ضرورة نقد الخطاب الديني

نشر في 01-03-2009
آخر تحديث 01-03-2009 | 00:00
 طالب المولي نقد الخطاب الديني هو نقد لتراث موغل في التعصب والتزمت من قبل سدنة الدين والقائمين على تحويل الناس إلى متلقين لعقيدة وتاريخ لم يمسا بقراءة جديدة ولا فهم معرفي، وبفقه رجعي لا يتجدد بتجدد ديناميكية الحياة، لهذا فإن الحاجة ملحة إلى فتح الملفات المغلقة والمغلفة بقسوة وبقوة حتى يتم التعامل معها كمنهج حياة لا كإيديولوجية متطرفة، ولعل الحديث المتكرر لمقولة الدين صالح لكل زمان ومكان تحتاج منا إلى الكثير لتفكيك هذه المقولة ولتجديد المفاهيم العقائدية والفكرية عبر سلسلة طويلة من البحث والنقد دون تدخل أو تهديد.

تشكلت بعض المفاهيم العقائدية للمذاهب الدينية منذ قرون وأدت إلى حالة من الانعزال الاجتماعي والفصام النفسي والانزواء في «كانتونات» مذهبية خاصة. فالفكر الديني القائم على القطعيات واليقينيات الموسومة بالشعارات المذهبية الخاصة، أصبح في حالة صراع حرجة في مواجهة الحداثة والعقل القائم على النقد لتلك الموروثات، واليقينيات الدينية تم قولبتها عبر الكثير من القواعد العقدية للمذاهب الدينية، ودون أدنى عناء للرجوع إلى مصادر اعتمد عليها رجال الفقه لمحاولة فهم الدوافع التي جعلت التعصب المذهبي يأخذ مجراه الخطر بينه وبين المخالفين له من المذاهب الأخرى، والقتال المذهبي عبر التاريخ إرث كان له الثمن الكبير من دماء البسطاء من الطائفتين.

وما قام بعد الأستاذ أحمد الكاتب في بحوثه الكثيرة- تطور الفكر السياسي الشيعي من الشورى إلى ولاية الفقيه- والدكتور نصر حامد أبو زيد والمهندس محمد شحرور وجمال البنا وغيرهم الكثير في هذا الميدان الفكري، لدليل على الغموض والتعتيم الذي يلف العديد من الموضوعات التي تم اعتمادها من قبل رجال الدين، ولجمود الفقهاء والمفكرين الدينيين من الطائفتين في فهم الآخر.

امتناع التجديد في الفكر الإسلامي والتفكير الديني والذي مارسه الفقهاء في المدارس الدينية، حدا بالمثقفين التنويريين ليأخذوا زمام مبادرة التغيير والبحث في العقائد والمواقف التاريخية للمذاهب، بعد أن ابتعد رجال الدين خلف دكتاتورية السلطة الدينية ورونقها وما استتبعتها من مكانة اجتماعية مرموقة بين الناس، جعلتهم يعملون على تأجيج الصراع المذهبي في سبيل البقاء. وهذا باعتقادي ما دفع أحمد الكاتب في كتابة بحثه حول تاريخ تطور نظرية الشورى في الفكر الشيعي ووصولا إلى ولاية الفقيه، في بحث يتتبع فيها المنعطفات التاريخية والعقائدية التي تشكلت فيها ملامح الصراع بين المذهبين وامتداده إلى وقتنا الحاضر.

وقد تتبع الكاتب في بحثه على اعتماد النصوص التأسيسية للمذهب الإمامي والتحقيق في الكثير من الروايات الواردة من أئمة الشيعة حول ماهية دور الأئمة في هذا الصراع (الخلافة بالنص أم بالاختيار على سبيل المثال لا الحصر)، والدور الكبير لرجال الدين في تشكيل هوية التشيع العقائدي بعد ذلك (العصمة والرجعة والتقية والبداء وغيرها).

هذا الحراك الفكري المتداول وبشجاعة كبيرة عن كثير من المفكرين والمثقفين، هو حراك وديناميكية طبيعية لعالم متغير ومتطور، إن البحث التاريخي لأي قضية ماضوية هو حق مشروع وطبيعي لكل باحث ومفكر، ولا يحق لأي إنسان منعه أو تهديده بحجة التعرض أو المساس بالثوابت المذهبية سواء كان شيعياً أو سُنيّاً، وهذا ما لم نتلمسه في أدبيات المذاهب الدينية والقائمة على إقصاء الآخرين، وهذا ما استدعى الكثير من المفكرين من المذهبين إلى الفرار إلى أوروبا وأميركا لاستكمال بحوثهم النقدية للفكر الديني وغيرها، وما تتيحه لهم تلك البلاد من حرية حقيقية.

إن الدعوة إلى نقد الفكر الدين هي ممارسة لدور الإنسان في معرفة دوره الفاعل في المجتمع وما يحرك مسارات حياته، دون أي اعتبار لرجال أو فقهاء لم يكن لهم سوى دفاعهم عن أفكار وعقائد تجعلهم أكثر تسلطا على حياة الناس.

وأخيراً... هل سيكون للعقل الغلبة على الفكر الأسطوري والماضوي؟

أم ستتم ملاحقة المفكرين وتقديمهم للمحاكمة بتهمة التجديف بالدين والهرطقة!

back to top