الحلقة 1- 2 الأردن . . . بلد العجائب الجديد

نشر في 08-07-2008 | 00:00
آخر تحديث 08-07-2008 | 00:00
قلب الشرق وتاريخ الحضارة وبوابة المستقبل التجارية بدءاً من برودة عمّان إلى أصالة جرش وعجلون وصولاً إلى آثار الأنبياء والصالحين

رغم أنه بدأ صناعة السياحة متأخراً، بالنظر إلى احتوائه أجمل عجائب الدنيا السبع، إلا أن الأردن تبوأ مكانة مرموقة بين دول العالم السياحية، بفضل المواقع التراثية القديمة والسياحية التي حباه الله بها، فبات هذا البلد الصغير بعدد حروفه الكبير بمساحته ومقامه، ملاذاً للسياح العرب والأجانب الذين أخذوا يتقاطرون عليه من كل حدب وصوب، لتسجيل ذكرياتهم على أرضه.

ربما من الطبيعي ان تلبي دعوة توجه إليك لزيارة احد البلدان التي تعرفها، فتذهب الى هناك وتتمتع قليلا بما ترى وتجدّد ذاكرتك ومعلوماتك التي كونتها عن هذا البلد سابقا، وتقارن بين عمليات التجديد التي لمستها من هذه الزيارة وزياراتك السابقة، لتتلمس الفرق وتعود الى بلادك بذاكرة جيدة.

وهذا ليس بغريب ويحدث دائما عند تكرار الانسان زيارة الاماكن التي يتردد عليها، لكن الغريب والجديد في نفس الوقت، هو ان تشاهد من جديد الاشياء الجديدة عليك في هذا البلد الذي زرته من قبل وتكتشف عجائب واحداثاً لم تمر على ذاكرتك، وعندها تتذكر كلمات الراحل فائق عبدالجليل التي تغنّى بها فنان العرب محمد عبده في اغنية «آخر زيارة» التي شدا فيها قائلا: «حسيت في آخر زيارة شي بحديثك مختلف وشفت الحقيقة»، هنا في هذه الاثناء تجد نفسك انك لم تزُر هذا البلد بحقيقته المخفية، او انك لم تمر بكل الاماكن التي ربما تكون مشتاقة، وعندها تبدأ مسيرة رحلة المتعة والاثارة من خلال هذه السطور التي كتبت خلال سبعة ايام.

أكثر البقاع انخفاضاً

فاذا كنت تجد نفسك تقف في أخفض بقعة على سطح الارض، ويحضنك اقدم موقع للاستيطان البشري، ورحت تقرأ السطور الاولى من كتاب الكون محفورة على حجارة تلك البقاع، واخذت تتابع تعرّجات نهر مقدس عاش على ضفتيه العديد من الرسل والانبياء -عليهم السلام- وعاينت آثار الاولياء والصحابة الصالحين الذين عمّروا هذه الديار، ناشرين رسالات الخير والمحبة والهداية للبشر، ولمحت الى جوارك بحرا يمتاز بشدة ملوحة مياهه، ووجدت نفسك تعوم فيه رغم عدم إلمامك بفنون العوم والسباحة.

واذا ما وجدت نفسك ترتقي سلسلة جبلية محاذية لذلك النهر، حيث تشكل الحافة الشرقية لحفرة الانهدام التاريخية، فيمتد الافق امام ناظريك كاشفا عن لوحة فنية طبيعية قوامها مدن وقرى تناثرت هنا وهناك على قمم جبال وهضاب مكسوة بالغابات، وسهول عامرة بالكروم وشتى انواع النباتات، وملت ببصرك نحو الغرب لتشاهد مآذن المدينة المقدسة وقبابها الشامخة تلوح من بعيد الى جانب العديد من مدن وقرى فلسطين.

واذا ما قررت الاتجاه صوب الشرق وطالعتك الصحراء بكل اسرارها ورمالها الذهبية التي كانت ذات زمان طرقا ومسالك لقوافل التجارة بين الحجاز والشام، وطرقا لحجاج بيت الله الحرام وشريانا يربط الجزيرة بالشام والعراق، وبوابة للفتوحات الاسلامية، وقد انتشر على جنباتها العديد من الحصون والقصور التاريخية التي شيّدها خلفاء بني امية للراحة والاستجمام او تلبية لهوايات الصيد والقنص.

