ترحيل الأرباح شماعة الشركات الضعيفة ثوب فضفاض يغطي مشاريع لا تظهر إلا في الجمعيات العمومية
نداءات كثيرة يسمعها متابعو اجتماعات الجمعيات العمومية لمعظم الشركات، على اختلاف أغراضها وأحجامها المالية، تطالب برفع نسب التوزيعات النقدية على المساهمين الذين يحلمون بأن يستمتعوا بما حققته شركاتهم من أرباح.
ترحيل الارباح... هو نقل ارباح السهم الى العام المقبل وهذا يقوي الشركة ويخفض مستوى المكرر الربحي أكثر. وعندما ترحل الارباح يكون سعر السهم مغريا ومتحركا اكثر لوجود المحفز المدخر، وبهذا سيكون السهم قويا وفيه اغراء للمضاربة لوجود هذا المحفز «المتراكم» للسهم، فضلا عن المحفزات الاخرى للسهم كالنمو، ومن ثم نكون قد أوجدنا للسهم محفزا إضافيا.وكثيرا ما نسمع عن قيام بعض الشركات بترحيل أرباحها الى السنة المقبلة تحت ذرائع عدة لمجالس اداراتها يكشف عنه في اجتماعات جمعياتها العمومية، بدعوى تقوية مركز الشركة المالي وتغطية خططها التوسعية... وغيرها. وتخضع عادة هذه الاقتراحات أو التوصيات، التي يتقدم بها مجلس إدارة هذه الشركة او تلك، لموافقة الجمعية العمومية، بينما نسمع نداءات كثيرة للمساهمين تتخلل اجتماعات الجمعيات العمومية تطالب مجالس اداراتها بضرورة زيادة نسب التوزيع النقدي للارباح، وعدم اللجوء الى الترحيل تحت اي ظرف، ذلك ان ترحيل الارباح الى العام المقبل يحرم مساهم هذه السنة من حقوقه في الحصول على توزيعة اكبر من الارباح، بينما يصب الخير كله في سهم مساهم العام المقبل الذي ربما لم يكن له وجود طوال العام الماضي الذي حققت الشركة ارباحها فيه. وقد تضطر الشركات الى الامتثال لنداءات عموميات الشركات بعدم الترحيل، كما فعلت شركة الجوف السعودية، التي رفضت عموميتها ترحيل الارباح، مطالبة بضرورة صرفها فورا للمساهمين. ولكن هل ترحيل الارباح بالارقام الضخمة المعلنة عند بعض الشركات هو ضرب من الخيال، ام هو حقيقة واقعية هدفها تقوية مركز الشركة المالي وتغطية خطتها المستقبلية؟ الهاجري: حقيقي وليس تحايلاً أو ضرباً من الخيال رئيس جمعية المحاسبين والمراجعين الكويتية محمد حمود الهاجري قال إن ترحيل الارباح هو قرار تتخذه الجمعية العمومية للشركة بناء على توجيه من مجلس الادارة، وهو امر حقيقي وواقعي وليس وهما او تحايلا او ضربا من الخيال. وأضاف الهاجري ان من الضروري الاطلاع على قائمة بيان التغييرات في حقوق الملكية المفصح عنها ضمن التقرير السنوي للشركة لمعرفة تفصيل معالجة الارباح المرحلة. وأكد انه ما من شك في ان ثمة اسبابا عديدة تدفع الشركة الى ترحيل ارباحها، منها على سبيل المثال: الحاجة الى تمويل المشاريع والتوسعات، او عدم وجود سيولة لدى الشركة للتوزيع، او الاحتفاظ بمستويات معينة من التوزيعات لا تخل بأداء الشركة. وقال: إن الارباح المرحلة للشركة تظل ضمن حقوق الملكية بالميزانيات المتعاقبة ما لم يتخذ قرار بشأنها كأن توزع نقدا بناء على توجيهات الجمعية العمومية، ما يمكن قارئ البيانات المالية من الرجوع الى بيان التغييرات في حقوق الملكية لمعرفة ذلك. واشار الى ان ترحيل الارباح لا يمكن اعتباره تبريرا استهلاكيا امام المساهمين، اذ ان بيانات السنة اللاحقة تبين، وبشفافية، تفاصيل استخدامات تلك الارباح المرحلة، وكيفية التصرف فيها ضمن القوائم المالية للشركة عن السنة التالية للترحيل. النقي: التخوف من أوضاع السوق أول الدوافع وراء ترحيل الأرباحقال رئيس مجلس إدارة شركة الجزيرة القابضة محمد علي النقي إن ترحيل الارباح بمنزلة احتياطي جديد يضاف الى احتياطيات الشركات كالاحتياطي الاجباري او الاحتياطي الاختياري.واكد النقي ان الشركات تلجأ الى ترحيل ارباحها بغية الاستناد اليها في حال حدود تذبذبات في السوق، وهو يبقى اولا واخيرا ضمن حقوق المساهمين. وأضاف أن التخوف من اوضاع السوق اول الدوافع وراء ترحيل الارباح، ثم تغطية الشركات لمشاريعها وهو حقيقة واقعة في الشركات التي تملك درجة عالية من الشفافية حتى لو كانت قيم الارباح المرحلة كبيرة، بينما تبقى لدى الشركات غير المتمتعة بدرجة عالية من الشفافية ضربا من الخيال.