البعد السياسي لمؤتمر دولي في طهران
نقول المرة تلو الأخرى: هل تتصارع الدول الإسلامية النفطية الغنية باستثناء تركيا وجمهورية مصر العربية، على إبراز دورها الإسلامي في الدفاع عن حق الشعب الفلسطيني ومسألة القدس، من أجل القيمة والأهمية الدينية والسياسية والعربية؟ فإن كل متفحص سياسي بإمكانه تلمس ذلك الركض «الإسلاموي» لغايات ما عادت للإخفاء أو الادعاء بأن تلك التهم القديمة ليست إلا مجرد أقاويل تستهدف التجريح بالدور الحقيقي لهذه الدولة أو تلك؟لسنا الآن بحاجة للعودة إلى تلك المؤتمرات التي تم فيها التلاسن حينا والمصالحة الأخوية حينا آخر، وكم كانت النخوة الإسلامية والعربية تطفح في مثل تلك المؤتمرات، فهناك في الحلبة الدولية عدو ضد الإسلام والعرب بدأ يقرع جرس الإنذار بأنه سيقتحم دار الإسلام، كما هي خطابات التطرف الديني التي كانت سببا في بناء قلاع بين حضارات متباينة.لقد اكتشفنا أن الجسور المقطعة لابد من إعادة بنائها بين الحضارات المعاصرة، في زمن حاولت فيه كل خطابات التشدد العودة إلى القتل والتدمير والتفجير، كذلك اكتشفنا أن الأعداء ليسوا الصليبيين الجدد كما رفع رايتهم أولئك المتشددون، كحجة على خطابات مضادة هنا وهناك في البيت الأوروبي.ترى هل صلحت أمور المسلمين بعد تلك المؤتمرات؟ أم أنها ظلت كامنة تحملها مراكز إسلامية واضحة بدأت تواصل مطارقها ضربا على الجدار العربي، ساعية إلى بتر وتمزيق جناحي الإسلام وبناء بُعد سياسي من خلال الرؤية والحجة الإسلامية، كلما برزت المسألة الفلسطينية وقضية القدس؟ وهل يحمل مؤتمر طهران الدولي بعدا سياسيا جديدا لرص الصف الإسلامي؟ وهل تحاول طهران إبراز دور الجمهورية الإسلامية وثورتها كرائد طليعي للإسلام «الثوري» متهمة الآخرين، دون تحديد الأسماء، بأنهم إسلام في حضن الإمبريالية؟!هكذا تختلط السياسة وألوانها بين الأسود والأبيض، دون معرفة أن لعبة السياسة ولعبة المصالح والعلاقات الدولية ليستا بذلك التبسيط الرياضي الحسابي، فهناك تداخل في الألوان وتمايزها، فعالمنا أكثر تشابكا واختلاطا وتداخلا، بل وصل الأمر إلى درجة لا يمكننا أن ندخل في قطيعة أو صراع دولي بالصواريخ النووية! لمجرد أن إيران وُضعت في «الحجر الصحي» منذ بروز الثورة وتصدير أفكارها في خلق نموذج عالمي واحد كما تريده. من تأمل خطاب المرشد الأعلى في المؤتمر وخطاب رئيس الجمهورية أحمدي نجاد، يقرأ دلالات واضحة للتطرف والخيال الخصب لتدمير إسرائيل ودورها المتضخم في نظر طهران، التي ترى أن إسرائيل خصمها اللدود، وفيما الخطاب الإسرائيلي بدوره يحاول في المحافل الدولية وفي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عزل إيران بتضخيم البعبع النووي، وأنه لا بد من وضع حد لذلك البعبع القادم في الشرق الأوسط.هذان الخطابان اللدودان في المنطقة يجران خلفهما العالم دون أن نفهم لماذا يتصاعد الخطاب في كل مناسبة تهتز فيها منطقة الشرق الأوسط بالنزاع المسلح بين إسرائيل والعرب؟ فتجد إيران ورقتها حامية ومشروعة كونها تجد أن خطابها هو الأهم في الشارع العربي والإسلامي، فهو أقرب للعاطفة التي لا يمكنها أن تتجاوز سقفها المحدود، فيما تجد إسرائيل فرصتها التاريخية لكل صاروخ يسقط على أمتار من مستوطناتها بالبكاء الدولي، وهي تمسرح لعبة كاذبة بكونها الضحية التاريخية. فهل تستمر تلك القصص الإعلامية والسياسية بين طهران وتل أبيب؟وفيما راحت تلك الورقة الفعلية الخفية تبحث عن وسيط عربي وإسلامي ودولي لحل ذلك الخلاف التاريخي بين الجميع دفعة واحدة، فإذا ما تعانقت طهران وتل أبيب انتهت تلك اللعبة، بعد أن ترفع يدها إسرائيل عن مشروع حلم الفلسطينيين في إقامة دولتهم ويعم سلام دائم.أما نصوص المرشد ونجاد في انتهاء إسرائيل للأبد، وأن الفساد والفسق يمزقها وبأن انهيارها قريب، فإنها تعلو معلنة أن المسلمين ودولهم تراخوا وتهادنوا– وغيرها من مفردات ونصوص الإذلال للجامعة العربية والعرب– إذ لم ير نجاد إلا في «الجهاد» و «حماس» قوة بديلة لفلسطين قادمة. فهكذا يتم بناء أحلام من ورق على تربة تجرفها أمواج البحر.تمنيت ألا تصبح القدس والقضية الفلسطينية موضوعا من الكارتون، إذ نعود كل مرة بقوتنا الإسلامية الهائلة لنجعلها مجرد بيت إسلامي ممزق لا يجيد خطاب السياسة الواقعية وحقيقة العصر الذي لا ينتمي إلى زمن الخيول والسيوف والدروع، والأشعار والمعلقات والغنائم.* كاتب بحريني