عيب!

نشر في 18-03-2009
آخر تحديث 18-03-2009 | 00:00
 د. مأمون فندي نشرت قبل أيام صحيفة «القدس العربي» اللندنية في صدر صفحتها الأولى خبراً يقول: «ناشطون يطالبون بمحاكمة دولية لمبارك ويبحثون إطلاق قناة فضائية مصرية معارضة». ونشرت إلى جوارها صورة للدكتور سعد الدين إبراهيم الذي علق على الخبر وخلفياته قائلاً، حسب ما ورد في الصحيفة «إن صاحب اقتراح العريضة هو لاري ديموند الأستاذ بجامعة ستانفورد الأميركية والذي وصفه بأنه مقرب من الإدارة الأميركية الجديدة». وقبل أن أعلق على هذا الخبر وعلى التعليق، لابد من تعريف القارئ بما كتب أولا:

يقول الخبر المتصدر للصفحة الأولى «طالبت عريضة وقع عليها نحو مئتين من الناشطين المصريين في الولايات المتحدة بتقديم الرئيس مبارك ووزير داخليته حبيب العادلي إلى المحكمة الجنائية الدولية أسوة بالرئيس السوداني عمر البشير على خلفية ما يعتبرونها جرائم ضد الإنسانية تشمل تعذيب المعتقلين السياسيين». ويقول أيضا إن «جماعات سياسية تعمل في الولايات المتحدة تستعد لتنظيم احتجاجات في واشنطن تزامنا مع استقبال الرئيس المصري بالبيت الأبيض الشهر المقبل».

وفي تعليقه على الخبر قال الدكتور إبراهيم «الهدف من العريضة هو أن تستخدم أميركا نفوذها للضعط على الحكام والمسؤولين الذين لا يهتمون كثيرا بحقوق الإنسان... وإن توجيه مثل هذه الشكوى للمحكمة الدولية بمثابة رسالة تدعو الحكام مقدما لأن يتعظوا ويكفوا عن الإيذاء».

لدي ثلاثة تعليقات على هذا الخبر:

الأول هو أن مساحة النقد المتاحة في مصر لا بأس بها، فالحكومة المصرية ورأس النظام ينتقدان كل يوم على صفحات الجرائد المصرية المطبوعة والإلكترونية، مثل الدستور والبديل والمصري وغيرها من الصحف المستقلة، فإذا كانت مساحة النقد متاحة داخل البلد بهذا الحجم، فإن فكرة المعارضة من الخارج تصبح من دون معنى، فالتغيير من الداخل ممكن ووارد في هذه الحالة.

أما التعليق الثاني، فإن وضع مبارك في مصاف البشير وصدام أو غيرهما ممن ارتكبت في عهدهم ما اتفق إنسانيا ودوليا على أنه مجازر أهلكت عشرات الآلاف من مواطنيهم العزل، مثلما حدث في حلبجة أو في دارفور، هو أمر مبالغ فيه جدا وفيه من الخصومة السياسية ما يصل حد التهور والطيش السياسي. مثل هذا الفجور في الخصومة السياسية يجعل الناس يشككون في نوايا المعارضة، فيا ترى ماذا ستفعل هذه المعارضة التي يقودها العمى السياسي بخصومها عندما تصل إلى الحكم وتكون متاحة لديها كل أدوات الترغيب والترهيب؟ إنه لأمر مخيف حقا.

أما التعليق الأخير فيخص السيد لاري دايموند وفكرة «المقرب من الإدارة الأميركية» التي يروج لها البسطاء منا «عمال على بطال»، وأتحدث هنا عن واشنطن التي أعرفها على مدى خمسة وعشرين عاما، ففكرة أن أستاذا جامعيا مثل لاري ديموند يوصف بأنه قريب من الإدارة وكأن الرئيس باراك أوباما سيتخذ قراراته بناء على مذكرات البروفسور دايموند فهذا كلام غير دقيق ينطلي على من لا يعرفون واشنطن. الرئيس الأميركي ربما لا يأخذ في الاعتبار نصيحة رئيس سابق حتى لو كان هذا الرئيس أباه كما رأينا في حالة علاقة جورج بوش الابن بجورج بوش الأب. نعم للأستاذ ديموند، أو غيره من الأكاديميين والخبراء، الحق في أن يشهد أمام لجان الكونغرس أو أن يلقي محاضرة هنا أو هناك في وزارة الخارجية أو في وزارة الدفاع، ولكن ما مدى تأثير هذا على صانع القرار؟ هذا هو السؤال. حتى الدكتور سعد الدين إبراهيم نفسه أو غيره من جماعتنا نحن الكتاب والمفكرين، مهما كتبنا عن مصر فإن تأثير ما نكتب على العلاقات المصرية-الأميركية سيظل محدودا ومحدوداً للغاية. وهنا أختلف مع بعض من يرون في الدكتور سعد الدين «بعبعا» لتأليب واشنطن على مصر. علاقة واشنطن بالقاهرة أعقد بكثير من أن يتلاعب بها شخص أو شخصان أو ثلاثة، أو أن تحركها عريضة مقدمة لأوباما من طرف أساتذة جامعات لا حول لهم ولا قوة في عالم العلاقات الدولية التي تحكمها المصالح المشتركة. ولكن يبقى الأهم هنا، أن المعارضة تفقد المصداقية عندما تردد المبالغات الطائشة التي تفقدها احترام عقلاء العالم، وتظن أنها استنادها إلى الخارج لتغيير الداخل هو الحل. الحقيقة هي أن المبالغات الفجة تجل المعارضة فاقدة للمصداقية في الداخل والخارج معا، المصداقية ليست مطلوبة فقط من الأنظمة بل من المعارضين أيضا. بالطبع للقارئ حق الاختلاف ولكن هذا رأيي، رأي فرد ليست له مصلحة شخصية، فرد مصري لم يأخذ شيئاً ولا يطلب شيئاً، لو أراد أحد المصريين أن يحصل على نوبل بصفته مانديلا مصر، فالدعوة للتدخل الخارجي في شؤون مصر ليست الطريق، وعيب أن تصل بنا الخصومات إلى درجة العمى السياسي أيا كان مستوى الخلاف، ولأصحاب هذه التصرفات المراهقة ليست هناك كلمة تقال لهم في هذا المقام سوى كلمة: عيب!

* مدير برنامج الشرق الأوسط بالمركز الدولي للدراسات السياسية والاستراتيجية IISS

back to top