شقة الرومان

وإذا اخترت ان تيمم صوب الجنوب وتسلك ملوكيا شقه الرومان حين كانوا سادة هذه البلاد، واخذت تقرأ على بوابات القلاع والحصون الممتدة عبر الطريق تاريخ الحضارات الانسانية الغابرة المتلاحقة، التي ترك اصحابها بصمات ارواحهم على بواباتها، وظلت صامدة خالدة تبوح بتاريخ مجد قادة وحكام وفاتحين سادوا ثم بادوا.

وان ألفيت نفسك تعبر شقا صخريا عميقا، وافضى بك الى عالم من الدهشة والانبهار حيث مدينة وردية نُحتت من الصخر فغدت واحدة من عجائب الدنيا، وقرأت على جدران معابدها ومسارحها تاريخ الانباط الذين ابدعوا بناءها لتكون شاهدا حيا على عبقرية المكان والسكان واسطة العقد في مدن حلف الديكابولس (المدن الرومانية العشر).

واذا غادرتها مبهورا بسحرها وروعتها وواصلت طريقك نحو الجنوب، وانكشفت امام عينيك مدينة وادعة تفغو على شاطئ البحر الاحمر بكل تجلياتها وتاريخها.

مظاهر الطبيعة

نعم... اذا تكاملت تلك الصور والمشاهد التي جمعت في لوحة واحدة رائعة كل مظاهر الطبيعة والجغرافيا من السهل الى الجبل والبحر والوادي والصحراء والماء، وكانت لوحة فنية ابتدعتها يد البديع سبحانه وتعالى... اذا تشكّلت لديك تلك اللوحة الآسرة، اعلم انك في قلب الشرق التاريخ والحضارة... انك في الاردن، بلد العجائب الجديد.

مدينة أنيقة نظيفة -عاصمة الأردن الحديث- ومركز القلب في الحراك الاجتماعي، انها عمّان التي بناها العمونيون لتكون عاصمة دولتهم، وقد شهدت عبر التاريخ موجات بشرية عديدة وأقواما وحضارات عريضة كاليونانية والرمانية، وحملت ذات يوم اسم فيلادلفيا اي مدينة الحب الأخوي، الى جانب قدمها وعراقتها شهدت في العصر الحديث ازدهارا حضاريا هائلا وامتدادا جغرافيا وعمرانيا كبيرا، فهي اليوم مدينة كبيرة آهلة بالسكان من مختلف الشرائح والفئات، حيث تقوم على اكثر من تسعة عشر جبلا، وتمثل نموذجا للمزاوجة بين الأصالة والمعاصرة، فيها ملامح الماضي العابق بالعراقة وجمال الحاضر وتنوعه، حيث يتعانق القديم بالحديث.

انها عاصمة الأردن وقلبه النابض بالحياة وفيها مركز الحكم والوزارات وكل مؤسسات الدولة، وهي المركز التجاري للأردن، وتمتاز ابنيتها بنسق معماري مميز يغلب عليه الحجر الأبيض الجميل.

عمان

عمّان اليوم مدينة مترامية الأطراف بعد ان ضُمّ اليها العديد من الضواحي لتنضوي تحت مظلة أمانة عمّان الكبرى، مواطنها طيب شهم وكريم، وهي تفيض على ابنائها من دون تمييز، حبا ودفئا وتغدق على زائرها فيضا من الدفء والألفة.

مدينة عمّان هي مدينة العائلة والاطفال، حيث تضم الكثير من المتاحف والحدائق ومراكز الترفيه وملاعب الاطفال، وهي مدينة آمنة تمتاز بطيبة أهلها وحسن ضيافتهم.

