قاعدتان تقضان مضاجع المنطقة

نشر في 15-06-2008 | 00:00
آخر تحديث 15-06-2008 | 00:00
 بدر عبدالملك حمل الوفد العراقي الكبير برئاسة نوري المالكي رئيس وزراء العراق، ملفين أساسيين، وكلاهما لم يقنعا الطرف الإيراني، بقدر ما اعترى اللقاء من فتور وبرتوكول بارد، ففي ذهن الإيرانيين يعيش كابوس اسمه الجيش الأميركي المحاذي لحدودهم، منذ اللحظة الأولى التي دخل فيها ذلك الجيش وقام بإسقاط نظام صدام، معلنا أنه جاء إلى المنطقة من أجل الحرية وإزالة كل الأنظمة الاستبدادية وإرساء الحريات والديمقراطية فيها، فكانت تلك الرسالة موجهة إلى أنظمة عدة تفقد المفاهيم والمصطلحات الأميركية، للحرية والديمقراطية حتى إن كانت قائمة على أسنة الرماح.

فمنذ تلك اللحظة الكابوسية وإيران تواصل بناء ترسانتها العسكرية إلى أن بلغ بها الأمر ذروة المشروع النووي، الذي بات موضوعا يقض مضجع دول الجوار مثلما يقض مضجع إسرائيل بشكل هستيري، فقامت قيامة المنطقة ولم تقعد حول ذلك الملف خوفا من انتشاره وبلوغه قمة الخطر، ولكن الوفد العراقي لم يكن معنيا بالاستماع أو تقديم النصح للطرف الإيراني، إنما إيصال نقطتين مهمتين هما طمأنة الإيرانيين أن الاتفاقية بوجود قاعدة أميركية دائمة ليست موجهة إلى أحد، وهو تطمين لم يقنع الجانب الإيراني، وكذلك الملف الثاني الذي قدمه العراقيون حول تورط الإيرانيين بمساعدة ميليشيات عراقية بالأسلحة وبكل أشكال الدعم.

وبالرغم من أن الجميع يعرف من هي تلك الميليشيات التي ضبطت داخل العراق، كجماعة جيش المهدي، غير أن الإيرانيين لم يعترفوا بكلا الملفين لا التطمينات ولا التورط، ولكن من حق الطرف العراقي أن يحمل الملفات إلى دولة مجاورة وصديقة تدرك أنها تؤيد تنظيما كحزب الدعوة، وهو جزء مكون وأساسي في الحكومة العراقية، ولكنه في الوقت نفسه، يرتبط بالإدارة الأميركية ارتباطا قويا، فكيف يمكن إزالة تلك الثنائية المتناقضة، ثنائية العلاقة بطهران وواشنطن، بينما ظلت الحوارات متمحورة دون زحزحة بأن مشاكل العراق هو الاحتلال، وهو خطاب حافظ ولايزال الإيرانيون يواصلون التشبث به، دون أن يفصحوا مباشرة أن هذا الاحتلال قاب قوسين أو أدنى من حدودهم، وهو بمنزلة إنذار يدق نظامهم باستمرار، حيث تعلن دوما واشنطن إزاء الملف النووي «أن خيار الحرب قائم» حتى إن لم تستنفد خيارات الحوارات السلمية وتقديم كل الحوافز إلى طهران شريطة التخلي عن برنامجه النووي.

لقد كان لقاء طهران-بغداد الأخير ليس إلا لقاء استهدف كل طرف منه الدفاع عن نفسه بشتى السبل، دون الحاجة إلى الاقتناع بمعرفة رد الطرف الآخر وإقناعه، فلدى صقور طهران قناعات ثابتة في حربهم الإيديولوجية مع الشيطان الأكبر، وزاد من قناعتهم عندما وصل إلى بلد الرشيد وسحب تمثال صدام في شوارعه، حيث فرحت طهران بذلك «التمثيل للتمثال» في الشوارع، وحزنت بعمق لشعورها المرير بوجود الاحتلال وانتشار الجيش الأميركي.

وبحوار بغداد مع القيادة العسكرية والسياسية الأميركية حول توقيع الاتفاقية العسكرية الطويلة الأمد والثابتة بوجود القاعدة، زالت كل التخمينات والتخرصات عن مسألة وجود الجيش الأميركي مؤقتا وأهمية انسحابه التدريجي، فكل تلك الأوراق الانتخابية أو الدعاية لا تلغي البعد الاستراتيجي لأهمية المنطقة ونفطها وثرواتها، خصوصا أن وجود القاعدة الحيوية في العراق استكمال للطوق الخليجي والتركي لدول الجوار المستعصية على الرضوخ.

من رفضوا وجود القاعدة الأميركية في الداخل والجوار لا يعني أن آخرين لم يفرحهم حضورها الدائم، فإسرائيل بحاجة إلى طوق من الأمان العسكري في ظل التصعيد الإيراني وفي ظل القوى الإسلامية التي تعلن باستمرار ضرورة إزالتها، وتراها إسرائيل تهديدا لوجودها وللسلم في المنطقة، في وقت ترى جميع الأنظمة المختلفة والمتفقة مع الولايات المتحدة وإسرائيل، أن محاربة الإرهاب والتشدد الإسلامي مسألة أساسية كما هو تنظيم «القاعدة» الذي تجد الحكومة العراقية فيه شوكة هددت أمنها، وكان من الضروري أن تبدأ القوات الأميركية التمشيط المركّز على «القاعدة» من جهة وميليشيات الصدر من جهة أخرى.

لهذا كان على حكومة المالكي أن تغلق منفذا لذلك القلق، بإبلاغ الإيرانيين، أن يكفوا عن تزويد تلك الميليشيات بكل أشكال الدعم، تحت حجة مقاومة الاحتلال الأميركي، فكان على وفد بغداد أن يوصل إلى المرجع الأعلى وحكومته بأن القاعدة الأميركية صيانة للنظام وحدوده من كل أنواع الاعتداءات الداخلية والخارجية. فإذا كانت هناك أطراف يقلقها تلك الاتفاقية فإن هناك أطرافا أخرى تباركها، ففي دول الجوار توجد العديد من القواعد الأميركية، فلماذا تتدخل إيران وغيرها في الشأن الداخلي لسياسات الدول؟

ففي وقت تواصل إيران من وراء الكواليس تدخلها الدائم بينما تردد من جهتها أسطوانة حق الشعوب والأنظمة اختيار نظامها السياسي، فهل كل مكونات الشعب العراقي وأحزابه ونظامه متفقة على فهمها لطبيعة القواعد الأميركية في بلدانها؟!

عجيب أمر طهران فيوم دخول حزب الدعوة القادم من طهران متجاورا مع جحافل الجيش الأميركي لإسقاط صدام باركته في الخفاء وتعاونت معه، أما اليوم فإن ميزان تلك السياسة أصبح خنجرا في الخاصرة الإيرانية، خصوصا أن إيران تدرك طبيعة تلك القاعدة وكيف ستدور الرادارات وتحلق طائرات التجسس ليلا ونهارا في فضاء مفتوح حولها من كل الجهات ابتداء من تركيا وآسيا الوسطى وباكستان وأفغانستان وانتهاء بمياه الخليج حتى قمم كردستان.

فهل بات يقلق إيران تنظيم «القاعدة» في لبنان بقيادة العبسي وتعكر صفوها وتقض مضاجعها أم تنظيم «القاعدة» والقاعدة الأميركية في العراق فقط؟!

* كاتب بحريني

back to top