وأكد ان ترحيل الارباح يبقى من مصلحة الشركة ومشاريعها ومساهميها، لانه يبقى ضمن بياناتها المالية كيفما تم التصرف به. ووصف النقي خطوات ترحيل الارباح الى السنة المقبلة من قبل الشركات بأنه حالة صحية وايجابية، وهي تعكس حرص مجلس ادارة الشركة على ثبات وضعها في السوق مهما تعرضت هي او السوق لتغيرات طارئة. جوهر: لتحقيق توازن بين المصادر الداخلية والخارجية اوضح المستشار الاداري والمالي في مجموعة شركات معرفي حسين عبدالله جوهر ان الارباح المرحلة في الغالب تهدف من ورائها الشركات الى تحقيق نوع من التوازن بين المصادر الداخلية والخارجية. وأضاف جوهر ان المصادر الخارجية المقصود فيها الاتجاه الى التمويل او الاقتراض، وهذا بحد ذاته يعطي تكلفة اضافية على المال المقترض. ولفت الى ان الارباح لا بد ان تكون متوازنة سنويا بغية ارضاء المساهمين من جهة ولترحيل جزء من تلك الارباح اذا دعت الحاجة لاحقا الى اجراء توسعات تستوجب تأمين مبالغ ربما تدعو الحاجة الى الاقتراض او التمويل لولا توافر التمويل الذاتي باستغلال الارباح المرحلة. وقال: إن الدخول في مشاريع مستقبلية وعدم الاقتراض والاعتماد على التمويل الذاتي يوفر على الشركة ومساهميها الفوائد والمرابحات التي تترتب على عملية التمويل والاقتراض الخارجي، ما ينعكس بالتالي عوائد على رأس المال بصورة افضل، وذلك وفق عملية محسوبة وليست عشوائية. الترحيل دغدغة لمشاعر المساهمين أحد مدققي الحسابات، طلب عدم ذكر اسمه، قال إن بعض الارباح التي يعلن عن انها محققة هي غير حقيقية، وأكثرها ناجم عن إعادة التقييم وليس من نشاط الشركة التشغيلي. ولفت المدقق الى ان الارباح عندما ترحل يكون جزء منها غير حقيقي، واصفا توزيع اسهم المنحة وعدم توزيع النقدي واللجوء الى الترحيل بأنها «دغدغة لمشاعر المساهمين». وذكر ان المكتوب في التقارير شيء والواقع شيء آخر، مشيرا الى ان المعايير الدولية الأخيرة التي أتت من الولايات المتحدة تقضي بأن كل شيء يعاد تقييمه ما عدا المخزون. ولفت الى ان التلاعب يبدأ بالظهور عند مرحلة اعادة التقييم، موضحا اننا وعلى افتراض ان لدينا 100 ناقلة تم شراؤها بنحو 100 مليون دولار اميركي، فإنها بعد مرور فترة من الزمن وبعد دخولها الى حساب الناقلات المستهلكة فإن اثمانها لا تتجاوز الـ80 مليون دولار اميركي، وعند اعادة التقييم وفق ما هي عليه في الفترة الراهنة تظهر البيانات النهائية لتقييم هذه الباخرة ان قيمتها تعادل الـ120 مليون دولار اميركي، وهذا يعني وجود ارباح ناجمة عن اعادة تقييم هذه الناقلة تبلغ نحو 40 مليون دولار اميركي، اي ان الـ100 ناقلة اخرجت ارباحا بلغت نحو 400 مليون دولار اميركي، وهذا ما يسمى بالارباح الناتجة عن اعادة التقييم، وهنا مجال واسع للتلاعب! انها غير موجودة في الاحتياطيات، بل توضع لدغدغة مشاعر المساهمين وترحل، رغم انها لا تدخل في خانة الارباح التشغيلية للشركة عند اعداد الميزانية العامة السنوية لها. الجنيدي: الاستثمارات الطويلة الأجل تعوق توزيع الأرباح نقداًمدير مركز الكوت لتدقيق الحسابات عصام خليل الجنيدي اكد ان ترحيل الأرباح أمر واقع وليس وهما سواء من المنظور المحاسبي أو من المنظور الواقعي، ويعتمد ذلك على محددات مختلفة بالنسبة الى الشركات، اولها: إذا كان هناك أرباح فلماذا يتم ترحيـل الأرباح، وما الأسباب التي دفعت الشركات الى ترحيل أرباحها للسنة التالية؟ آخرها: أن الشركات قد تبرر ترحيل الأرباح لرغبتها في تغطية مشاريع مستقبلية خصوصا أمام الجمعية العمومية، فهل هذه حقيقة أم تبرير استهلاكي؟ وقال الجنيدي: إن هذا يعتبر سؤالا مهما والإجابة عنه تشير إلى المحددات التي أشرنا إليها سابقا، وللإجابة عنه يجب ان نوضح هذه المحددات، إذ إن عملية توزيع الأرباح تعتمد على استراتيجية الإدارة في وضع أهدافهـا المستقبليـة الخاصة بالشركة بشأن الحاجة إلى زيـادة استثمارات الشركة، وحاجة هذه الاستثمارات إلى مزيد من الأموال، وهنا يكون الخيار الأفضل للإدارة للحصول على هذه الأموال من مصادر داخلية متمثلة في الأرباح المحتجزة، والتي تمكن الإدارة من توفير الأموال لهذه الاستثمارات من دون تكلفة إضافية، وذلك في حالة ما إذا فكرت الإدارة في الحصول على هذه الأموال من مصادر التمويل الخارجية كالاقتراض من البنوك مثلا، اذ إنه في هذه الحالة سيصاحب عملية الاقتراض تحمل الشركة تكاليف تمويلية متمثلة في الفوائد، مما سيمثل عنصر تكلفة عالية سيؤثر في نهاية المطاف في أرباح الشركة.وتابع: إضافة إلى ذلك فقد يصاحب عملية الاقتراض مصاعب متمثلة في عبء هذا الالتزام والضمانات المطلوبة للاقتراض والظروف الاقتصادية السائدة في السوق المتمثلة في السياسات النقدية والسياسات الائتمانية و كلها قد تؤثرفي مدى سهولة حصول الشركة على تمويل خارجي وعلى كمية هذا التمويل. وشدد على ان ترحيل الأرباح يمكن أن يكون بهدف تغطية استثمارات مستقبلية تعتمد على استراتيجيات الإدارة في تحقيق أهدافها كما بينـا، وذلك في ظل اختيار البديل الأفضل. واوضح ان ثمة أمـرا آخر بالنسبة إلى ترحيل الأرباح في حالة رغبت الإدارة في ذلك ولم تكن هناك خطط استثمارية مستقبلية منظورة، مما قد يثير التساؤل لماذا إذا يتم ترحيل الأرباح؟ وللإجابة عن ذلك أيضا ينبغي التوضيح أن هذا الأمر يعتمد على توافر سيولة نقدية كافية لتوزيع الارباح المقترحة، إذ يمكن أن تكون الشركة قد حققت أرباحا في السنة المالية، ولكن لا توجد سيولة نقدية كافية لتوزيع هذه الأرباح، وقد يبدو ذلك مستغربا ولكنه في الحياة العملية أمر قابل للحدوث، إذ ربما تكون أغلبية أموال الشركة داخلة ضمن استثمارات طويلة الأجل، مما يتعذر معه توافر سيولة نقدية قابلة للتوزيع رغم أن نتيجة عمليات الشركة تشير إلى تحقيق أرباح، وبالتالي يصبح هذا الأمر عائقا أمام إمكان توزيع هذه الأرباح على المساهمين بصورة نقدية، وهذا قد يفتح المجال إلى أن يتم التوزيع على صورة أسهم منحة مما سيؤدي إلى زيادة رأس المال. وردا على سؤال بشأن ما إذا كان هناك ترحيل للأرباح فهل تدخـل الأربـاح المرحلة في ميزانية السنة المقبلة أم تنتقل إلى أبواب أخرى؟ وهل يسمح البنك المركزي بترحيل الأرباح دائما؟ اجاب الجنيدي بأن الأرباح المرحلة هي حساب مستقل ترحل إليه الأرباح وترصد به فإذا تم ترحيل أرباح هذه السنة إلى حساب الأرباح المرحلة، ثم أضيفت إليه أرباح السنة التالية فإن رصيد هذا الحساب يتضمن الرصيد وما أضيف إليه من أرباح، ولا يعني عدم توزيع الأرباح واستخدامها في مشاريع استثمارية للشركة بأنها ستختفي من ميزانية الشركة، إذ إن هذا الحساب من حسابات حقوق الملكية، ويتم استخدامه في توزيع أرباح على المساهمين أو زيادة رأس المال عن طريق أسهم المنحة أو في تغطية خسائر يتم تحقيقها لاحقا.واضاف انه ليس من سلطة البنك المركزي السماح بترحيل الأرباح من عدمه، بل يخضع لموافقة الجمعيـة العمومية، وذلك بناء على الاقتراحات المقدمة من مجالس الإدارات.الحساوي: تقوية المراكز المالية تؤهل الشركة للحصول على القروضقال مراقب الحسابات في مكتب «برقان محاسبون عالميون» علي عبدالرحمن الحساوي إن لجوء الشركات الى ترحيل ارباحها الى السنوات المقبلة يكون في غالب الاحيان ابتغاء تقوية مراكزها المالية. وبين الحساوي ان الشركات في تقوية مراكزها المالية يكون لديها احتياطيات وارباح مرحلة تجعلها اهلا للحصول على خدمات ائتمانية وقروض. وأضاف ان بعض الشركات يلجأ الى ترحيل الارباح في ظل توقعات للسنوات المقبلة بعدم تحقيق ارباح حينذاك تكون الارباح المرحلة جاهزة لإرضاء المساهمين عند التوصية باقرار توزيعات عليهم.