تختزن هذه المدينة العريقة ثروة هائلة وكما كبيرا من المعالم الأثرية، فعلى جبل القلعة يقوم معبد هرقل الشهير ويجاوره متحف يضم نماذج فريدة من القطع الأثرية والتاريخية، تمكن الزائر من التعرف على عهود زمنية موغلة في القدم، بما يحويه من آثار الحضارات التي تعاقبت على هذه المدينة، وهي ذرى جبل القلعة، ويمكن للناظر ان يشاهد قلب المدينة ابتداء من سبيل الحوريات حيث كان السيل يشق المدينة، وانتهاءً بلوحة نموذجية رائعة للمعمار الفني الهندسي المتمثل بالمدرج الروماني الذي ظل رغم تطاول الزمن يتمتع بكامل مكوناته حتى اليوم، فهو يتسع لنحو خمسة آلاف متفرج ويظل معلما بارزا يزين جيد مدينة عمّان.

تمتاز عمّان بتنوع وتعدد اسواقها، فالزائر لقلب المدينة يلاحظ التمازج النادر بين الأصالة والحداثة، حيث تجتمع المنتجات التقليدية والأدوات التراثية سواء أكانت محلية ام مستوردة كالسلع والأزياء والهدايا التذكارية، الى جوار المتاجر التي تبيع أحدث المنتجات.

وحين يغادر الزائر قاع المدينة نحو الأحياء والمناطق الحديثة كجبل الحسين والصويفية وعبدون وغيرها، فإنه يجد اشكالا منوعة من البضائع والأزياء.

كما تنتشر المراكز التجارية الضخمة التي تضم ارقى الماركات العالمية ومراكز الترفيه العائلي والمطاعم في مكان واحد.

مدينة عجلون تقع شمال عمّان، على مقربة من مدينة جرش الاثرية، وتشتهر بقلعتها التاريخية التي تستقطب اعدادا كبيرة من الزائرين لما لها من قيمة تاريخية وجمالية فريدة.

بنى هذه القلعة عز الدين بن اسامة بن منقذ احد قادة صلاح الدين الايوبي ما بين عامي (1148 - 1185م)، لتكون خطا دفاعيا امام التوسع الصليبي وتحافظ على طرق المواصلات مع دمشق وشمال سورية، ويعرف الجبل الذي اقيمت عليه بجبل عوف نسبة الى بني عوف الذين اقاموا في هذا الجبل ايام الفاطميين، اما المدينة فانها حملت اسم راهب يدعى (عجلون) كان يقيم في دير قديم في تلك المنطقة.

تمتاز القلعة بشكلها الهندسي المربع وابراجها الاربعة، حيث يتكون كل برج من طابقين، وقد اضيف البرجان الواقعان على يمين الداخل اليها بعد معركة حطين، ويحيط بالقلعة خندق عميق تم حفره ليكون خطا دفاعيا، وعلى يسار الداخل اليها هناك آبار ومخازن للماء كانت تفي بحاجة من يقيم في القلعة ويزيد.

من على سطح هذه القلعة يمكن رؤية مشهد يأسر الالباب لجماله وروعته، فالارض حولها مكسوة بالغابات والبساتين والمزارع، خصوصاً شجرة الزيتون التي تمثل الشجرة الاكثر انتشارا في تلك المنطقة.

جرش

زائر الاردن لا تكتمل زيارته الا اذا زار المدينة الرومانية الاثرية الرائعة جرش، فعلى مسافة (50) كم الى الشمال من عمّان تقع المدينة الاثرية التي تعتبر المكان الامثل للاطلاع على التاريخ والحضارة، فجرش تحتضن في قلبها اقدم المدن الاثرية التي مازالت تحتفظ وتحافظ على معظم معالمها، فمازالت ساحاتها واعمدتها ومسارحها ومدرجاتها شاهدة على عهود اليونان والرومان القديمة وماثلة للعيان.

وأول ما يطالع الزائر لهذه المدينة التاريخية، بوابتها الضخمة ذات الاقواس الثلاثة، التي شيدت في عهد الامبراطور الروماني (هدريان)، احتفاء بدخوله اليها عام 129م، وجرش احد مكونات الديكابولس (اتحاد الرومانية العشر)، فما ان تعبر هذه البوابة حتى تبدو امامك المدينة التاريخية بكل مكوناتها، فهناك الهياكل والمعابد الرومانية والمسارح والمدرجات والساحات والحمامات والشوارع المبلطة، وقد شيدت عليها الاعمدة الشامخة بتيجانها الرائعة الجميلة، حيث يشاهد الزائر آثار المستوطنات البشرية العائدة إلى العصور الموغلة في القدم ابتداء من العصر الحديدي والبرونزي مرورا بالعصور اليونانية والرومانية والبيزنطية والامويين والعباسيين، مما يؤكد الحقيقة التاريخية ان الانسان قد استوطن جرش قبل اكثر من (2500) عام، وبامكان الزائر لمدينة جرش الاستمتاع بتنوع المطاعم المتوافرة التي تناسب كل المستويات والاذواق.

