تطور العلاقات الإيرانية- التركية وانعكاساتها على المنطقة 2– 3

نشر في 26-06-2008
آخر تحديث 26-06-2008 | 00:00
 د. مصطفى اللباد دخلت العلاقات الإيرانية- التركية مفترقاً حاسماً بعد احتلال العراق عام 2003، إذ ساهم هذا الاحتلال في تبدل موازين القوى الإقليمية لمصلحة إيران وبشكل جعل المصالح التركية عرضة للخطر من جراء طفور الطموحات القومية الكردية ومخاطر امتدادها إلى جنوب شرق الأناضول وأغلبيته السكانية الكردية.

شهدت العلاقات الثنائية بين إيران وتركيا في عقد الثمانينيات فترة من الانتعاش النسبي أثناء الحرب العراقية- الإيرانية، بسبب اضطرار إيران إلى تمرير صادراتها ووارداتها عبر حدودها مع تركيا، والتي تمتد من شمال غربي إيران وجنوب شرقي تركيا بطول 499 كيلومتراً. ولكن بعد سقوط الاتحاد السوفييتي السابق وظهور الدول الآسيوية المستقلة عنه في منطقة آسيا الوسطى وبحر قزوين، ظهر صراع إقليمي جديد بين إيران وتركيا على مناطق النفوذ هناك. ومرد ذلك أن هذه المنطقة الجغرافية الممتدة من قازاقستان شرقاً وأذربيجان غرباً، والتي تشكل الامتداد الجغرافي والثقافي لكلا البلدين، ترقد على ثروات نفطية وغازية هائلة، يعتقد المختصون أنها سوف تؤثر في معادلات التوازن بسوق الطاقة العالمية، وما يعنيه ذلك من توزيع جديد لأوراق اللعب الاستراتيجية إقليمياً وعالمياً.

كانت تركيا قد وقعت، منذ استقلال دول آسيا الوسطى ومنطقة بحر قزوين عن الاتحاد السوفييتي، اتفاقات اقتصادية وثقافية عدة، توجت باعتماد الصيغة التركية للأبجدية اللاتينية كأبجدية رسمية لدول آسيا الوسطى بدلاً من الأبجدية الروسية السلافية مع الاستبعاد النهائي للأبجدية الفارسية العربية التي تنازعت إيران مع تركيا عليها، لما للأبجدية من دلالات لغوية وثقافية وحضارية. ومن شأن اعتماد الأبجدية التركية تعبيد الطريق أمام تركيا لتمديد أوصالها الجغرافية إلى تلك الجمهوريات، التي تنتمي أجزاء كبيرة منها تاريخياً إلى إيران، إلا إنها تتحدث لغات تنحدر من شجرة اللغات التركية.

لذلك فقد ذهبت آسيا الوسطى علماً على السياسة التركية الإقليمية في النصف الأول من التسعينيات، فالدولة التركية نظرت إلى تلك المنطقة على أنها الأداة الممتازة لإعادة إنتاج الأفكار القومية التركية، والبوابة الرئيسية لولوج عوالم المنعة الإقليمية، بالعائدات الهائلة التي تتوقعها لهذه المنطقة من نفط وغاز. وبالمقابل ترتبط إيران بعلاقات تاريخية مع تلك المناطق، إذ فقدت إيران في حروبها مع روسيا القيصرية أراضي شاسعة في القوقاز وآسيا الوسطى. وبموجب معاهدة «تركمان جاي» 1813 فقدت إيران جمهورية جورجيا الحالية وأراضي شاسعة وصلت إلى باكو عاصمة جمهورية أذربيجان الحالية، ومناطق واسعة في سيروان وشماخي وشكي وكنجه وقره باغ وأجزاء من مغان وطالش. أما معاهدة «كلستان» 1828 فقد سلخت من إيران كل الأراضي الواقعة شمالي نهر آرس على تخوم القوقاز، مثل يريفان عاصمة أرمينيا الحالية، ونخجوان أو ناختشيفان التابعة لاذربيجان والواقعة داخل حدود أرمينيا الآن.

وفي عصر الرئيس التركي الراحل تورغوت أوزال شهدت العلاقات الثنائية بين البلدين فترة من التفاهم الاقتصادي، أعقبتها فترة من الازدهار النسبي خلال عام 1995-1996 الذي ترأس فيه نجم الدين أربكان وحزب الرفاه الحكومة التركية. وفي هذا العام وقع البلدان اتفاقية لتصدير الغاز الإيراني إلى تركيا بقيمة 23 مليار دولار، وهي الصفقة الأضخم في تاريخ العلاقات الاقتصادية بين البلدين الجارين، يمتد بمقتضاها خط أنابيب نقل الغاز من مدينة تبريز الإيرانية وحتى مدينة أرضروم لمد تركيا بالغاز لمدة ثلاثين سنة. وبالرغم من هذا «التقارب النسبي» في العلاقات الإيرانية- التركية، فإن هذه العلاقات لم تتطور بعد الإطاحة بنجم الدين أربكان من رئاسة الوزراء في تركيا بسبب التصادم في منظومة القيم لكل من النظام السياسي في إيران وتركيا، وكذلك حدود الأدوار الإقليمية المتاحة لكل منهما.

وجاء التحالف الاستراتيجي بين تركيا وإسرائيل في النصف الثاني من التسعينيات متناغماً إلى حد كبير و«مصالح» الدولة التركية كما تراها المؤسسة العسكرية التي تحرك خيوط سياستها، بحيث بدا هذا التحالف بمنزلة توزيع جديد للأثقال النسبية في الشرق الأوسط لغير مصلحة إيران. فأصبح هذا التحالف بهذا المنطق تهديداً مباشراً للمصالح الإيرانية وإحدى ركائز النقاط الخلافية بين البلدين، و«ترمومتراً» لقياس حرارة العلاقات الإيرانية- التركية، التي تنخفض حرارتها بتفعيل التحالف مع إسرائيل، وترتفع قليلا بتجميده.

دخلت العلاقات الإيرانية- التركية مفترقاً حاسماً بعد احتلال العراق عام 2003، إذ ساهم هذا الاحتلال في تبدل موازين القوى الإقليمية لمصلحة إيران وبشكل جعل المصالح التركية عرضة للخطر من جراء طفور الطموحات القومية الكردية ومخاطر امتدادها إلى جنوب شرق الأناضول وأغلبيته السكانية الكردية. كما أدى احتلال العراق إلى إعادة توزيع لموازين القوى الإقليمية عموماً وبين إيران وتركيا خصوصاً، إذ إن انهيار النظام العراقي السابق وهيمنة الأحزاب السياسية الشيعية على الحكومة والبرلمان العراقيين وكذلك طفور دور الأكراد في شمال العراق والسلطة المركزية ببغداد، أدت كلها إلى تزايد النفوذ الإيراني في بلاد الرافدين بالترافق مع نشوء تهديدات جديدة للأمن القومي التركي.

* كاتب وباحث مصري

back to top