طهران: هيروشيما الثانية

نشر في 16-07-2008
آخر تحديث 16-07-2008 | 00:00
 بلال خبيز

لسان حال المسؤولين في البيت الأبيض والبنتاغون يلهج بالتلميح إلى أن الحرب ضد إيران لابد منها، بخلاف ما كانت عليه الحملة العسكرية على العراق.

خاضت الجمهورية الإسلامية الإيرانية صراعاً طويلاً مع العالم أجمع في مسار إنتاج التقنية النووية. بعض أطوار هذا الصراع كان بارداً وبعضه الآخر كان ساخناً وحارقاً. لكن النتيجة التي رست عليها الأحوال بين إيران ومعظم العالم اليوم، وصلت إلى ذروة سخونتها التي تسبق اشتعال النيران عادة. ولم يعد إنتاج القنبلة النووية الإيرانية يخضع في منطقه للمنطق الذي حكم تاريخ الإنتاج النووي في أي بلد من بلاد العالم النووية. ذلك أن تاريخ هذا الإنتاج تعلق على الدوام ببرامج الحماية أكثر من تعلقه ببرامج عدائية، وبعد هيروشيما وأزمة الصورايخ الكوبية لم يشهد العالم سخونة نووية هجومية في أي بلد من البلدان أو في أي صراع من الصراعات إلا في اللحظة الراهنة. كانت الترسانات النووية المصونة جيداً تشبه في التخطيط العسكري الغطاء الذهبي للنقد الورقي في التخطيطات المالية، أي أنها استمرت على الدوام رأسمالاً لا يمسه أصحابه. بل بدت في بعض الأوقات الحرجة، رأسمالاً عالمياً يفترض بالعالم كله المحافظة على صلاحيته. وهذا ما حدث في روسيا النووية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وفترة الفوضى الاقتصادية والاجتماعية وتحلل أجهزة الدولة الضابطة بعد إزاحة غورباتشوف عن رأس السلطة، إذ اضطر العالم بأجمعه إلى تمويل الاقتصاد الروسي المنهار فترة طويلة من دون مقابل من أي نوع. ورغم الإهدارات والسرقات وسيطرة المافيات على مفاصل الاقتصاد الناشئ في فوضى الانتقال الروسي من حال إلى حال، رغم هذا كله، فإن العالم لم يتخلَّ عن روسيا النووية، ولا هي من ناحيتها لمّحت أو حاولت استعمال الرأسمال النووي في ما يمكن أن يشكل تهديداً للعالم أجمع.

مع إيران يبدو الأمر مختلفاً، فجمهورية الملالي تدرجت نحو عتبة الدول النووية في حمأة الصراع المسلح والعنيف مع دول إقليمية وغربية على حد سواء. ومازالت حتى اليوم تتعامل مع هذا الرأسمال بوصفه معداً للإنفاق في أي لحظة تراها مناسبة. مما يعني أن الخشية من تملك إيران تكنولوجيا القنبلة النووية ستؤدي آجلاً ام عاجلاً إلى حرب لا قاع مرئياً لها، ولا حد لكوارثها. لأن شروط التبدل في السياسة الإيرانية تكاد تبدو معدومة من كل النواحي. بل إن النفوذ الإيراني في مجال إيران الحيوي، وخارجه ايضاً، يُحمل دائماً على وجه وحيد لا قفا له، هو وجه القدرة الإيرانية على استخدام العنف الأهلي في الدول المجاورة وتلك التي تملك فيها إيران نفوذاً ما. مما يعني أن التبدل في هذه السياسة نحو استخدام وجوه أخرى من أوجه النفوذ، اقتصادياً أو ثقافياً أو عمرانياً، يكاد يبدو مستحيلاً على دولة لا تملك من هذه الوجوه ما يمكن لها أن تصدره أو تدعو الدول الأخرى إلى الاحتذاء به. بل لم يعد ثمة ما هو قابل للتصدير في الثورة الإيرانية سوى صناعة الأزمات والعنف العاري، واستخدام السلاح الأهلي في سياسة ابتزاز مكشوفة.

من الجهة الثانية في هذا الصراع، تبدو الولايات المتحدة الأميركية وهي تقود معسكر الخشية من قنبلة إيران النووية، تسير سيرها الحثيث نحو المواجهة المحتمة. وواقع الحال أن التحذيرات التي تصدر من أعلى مراكز القرار في الولايات المتحدة الأميركية بشأن حجم التكلفة الأميركية والعالمية الباهظ في أي حرب مرتقبة مع إيران لا تعني في أي حال من الأحوال تراجعاً أميركياً عن قرار الحرب. بل إن ما تريد هذه التحذيرات الإشارة إليه يتعلق أولاً وآخراً بطبيعة هذه الحرب. كما لو ان لسان حال المسؤولين في البيت الأبيض والبنتاغون يلهج بالتلميح إلى أن هذه الحرب لابد منها، بخلاف ما كانت عليه الحملة العسكرية على العراق. فتلك كانت حملة توسعية بكل ما للكلمة من معنى. لكن الحرب المرتقبة ضد إيران يُراد لها أن تكون حرباً دفاعية وليست حرباً توسعية. وبكلام أوضح، كان العراق بالنسبة للولايات المتحدة ثمرة ناضجة وتنتظر مَن يقطفها، ورأت الولايات المتحدة أن من حقها، كدولة كبرى وحيدة، أن تتنعم بمذاق هذه الثمرة، مع ما يعقب ذلك من محاولة تطويع العراق وتسكينه. وهذه حرب تملك حداً معيناً من القسوة والشدة لا تستطيع الولايات المتحدة تجاوزه في أي حال من الأحوال. لكن الأمر مع ايران يختلف اختلافاً جامحاً، فهذه حرب تهدف إلى منع الخطر الإيراني من التمدد أكثر فأكثر، بما يهدد أمنَ الولايات المتحدة الأميركية لا مصالحَها فحسب. لذا فإن شروطها وحدود قسوتها وخطوطها الحمر تختلف اختلافاً جذرياً وحاسماً عن تلك التي قيدت أميركا نفسها فيها أثناء حملتها على العراق.

* كاتب لبناني

back to top