إيران تفتقد مصرها

نشر في 23-07-2008
آخر تحديث 23-07-2008 | 00:00
 بلال خبيز لنسلم جدلاً أن الإدارة الإيرانية نجحت في تحقيق ما تصبو إليه في المنطقة، ألا يجدر بنا أن نعرف ما الذي تصبو إليه بالضبط؟ هل ثمة مَن يستطيع أن يفرق بين الديماغوجيا والمبادئ في الخطاب الإيراني؟ هل تنوي إيران حقاً تدمير إسرائيل وهزيمة أميركا؟ أم أن هذا كله يدخل في باب الديماغوجيا، وأن ما تريده إيران ليس أكثر من اعتراف دولي بنفوذها في منطقة الخليج العربي، وبمقعد مستأجر في أي مؤتمر قد يُعقد لتسوية الصراع العربي الإسرائيلي؟

دهاقنة السياسة والتحليل يميلون غالباً إلى الإجابة بنعم عن الأسئلة الأخيرة، ذلك أن إيران التي ورثت سورية دوراً وأداءً، ترفع عقائرها بالمبادئ والرغبة في الدفاع المستميت عنها، لكنها في واقع الأمر تريد تحقيق مصالحها المباشرة ولو عبر بيع الحلفاء الصغار أو تقديمهم على طاولة المفاوضات، هذا ما درجت عليه الإدارة السورية عقوداً، وهي تناضل لإثبات المقولة التالية: لا حرب (ضد إسرائيل) من دون مصر، ولا سلام من دون سورية. معنى ذلك أن الجهة القادرة على جعل الحرب حرباً بالمعنى المتعارف عليه، في مندرجات الصراع العربي الإسرائيلي، كانت مصر على الدوام، أما الجهة التي تستطيع عرقلة جهود السلام إذا لم توافق مصالحها فهي سورية، ووسيلتها في ذلك مناوشات صغيرة وخفيفة في أكثر من منطقة ومكان، وإذ يمكن لأصابعها أن تدير المفاتيح، سواء في فلسطين أم في لبنان، أم حتى على الحدود الأردنية إذا ساعدتها الظروف، لكن هذه المناوشات كانت دائماً تتوقف عند الحد الذي يسبق الحرب، والحرب بالنسبة إلى سورية هي حرب على دمشق، أما ما قد يجري في بيروت أو غزة أو رام الله أو عمان، فلا يقع في خانة الحروب حسب التعريف السوري للحروب.

ورثت إيران، وهي دولة ذات إمكانات لا يُستهان بحجمها، الدور السوري برمته، فحتى حين يريد قادة الحرس الثوري الإيراني إنذار إسرائيل أو أميركا، فإنهم يهددونهما بـ«حزب الله» وحركة «حماس» وبعض الأذرع الإيرانية التي مازالت نائمة في دول الخليج، أما أن ترسل إيران جيشاً جراراً يقتحم العراق في طريقه إلى فلسطين فهذا ما يسقط من حسابات القادة الإيرانيين روحيين وزمنيين وعسكريين على حد سواء، وعلى نحو ما كانت تفعل سورية يوم كانت نجمة معادلة اللاحرب واللاسلم، التي صاغها الرئيس الراحل حافظ الأسد، تداوم إيران اليوم على وضع المنطقة برمتها، دولاً وشعوباً على حافة اللاحرب واللاسلم، أي على حافة المناوشات الداخلية الخفيفة، في انتظار أن يتحقق لها ما تنشده من نفوذ في المنطقة عموماً، ولو سلمنا جدلاً بنجاح مثل هذه الخطة التي آتت ثمارها في لبنان وفلسطين وبعض العراق حتى الآن، فإن ذلك يعني أن إيران تدرك أنها ستجد نفسها مضطرة للاعتراف بمناطق نفوذ مماثلة للدول التي مازالت تملك من الموارد ما يؤهلها لحماية نفوذها، شأن إسرائيل وتركيا والمملكة العربية السعودية، وهو الأمر الذي يجبرها على التضحية ببعض أوثق الحلفاء وأشدهم ضراوة في الدفاع عن ولاية الفقيه.

لا شك أن إيران تدير سياسة تشبه ما درجت عليه سورية في ظل حكم الرئيس الراحل حافظ الأسد، إذ تعني سياسة اللاحرب واللاسلم أن يحارب لبنان بدلاً من سورية، وأن تنتفض الضفة الغربية بدلاً من الجولان، لكن سياسة اللاحرب واللاسلم هذه التي تديرها إيران اليوم مبتورة على نحو فاقع، فإذا كانت معادلة الرئيس الراحل حافظ الأسد تقول، إن الحرب من دون مصر مستحيلة، نظراً إلى ثقل مصر وغزارة مواردها مقارنة بوزن سورية الضامر وشح مواردها في الحروب، فإن ما يجب أن يلاحظه المرء في السياسة الإيرانية أنها تفتقد مصرها، أي أن إيران لا تنتظر أحداً يفتح الحرب، وهي تناوش إسرائيل وأميركا في الانتظار. ذلك أن إيران ليست دولة صغيرة أو متوسطة حتى تنتظر الدول العربية والإسلامية الكبرى لخوض الحرب نيابة عنها، بل إن سياستها برمتها تقوم على إدامة هذه المناوشة إلى ما شاء الله.

هذا كله لا ينفي أن بعضهم يعتقد أن إيران تعمل وفق المبادئ ولو تعارضت مع المصالح، لكننا نسمع منذ سنوات معزوفة تقول، إن الولايات المتحدة الأميركية تخشى فتح الحرب على إيران، لأن فتح هذه الجبهة قد يجعل الجيش الأميركي في العراق رهينة بيدها، ولو شئنا أن نصدق مبادئ إيران وملاليها، وأن نتبعهم في ما يعلنون ويقولون لكان أجدر بهم أن يقتلوا رهينتهم ويعلنوا هزيمة أميركا من دون انتظار.

* كاتب لبناني

back to top