شواطئ الكويت... تحت الاحتلال؟ شاليهات ومنشآت نفطية ومطاعم... وصخور!

نشر في 06-08-2008 | 00:00
آخر تحديث 06-08-2008 | 00:00
منتجعات ومرافق سياحية على امتداد ساحل الخليج، شواطئ نظيفة وخالية من الصخور مجهزة بالمقاعد والخدمات والمظلات الشمسية، بعضها مخصص للعائلات وأخرى للشباب بأسعار رمزية تضمن الأمن والنظافة. استثمار للجزر يساهم في تحريك السياحة الداخلية واستقطاب السياح من الخارج... هذه مجرد أحلام مواطن كويتي بسيط لا يسعه السفر صيفاً، ويبدو أنها لاتزال غير قابلة للتحقيق.

البحر هو المتنفس الأول للكويتيين بحكم الارتباط التراثي والاجتماعي والجغرافي، وتعتبر شواطئ الكويت، المطلة على الخليج العربي، ذات خصوصية جمالية فريدة، فرمالها الناعمة، ومياهها الدافئة، وأمواجها المنخفضة، استقطبت دائما الباحثين عن الصيد والسباحة والتأمل.

واستعانت الدولة في الستينيات والسبعينيات بالمكاتب الهندسية المتخصصة لتطوير المرافق الترويحية البحرية، وطبقتها على النوادي البحرية، وسواحل السالمية والبدع وطريق الخليج العربي، مع دراسات لتطوير ساحل الصليبيخات، وتَحفل شواطئها ببرامج الترفية السياحي عن طريق استقدام الفرق الفنية العربية والأجنبية، وتقديم عروضها الترفيهية لمواطنيها طوال أشهر الصيف الطويلة.

وفي عام 1976 ظهرت شركة المشروعات السياحية، وأقامت ثلاثة شواطئ هي المسيلة والمنقف والعقيلة، واستمر تطوير هذا القطاع السياحي الترفيهي إلى أن بدأ باتخاذ منحنى آخر يغلب عليه الجمود والتراجع النسبي، علله البعض بالسياسي أو الاجتماعي والديني، وتبدو شواطئ الكويت كأنها محتلة من المنشآت النفطية، والشاليهات، والمطاعم الشهيرة، التي سيطرت على معظم الساحل الممتد من النويصيب حتى الشويخ، ولم يتبقَ للمواطنين سوى «ثغرات» بسيطة للوصول الى البحر.

شواطئ مهجورة

أين يذهب مَن يريد ارتياد البحر في الكويت، ولا يملك أن يؤجِّر شاليها أو يرتاد منتجعاً فخماً يوفر له شاطئا نظيفا، مجهزا بالخدمات، والأمان؟

السؤال طرحه أحمد 27 عاما، وهو طالب ينهي دراسته العليا في انكلترا اعتاد أن يقضي إجازته الصيفية في اسبانيا أو في دول على غرارها، يجد فيها شواطئ للسباحة والتشمس، لكنه آثر قضاء وقت اكبر هذا الصيف في وطنه الحبيب الكويت.

أحمد تساءل عن مبتغاه فأرشد إلى شواطئ الكويت الثلاثة المعروفة للسباحة، لكنه رفض فكرة الاستلقاء وسط الحشود من الأُسَر والعائلات للتشمس، فضلا عن عدم وجود مقاعد ومظلات لهذا الغرض، أما الشواطئ الأخرى التي يسبح فيها البعض، فوصف أحمد مظهرها بـ«شواطئ جزيرة مهجورة» ومن يحاول السباحة فوق صخورها كأنه «يطلب الإغاثة من سفينة في مدى البحر».

للعائلات فقط

وتنتشر على محاذاة ساحل البحر العديد من الشواطئ، البعض منها مخصص للعائلات فقط، إذ لا يسمح للرجال بارتيادها إلا بصحبة «نسائية»، أما تجهيزاتها، فتنحصر بعدد قليل من الأكواخ المفتوحة والمصنوعة من القش والحصير. ولمن لا تروقه فكرة السباحة في الشواطئ الرسمية، عليه أن يواجه مخاطر الصخور القابعة على ساحل الشواطئ الأخرى، علاوة على مخاطر التيارات وانعدام رقابة الأمن والإنقاذ.