ونختم هذه السطور عن عمان وجرش وعجلون في الحلقة الاولى لرحلة الاردن، مع الوفد الاعلامي في سوق الصوفية القديم، الذي يحوي كل ما لذّ وطاب من تراث الاردن والجزيرة العربية، فهناك يجد الانسان ضالّته في متعة التسوق والتنزه على الطريقة القديمة، اذ يعتبر هذا المكان من الاماكن المفضلة للسياح العرب والاجانب، ويمتاز بأسعاره المعقولة ومناسبته لكل الزبائن، حتى بات وكأنه مزارا مباحا لكل افراد المجتمع العربي والغربي من السياح الذين يقصدون الاردن بلد البترا التي ستكون عنوان الحلقة المقبلة.

معارك الرومان

في ساحة جرش تقام بعض التمثيليات عن المعارك التي خاضها الرومان في السابق، حيث يجسد الممثلون كل المعارك والمباريات والمبارزات في شكلها ومضمونها عن طريق اللباس الرسمي لها والصلابة والقوة الجسمانية، وبنفس اللغة الرومانية السابقة التي كان يتحدث بها اهل هذه الديار.

ليل بارد ونهار حار

تعتبر عمّان من المدن ذات الجو المعتدل، اذ انها تكون باردة جدا ليلا وحارة نهارا، وربما بردها الليلي يشبه شتاء الكويت، رغم انها في الصيف، فكيف سيكون شتاؤها يا ترى؟!

ولعل الاجواء الباردة في الليل تجعل من هذه العاصمة القديمة الجديدة متنزها للخروج في اي وقت، وما يجمل هذه المنطقة في هذا الجو المعتدل ارتفاعها عن سطح الارض لتجمع كل الصفات الجميلة التي اهلتها لتكون بلدا سياحيا.

شارع الوكالات

جرياً على عادتها ولإثراء تجربة الزائر، تقوم أمانة عمّان بإغلاق شارع الوكالات الشهير في منطقة الصويفية التجارية الراقية خلال فصل الصيف امام حركة السير منذ ساعات المساء الأولى حتى الصباح، حيث تنظم في الشارع الذي يستقطب الآلاف من العائلات، مهرجانات مصغرة وحفلات موسيقية وعروض للأطفال، وتقدم المطاعم والمقاهي والمحال التجارية خدماتها للزوار في اجواء مرحة نابضة بالحياة والدفء.

مهرجان جرش

في صيف كل عام -تحديدا في اواخر يوليو واوائل اغسطس- ترتدي جرش ابهى حلل الجمال وتختال بين المدن الاردنية، وهي تستعد لاقامة مهرجانها السنوي للثقافة والفنون، الذي يحظى بشهرة عربية وعالمية واسعة، حيث تقام فعالياته في قلب منطقة الآثار ويشهد اقبالا واسعا من الزوار العرب والاجانب للاستمتاع بمشاهدة عروضه الفنية وفعالياته الثقافية المتميزة، التي تجمع بين الفن والثقافة، وتمتد امسيات المهرجان على مدى اكثر من عشرين يوما، تقدم خلالها امسيات غنائية لأشهر المطربين والمطربات، بالاضافة الى عروض فنية لفرق مسرحية عربية واجنبية وعالمية، ويعتبر مهرجان جرش مهرجانا للعائلة كلها، فعروضه تنسجم مع العادات والاعراف والتقاليد العربية، وتراعي خصوصية الاطفال والاسر المحافظة، ويمكن شراء بطاقات الدخول من اماكن عديدة في المملكة او حتى من مواقع المهرجان على بوابات المدينة الاثرية.

back to top