أميركا والديمقراطية بعد بوش

نشر في 23-06-2008
آخر تحديث 23-06-2008 | 00:00
 د. عمرو حمزاوي في حين تخلت إدارة الرئيس بوش عملياً عن سياساتها المؤيدة للتحول الديمقراطي ونشر الحريات في العالم العربي، يبدو الحزب الديمقراطي اليوم أكثر اهتماماً بتلك القضايا وأشد اقتناعاً بإمكانات الدور الأميركي الإيجابي.

استخدمت الإدارة الجمهورية مقولة «الديمقراطية» كخطاب تبريري في سياق حربها على الإرهاب ومغامراتها في العراق وأفغانستان، وربطت بينها وبين تغيير نظم الحكم المارقة -أي المعادية للمصالح الأميركية- بالقوة العسكرية. ثم تخلت عنها تماماً على وقع تصاعد قوة الحركات الإسلامية -خصوصاً بعد فوز «حماس» الانتخابي 2006- وحاجة الولايات المتحدة إلى حلفائها من بين السلطويين العرب لمجابهة تنامي الوزن الإقليمي لإيران وشبح دخول منطقة الشرق الأوسط في متوالية جديدة من الصراعات.

إلا أن الملفت هنا هو أن الحزب الديمقراطي، وبعد أن كان أعضاؤه أول من شكك في صدقية سياسات بوش، عاد الآن ليعنّف الجمهوريين على تخليهم عن الديمقراطية وليتهمهم بالعودة إلى أسوأ ما في السياسة الأميركية تجاه العالم العربي قبل سبتمبر 2001، بالاعتماد مجدداً على نظم سلطوية محدودة الشرعية. تتجاوز خلفيات تبدل مواقف الديمقراطيين مجرد الطرح النفعي المستند إلى ضمان القبول الشعبي لأي مجموعة من الانتقادات توجه إلى رئيس مكروه كبوش وإدارة فاشلة كإدارته.

فقد تأسس رفض الحزب الديمقراطي للخطاب الجمهوري الرابط بين الحرب على الإرهاب ونشر الحريات وحماية حقوق الإنسان في العالم العربي، ليس على ادعاء الفساد الذاتي لمقولة الديمقراطية العربية، بل على الدفع بأن دعم الديمقراطية هو عملية تدرجية تعتمد أدوات سلمية حكومية وغير حكومية تتناقض جوهرياً مع خيار القوة العسكرية ومنطق التدخل الخارجي القسري. ولم يغب عن نقد الديمقراطيين لبوش خلال السنوات الماضية، إشارات متكررة إلى مبدئية إدارة كارتر في وضع قضايا حقوق الإنسان على أجندة الدبلوماسية الأميركية في السبعينيات، وإلى نجاحات كلينتون في دعم الديمقراطيات الناشئة في أوروبا الوسطى والشرقية بعد انهيار الكتلة الاشتراكية، من خلال صياغة نظام ذكي يربط الحوافز الاقتصادية-الأمنية بمشروطية سياسية جوهرها تداول السلطة وحكم القانون.

اليوم يتبدّى تغير موقف الديمقراطيين على مستويين رئيسيين: من جهة أولى، شرعت الأغلبية الديمقراطية في الكونغرس في التركيز على مناقشة واقع حقوق الإنسان والحريات السياسية والمدنية في عدد من الدول العربية، خصوصاً تلك التي تتلقى مساعدات اقتصادية وعسكرية من الولايات المتحدة كمصر والأردن واليمن، مع التركيز على حتمية الإلحاق التدريجي للمساعدات بمشروطية مستندة إلى معايير الإصلاح السياسي.

ومن جهة ثانية، ركزت حملة أوباما الرئاسية في الآونة الأخيرة وبصورة تسترعي الانتباه، على صياغة تصورات متماسكة بشأن أجندة دعم الديمقراطية عربياً تفك الارتباط بين الديمقراطية واستخدام القوة العسكرية لتغيير النظم الحاكمة، وتطور العلاقة السببية البسيطة التي أنتجتها إدارة بوش بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001، وربطت بمقتضاها بين غياب الحريات وانتشار الإرهاب بدمج عنصري غياب العدالة عن المشهد الإقليمي الكلي وغياب حد أدنى من المساواة الاقتصادية-الاجتماعية عن معظم المجتمعات العربية.

بغض النظر عن توقعات وتمنيات نخب الحكم في عالمنا، يبدو أن الديمقراطية ستعود لتصبح أحد مكونات سياسة واشنطن تجاه الشرق الأوسط، إن كان الوافد الجديد إلى البيت الأبيض بعد نوفمبر 2008 ديمقراطي الهوى والانتماء الحزبي.

*كبير باحثين في مؤسسة «كارنيغي» للسلام الدولي

back to top