مدد يا حكومة 2-2

نشر في 25-06-2008
آخر تحديث 25-06-2008 | 00:00
 د. مأمون فندي ما نراه من تشابك بين الديني والدنيوي على مستوى مصر، نجده ينعكس على علاقاتها الإقليمية أيضاً، فالالتباس الداخلي بين الولي والحكومة، بين «قبة» الحسين و«قبة» مجلس الشعب، بين المعبد وإدارة المحافظة، بين حكومة مبارك والحكومة الباطنية، هو الالتباس نفسه تقريبا بعلاقة المصريين بإسرائيل مثلاً... فرغم العداء المتجذر بين البلدين، فإن المصريين مسكونون بسؤال موسى وسؤال اليهودية، فكيف يكون اليهود كاذبين ومخادعين، وفي الوقت نفسه تكون اليهودية ونبيها موسى في مقام الاحترام والتقديس إسلامياً، واعتبارها أولى الرسالات السماوية المكتوبة؟! النبي موسى طرده الفرعون، وهنا يدين المصري جده الفرعون ويحط من قدره ويتعاطف ويبجل موسى!.

نحن فراعنة نفتخر بفرعونيتنا أينما حللنا في العالم، ولكننا ندينها في قصة موسى، ونحن مصريون «نكره إسرائيل»، ولكننا نحب موسى، وبذا يصبح تغيير الأغنية الشعبية من «بحب عمرو موسى وبكره إسرائيل» إلى «بحب موسى وبكره إسرائيل»، تغييراً ممكناً.

هذا الالتباس على المستويين الداخلي والإقليمي هو الذي يخلق حالة «الشعوذة» التي تحاول فك الارتباط بين مفاهيم لا يمكن فكها أو حتى الفكاك منها، وهنا تكمن أزمة المصريين داخلياً وخارجياً.

التصاق الديني بالدنيوي ظاهرة في معظم مدننا العربية، حتى عندما لا تتوافر الشروط الموضوعية لهذا الالتصاق، فمحافظ قنا المسيحي يستقبل جموع المهنئين بالأعياد الإسلامية أمام مسجد «سيدي عبدالرحيم القنائي» الذي يقبع فيه الضريح، أي أن المحافظ، وهي وظيفة حكومية إدارية، يتجه نحو المعمار الديني ليكتسب شرعيته، حالة مشابهة في دمشق، يصلي الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، وهو من الطائفة العلوية، صلاة العيد في الجامع الأموي الذي لا يصلي فيه الشيعة والعلويون عادةً لما له من وقع سيىء في ذاكرتهم الجمعية، فهو الجامع الذي جُرّت إليه نساء أهل البيت سبايا، ووضع فيه رأس الحسين المقطوع أمام الخليفة الأموي معاوية بن يزيد. إذن الرئيس، وهو منصب دنيوي إداري بحت، يسعى إلى المعمار الديني للطائفة الأوسع ليكتسب شرعية أيضاً، علماً بأن دمشق نجحت زمن الخلافة الأموية في فصل الديني عن الدنيوي، فلم يعد مكان إقامة الخليفة داراً للتمعن في أمور الدين، ومقصداً لكل من أراد لقاء خليفة المسلمين، كما كان عهد الراشدين، بل أصبح مكان إقامة الخليفة قصراً رسمياً للحكم يستقبل فيه كبار الزوار، ويقف على أبوابه الحرس وفي ردهاته الحُجّاب... أما لمَن أراد التنسك والصلاة والاستفسار عن أمور الدين والدنيا، فهناك مساجد دمشق حيث تُعقد حلقات العلم ويُجاب عن أسئلة الباحثين.

«حوارات مكة» التي سعت إليها القيادة السعودية لترسيخ الحوار الوطني بين مختلف أبناء المملكة، هي أيضا سعي للدنيوي إلى الالتصاق بالديني في القضايا الحرجة التي تستوجب التفافاً وإجماعا حولها، فالحوارات تمت في المدينة المقدسة التي مهما كان الاختلاف الدنيوي فهي تبقى محط اتفاق في التركيبة الذهنية للإنسان المسلم، ولعل هذا هو الدافع وراء اختيار مكة لعقد مبادرة الصلح التي أجرتها السعودية لحل الخلاف الفلسطيني الفلسطيني، بين قادة حركتي «فتح» و«حماس».

في الصراع العربي- الإسرائيلي، يكتسب الصراع بعداً دينياً يجعله أكثر تعقيداً، فلكل من طرفي النزاع كتابه المقدس الذي يؤيده بالحق في الوجود من دون سواه، ويبرز المسجد الأقصى كمعمار ديني مركزاً أساسياً لهذا الصراع، فهو ثاني القبلتين ومسرى الأنبياء بمن فيهم النبي موسى، (ولنلحظ هنا تشابك الروايتين القرآنية والتوراتية)، وهو أيضاً مركز الذاكرة الدينية اليهودية، التي ترى أن معبد النبي سليمان كان هناك، وأن حائط المبكى يقع على أسواره... فهو تشابك بين المعمار الديني والدنيوي يبدو من المستحيل فكه أو على الأقل الفكاك منه.

* مدير برنامج الشرق الأوسط بالمركز الدولي  للدراسات السياسية والاستراتيجية IISS

back to top