أميركا وحلفاؤها

نشر في 30-06-2008
آخر تحديث 30-06-2008 | 00:00
 د. عمرو حمزاوي

يبدو أن حرب لبنان 2006 مثلت نقطة التحول الرئيسية في إدراك الأطراف الإقليمية لخطورة الفراغ المترتب على التعثر الأميركي واستحالة إدارة الأزمات والصراعات المختلفة من دون بحث عقلاني ورشيد عن توافقات ومساومات براغماتية.

همشت إدارة بوش الأداة الرئيسية التي دوماً ما اعتمدت عليها الولايات المتحدة في ممارسة دورها وتنفيذ سياستها بالشرق الأوسط، ألا وهي الدبلوماسية بعنصريها التحفيزي والعقابي، واستبدلتها باستراتيجيات المواجهة والاحتواء وأدواتها الصراعية المتمثلة في الآلة العسكرية وصفقات السلاح والنشاط الأمني- الاستخباراتي. وعندما أعادت إدارة بوش، وتحت ضغط حلفاء واشنطن العرب، اكتشاف الدبلوماسية في أعقاب حرب لبنان 2006 وشرعت في توظيف جهد حقيقي لإحياء المسار التفاوضي الفلسطيني- الإسرائيلي، لم يكن المتبقي من وقت بكاف لإنجاز نقلات نوعية ولم تعد الأطراف الإقليمية على اقتناع بقدرة الدبلوماسية الأميركية تقديم الكثير.

ومن ثم دفع تعثر الولايات المتحدة وتراجع قدراتها حلفاءها الإقليميين إلى النظر بعين الشك لسياستها وحصادها المتوقع والبحث عن استراتيجيات بديلة للحركة لا تعول فقط على القوة العظمى، وهو ما عاد وعمّق بالتبعية من أزمة واشنطن الشرق أوسطية. وربما تمثل التطور الأهم في هذا الصدد في تحفظ، إن لم يكن رفض، الحلفاء على اندفاع إدارة بوش المستمر نحو المواجهة وشهيتها اللانهائية لدفع أزمات وصراعات المنطقة نحو لحظات حسم بالغة الخطورة تبحث بها عن منتصرين ومهزومين.

اليوم يرفض حلفاء واشنطن بالخليج التعاطي مع إيران فقط كمصدر للتهديد وعدم الاستقرار يتعين احتواؤه بعنف، ويبحثون بجدية عن مساحات للتوافق وفرص للمساومة قد تجنب الخليج والشرق الأوسط شبح حروب ومواجهات قادمة وترشِّد في الوقت نفسه من دور إيران الإقليمي. كذلك تنشط الدبلوماسية المصرية في محاولة لضبط الأوضاع الأمنية بقطاع غزة والتهدئة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية وفتح باب الحوار الوطني بين السلطة و«حماس»، وهي في كل ذلك لا تنطلق من استراتيجية إقصاء «حماس» وضرورة تهميشها، بل وتنفتح إسرائيل، وهي المؤيدة لمواجهة إيران والرافضة للمساومة مع «حماس»، على سورية في مسار تفاوضي يديره الأتراك ولا يلتفت الحليفان الأهم لواشنطن بالمنطقة طويلاً لامتعاض القوة العظمى.

يتجاوز الحراك الدبلوماسي الراهن بالشرق الأوسط في كثير من الأحيان استراتيجيات وسياسات الولايات المتحدة ويتشكل في لحظة أضحت بها محدودية فاعلية الدور الأميركي شديدة الوضوح، ويبدو أن حرب لبنان 2006 مثلت نقطة التحول الرئيسية في إدراك الأطراف الإقليمية لخطورة الفراغ المترتب على التعثر الأميركي واستحالة إدارة الأزمات والصراعات المختلفة من دون بحث عقلاني ورشيد عن توافقات ومساومات براغماتية، نعم هناك مخاوف خليجية من امتداد النفوذ الإيراني ومصلحة فعلية في تطويقه، إلا أن عواصم مجلس التعاون وفي مقدمتها الرياض تعلم أيضاً استحالة الاقتراب من استقرار العراق والحفاظ على أمن الخليج وإخراج لبنان من أزمته من دون تنسيق مع طهران يضمن للأخيرة بعض الحوافز ويلزمها في فعلها الإقليمي ببعض القيود.

من جانبها، أضحت نخبة ومؤسسات الحكم بالجمهورية الإسلامية على قناعة بأن الاندفاع نحو التوظيف العنيف لما اكتسبته من أوراق إقليمية في أعقاب الاحتلال الأميركي للعراق يؤلب الحكومات والشعوب العربية عليها وقد تخسر منه إيران على المدى الطويل أكثر مما تربح. تبدت برجماتية الرياض وطهران جلية وفعالة في إنجاح الوساطة القطرية الذكية بين الفرقاء اللبنانيين، فشجعت السعودية قوى «14 آذار» على قبول مقترح التسوية في حين استخدمت إيران -ومعها سورية- نفوذها لدى «حزب الله» وحلفائه لتأمين التعاطي الإيجابي والالتزام بتنفيذ بنود ما أصبح يعرف بـ«اتفاق الدوحة». كذلك ينطبق الطابع نفسه البراغماتي والرشيد على فعل أطراف إقليمية أخرى في ساحات صراع مغايرة.

نحن اليوم أمام دبلوماسية شرق أوسطية براغماتية ورشيدة، تسعى الى الإدارة السلمية للأزمات والصراعات من خلال صناعة التوافق بين الأطراف الإقليمية وتستقل نسبياً عن إرادة القوة العظمى واستراتيجيات المواجهة التي اتبعتها واشنطن خلال الأعوام الماضية.

* كبير باحثين بمؤسسة كارنيغي - واشنطن

back to top