وجهة نظر : مجلس التعاون : توحيد الرؤى قبل توحيد العملات!

نشر في 21-05-2009
آخر تحديث 21-05-2009 | 00:00
 د. عباس المجرن مع انسحاب دولة الإمارات العربية المتحدة من مشروع الوحدة النقدية الخليجية، تبقى أربع من الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون هي السعودية والكويت وقطر والبحرين ملتزمة بهذا المشروع، حيث كانت سلطنة عمان قد أعلنت انسحابها من هذا المشروع في وقت مبكر.

وكانت عمان قد بررت انسحابها آنذاك بالمصاعب التي تواجهها في عملية تلبية شروط الوحدة النقدية خصوصا في ما يتعلق بالاستجابة للمعايير المتعلقة بمعدل التضخم والعجز في الميزانية العامة والدين العام بحلول عام 2010، وهو الموعد الذي اتفق عليه لانطلاق الوحدة النقدية قبل نحو ثماني سنوات من الآن. وكان مشروع هذه الوحدة قد بات موضع شك بعدما قررت الكويت في 20 مايو 2007 فك ارتباط الدينار الكويتي بالدولار وهو القاسم المشترك الذي كان متفقا عليه لتحقيق استقرار سعر صرف العملات الخليجية، وذلك بسبب التراجع الكبير في سعر صرف الدولار والأثر التضخمي الذي خلفه هذا التراجع على الاقتصاد الكويتي منذ عام 2003 وحتى مايو 2007.

وكانت دولة الإمارات من بين أشد دول الخليج تحمسا لهذا المشروع، ودعت دول المجلس الأخرى إلى تقديم تنازلات لضمان عودة عمان إلى الوحدة لتحقيق انضمام الدول الست في آن واحد، ولاشك أن انسحابها المفاجئ يثير الكثير من علامات الاستفهام، وقد يكون الخلاف على مقر البنك المركزي الخليجي السبب الرئيسي وراء هذا الانسحاب. وكانت القمة التشاورية لزعماء دول المجلس التي عقدت في الرياض أخيرا قد توافقت على اختيار العاصمة السعودية مقرا للمجلس النقدي المشترك، الذي تقرر أن يكون نواة للبنك المركزي الخليجي.

وكان وفد دولة الإمارات إلى القمة التشاورية برئاسة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، قد سجل تحفظ دولته عن قرار اختيار الرياض مقرا للبنك المركزي الخليجي. وكانت دولة الإمارات قد أبلغت الدول الأعضاء في مجلس التعاون اعتراضها على عدم موافقتها، على أن تكون أبوظبي مقرا للمصرف المركزي المرتقب، لاسيما أن الإمارات كانت قد طلبت استضافة المؤسسة النقدية الخليجية لديها قبل أن تتقدم السعودية أو البحرين أو قطر بمثل هذا الطلب، ولكن الإمارات أبلغت أن عاصمتها تستضيف مجلس النقد العربي، وأن الرياض وهي مقر الأمانة العامة لمجلس التعاون مؤهلة أكثر مما عداها من العواصم الخليجية لأن تكون مقرا للسلطة النقدية الخليجية.

إن من شأن انسحاب دولة الإمارات أن يضعف من الوحدة النقدية الخليجية، فهي من بين دول مجلس التعاون الأربع الأقوى اقتصاديا (السعودية والإمارات والكويت وقطر)، بل وثاني أكبر اقتصاد خليجي بعد الاقتصاد السعودي، حيث يمثل ناتجها المحلي نحو نصف الناتج السعودي، كما أن الأثر السلبي لهذا الانسحاب يفوق الأثر الذي ترتب على انسحاب عمان لأن الوزن الاقتصادي لسلطنة عمان مقاسا بقيمة الناتج المحلي الإجمالي يقل عن خمس (وبالتحديد 18 في المئة) من قيمة الناتج المحلي الإجمالي لدولة الإمارات، وذلك وفقا لبيانات عام 2008، كما أن معدل النمو الاسمي الذي شهدته الإمارات في السنوات الماضية يفوق معدلات النمو الاسمية في دول الخليج الأخرى (أكثر من 30 في المئة سنويا خلال الفترة 1995 – 2008).

ولكن إذا ما عقدت دول مجلس التعاون الأربع الأخرى العزم على المضي قدما في مشروعها الطموح فإن من شأن الانسحاب أن يلحق خسارة بدولة الإمارات، لأنها ستفقد المزايا التي تنتج عن الوحدة النقدية، حيث سيترتب على قيام الاتحاد النقدي وإطلاق العملة الخليجية الموحدة آثار ايجابية متعددة، من بينها زيادة حجم التجارة البينية وتحفيز أنشطة النقل والسياحة والفندقة وتعزيز نشاط الاستثمارات الإقليمية من جهة، وقدرة دول الاتحاد النقدي على جذب وتوطين الاستثمارات الأجنبية من جهة أخرى، كما أن للاتحاد أثرا ايجابيا على قطاعات الخدمات المالية وعلى نشاط تداول الأدوات والأصول الاستثمارية في الأسواق المالية، لأن من شأن توحيد العملة أن يوسع من قاعدة السوق وينوع الأدوات الاستثمارية ويزيد من معدلات الأرباح ويخلص المستثمرين من مخاطر تقلبات أسعار الصرف، كما قد تفقد دولة الإمارات الشقيقة مزايا أخرى تترتب على توحيد العملات مثل تعزيز نطاق المنافسة وما ينتج عنه من تحسن في جودة السلع والخدمات، وكذلك انخفاض تكاليف الإنتاج وتحسين الكفاءة الإنتاجية بفعل عمليات التوسع والتملك والاندماج على مستوى الإقليم (مزايا اقتصاديات الحجم الكبير للإنتاج). وفوق هذا وذاك قد تفقد دولة الإمارات جزءا من ميزتها التنافسية على مستوى استقطاب رؤوس الأموال الخليجية واستقطاب مواطني دول مجلس التعاون الأخرى.

لاشك في أن دولة الإمارات ستكون أضعف، وهي خارج الاتحاد النقدي، ولكن لاشك أيضا في أن مجلس التعاون سيكون أضعف عندما تغرد دولة الإمارات خارج سرب اتحاده النقدي. ويبدو أن المجلس بحاجة ملحة إلى توحيد الرؤى قبل توحيد العملات. ألا تتفقون معي في ذلك؟! 

back to top