حسام بدرالدين 25 عاما، شاب مقيم، يدرس في الجامعة ويعمل في متجر لبيع ملابس، وجد أخيرا شاطئا مناسبا اصطحب إليه أصدقاءه إذ قال: «كنا خمسة من الأصدقاء والزملاء، وبدا من الصعب أن نجد شاطئا هادئا يمكن السباحة والتشمس على ساحله من دون مضايقة، بسبب وجود بعض الزميلات معنا»... حسام وأصدقاؤه جهزوا أنفسهم بكل المعدات والوجبات الخفيفة، لكن بعد وقت قصير وبعد سباحة أحد الأصدقاء بعيدا، اكتشفنا وجود مخرج لمياه الصرف الصحي بقربنا على الضفة... يزود البحر بمياه المجاري!».

الصخور دائما

حسام وأصدقاؤه ذهبوا إلى أحد الشواطئ غير الرسمية المنتشرة على شارع الخليج العربي، وتكثر في معظمها الصخور بشكل بشع، بلا فائدة، إلا المنع من الارتياد، هذا بجانب إقامة مخارج مياه الصرف الصحي على تلك الشواطئ التي كان أجدر بالدولة استثمارها ترفيهيا وسياحيا بإزالة صخورها وتنظيفها، مع وضع خدمات بسيطة من مقاعد ومظلات وبعض أفراد الإنقاذ، يشرفون عليها ويؤجرونها بمبالغ رمزية للراغبين في السباحة.

أما الشواطئ الرسمية، إن صحَّ التعبير، بداية من الشويخ إلى السالمية، التي تحوز ارتيادا كبيرا من الزوار خلال فترة الصيف، ومن المفترض أيضا أن تكون أماكن ترفيهية، فتنعدم فيها الصيانة الدورية والتجهيزات الترفيهية والمياه والكهرباء والخدمات الأخرى، كما تعاني الإهمال الكبير، بانتشار الأوساخ والقاذورات متمثلة في بقايا الطعام والفحم التي يتركها مرتادو المكان من دون رقابة أو أمن يضمنان عدم إتلافها.

ادفع... لتسبح!

ومن الشواطئ البارزة في البلاد، شاطئ الشويخ أو «السلام» الذي يكثر مرتادوه من الباحثين عن الاسترخاء والقراءة أو صيد السمك، في حين تعاني مرافقه إهمالا كبيرا، سواء بمظلاته أو أصباغ مقاعده «الأسطورية»... بسبب تاريخ وجودها الذي مضى عليه الكثير جدا، وما تبقى مما خُصص للأطفال.

«عن أي شواطئ تتحدث؟!» علَّق جعفر العلي، رب أسرة صغيرة يعمل في القطاع النفطي، وأضاف «بحثت عن شاطئ مناسب لعائلتي... ولم أكن أطلب الكثير، فقط أطلب شاطئا نظيفا بقليل من المرتادين يمكنني أن أشعر فيه بالحرية»، وتابع «ليس هناك سوى ثلاثة شواطئ مجانية... مزدحمة كثيرا، وفي الحقيقة، لا أجد فرقاً كبيرا بين الشواطئ المخصصة للسباحة والأخرى، فالخدمات تقتصر على نظافة المياه فقط» ولهذا يدفع جعفر مبلغا سخيا كل صيف ليؤمن لنفسه الاسترخاء على ضفاف البحر في شاليه مستأجر. وقال «من المضحك حقا أن ندفع لنستمتع بمياه بحرنا».

المشروعات السياحية

ورصدت شركة المشروعات السياحة 110 ملايين دينار في العام الماضي لبناء وترميم مرافقها، وانصب تركيزها على توسعة منتزه الخيران الذي ساهم القطاع الخاص فيه بمبلغ وصل إلى 85 مليون دينار، من بينها 25 مليون تمويل ذاتي من شركة المشروعات السياحية نفسها، وهي شركة مقفلة تساهم فيها الحكومة، ووصلت التكلفة الإجمالية لمشروع بناء شاليهات جديدة إلى نحو ثلاثة ملايين دينار، علما بأن تكلفة قضاء ليلة واحدة في الشاليهات تبلغ 200 دينار، تقبل فيها العائلات فقط.

وترى الأوساط الاقتصادية أن شراكة القطاع الخاص في الخدمات السياحية ساهم في ارتفاع الأسعار، لكن ذلك لا يعفي الدولة من تخصيص خدمات سياحية وترفيهية مجانية للمواطنين، كما لا يعني أن تنصب اهتمامات مؤسساتها على هذه الأنواع من الشراكة الربحية التي لا تستفيد منها إلا الطبقات الميسورة من المواطنين.

