي تدرب عليها، واحتاط لأيام عدة كي لا يقع في المحظور، لكن الاستجواب المطوّل معه أصاب مقاومته في الصميم، وتلاشت تدريجياً خطط دفاعاته وهم يلوحون له باستخدام طرق التعذيب معه لانتزاع الحقيقة، فاعترف بكل شيء، وقُبض على جميل القرح الذي مات بالسكتة القلبية قبلما يعترف بأسماء أعوانه الثلاثة الآخرين، أما روبرتو فقد اختفى ولم يُقبض عليه، وتسلمت السلطات اللبنانية بيومي وقدمته للمحاكمة وعوقب بعشر سنوات في السجن!!!.

back to top