إغلاق الجُزُر

فواز عبد الآل موظف في قطاع البنوك يملك قاربا ويقضي عطلاته الأسبوعية على ضفاف الجزر الكويتية، يقول: «أعشق صيد السمك، لكن ذلك لا يقلل من حبي للسباحة أيضا، أبحر إلى جزيرة فيلكا وكُبَر، فهناك الشواطئ رائعة وهادئة ونظيفة».

وأبدى فواز امتعاضه مما يُثار بشأن إغلاق هذه الجزر وقال: «ماذا يريدون... أن يقتلوا متنفسنا الوحيد؟ عليهم أن يصلحوا هذه الجزر ويستثمروها عوضا عما يثيرونه، ففيلكا عبارة عن ركام، وكُبَر مهجورة، وفي دبي تقام جزر سياحية عالمية من عدم»، ويضيف «البحر والجزر ليسا للعزاب فقط، ففي الإجازات والمناسبات أصطحب أسرتي معي الى الجزر عوضا عن السفر».

وتسود رغبة الكثير من المواطنين في قضاء إجازاتهم في بلادهم إذا توافرت لهم الخدمات السياحية بأسعار مناسبة، بينما يعتبر البعض تكلفة السياحة الداخلية من منتجعات وفنادق صيفية تضاهي السفر إلى عدد من الدول، فيحبذون ارتياد الجزر على البقاء في منازلهم خلال الإجازات الطويلة.

المشروعات السياحية

بما أن شركة المشروعات السياحية هي المشرفة على أكبر شواطئ الكويت الواقعة على الخليج العربي، توجهت «الجريدة» إلى مدير إدارة الشواطئ والأندية البحرية بشركة المشروعات السياحية عبدالوهاب البناي فعلق على مشكلة الصخور البشعة المنتشرة على امتداد الشواطئ التي تمنع المرتادين وقال: «مهما قمنا بإزالة الصخور المنتشرة فستظهر مرة أخرى» وأوضح أن جهات أخرى معنية بإزالة هذه الصخور، بينما مسؤوليتنا تقع على الشواطئ نفسها من فوق، وليس في عمق البحر، ولو كانت مسؤوليتنا تقع على البحر نفسه، لوضعنا منقذين على طول الساحل، وتجميل الشواطئ من خارج وداخل البحر».

لاحظت «الجريدة» عدم وجود مظلات ومقاعد للتشمس، خصوصا أن هناك مَن يسكن في عمارات باهظة التكلفة تقع على البحر مباشرة بهدف الاستمتاع بالشواطئ، في حين لا يمكنهم الاستجمام والسباحة على واجهاتهم البحرية بسبب تلوث الشواطئ بالصخور وقلة المظلات والاكتفاء بعدد قليل من «عشوش» القش والحصير، ويقول البناي: «الأمر يحتاج إلى تراخيص، والبلدية حددت تراخيص المواقع كلها، وتلك المظلات عبارة عن استراحات لا يمكن استغلالها، وتمنع البلدية وضع الكراسي والمظلات أمام المطاعم الواقعة على البحر لأنه لا يجوز استخدامها، وليست من المناطق المجازة بحدود البناء».

ضعف السيولة

يقول مدير إدارة الشواطئ والأندية البحرية بشركة المشروعات السياحية عبدالوهاب البناي «كانت هناك خطط لمشاريع ضخمة في 2008، لتطوير المرافق السياحية البحرية والشواطئ، لكن معظمها توقف لأسباب مالية وضعف السيولة، خصوصا اننا شركة حكومية ونواجه عراقيل في عقود أملاك الدولة».

البيئة... وما شابه!

تشرف بلدية الكويت على عدد من الشواطئ، كشاطئ السلام المقابل لمنطقة الشويخ، ويقول مدير العلاقات العامة في البلدية محمد جعفر المهري «تلك الشواطئ يتم تنظيفها بالفعل من قِبَلنا، لكن بالنسبة إلى الصخور المنتشرة على البحر، فتلك مهمة إدارة البيئة، ومن غير المسموح التدخل فيها» ويعتقد المهري أن «الإبقاء على الصخور من باب حماية البيئة أو ما شابه»! وفي ما يخص «مناهيل» مياه الصرف الصحي، اكتفى مدير العلاقات العامة ببلدية الكويت برمي الأمر في ملعب «وزارة الأشغال».

back to top