الشابي شاعر الانسانية

نشر في 15-03-2009
آخر تحديث 15-03-2009 | 00:01
 آدم يوسف تحتفل تونس هذه الأيام بالذكرى المئة لميلاد أبي القاسم الشابي (24 فبراير 1909- 9 أكتوبر 1934) وتستمر ثمانية أشهر.

يكتسب الحدث أهميته من مكانة الشاعر الكبيرة، كما أن ثمة دلالات ورموزا يمكن قراءتها تتعلق باهتمام السلطة بالشعر والشعراء، فإعلان المؤسسات الرسمية في تونس ابتداء من الرئاسة، وحتى أصغر محفل بها الاحتفاء بالشاعر أمر لا يمكن النظر إليه إلا من الناحية الإيجابية، مع الأخذ بالاعتبار الآراء التي ترى في احتفاء السلطة بالشابي تكريساً لمكانتها، باعتبار الأخير شاعر الثورة ومقاومة المستعمر.

لم تكن تونس وحدها من احتفى بالشابي، فقد أعلن مهرجان دبي الدولي للشعر الذي انطلق في دورته الأولى في الرابع من الشهر الجاري احتفاءه بالشاعر، بحضور أفراد من أسرته ومثقفين وشعراء عرب، إلى جانب نائب رئيس دولة الإمارات حاكم دبي محمد بن راشد آل مكتوم. بعضهم ربط بين نهضة دبي الاقتصادية والمعمارية وبين بيت الشابي الشهير «إذا الشعب يوماً أراد الحياة...». «دبي» أرادت الحياة وكان لها ما أرادت. الربط لايخلو من طرافة، ويحمل في طياته مضموناً صائباً.

كذلك ينظم «مؤتمر الشعر» الذي يُعقد في القاهرة أمسية شعرية خاصة بالشابي، وتعقد السفارة التونسية في بلدان عدة أمسيات شعرية مماثلة، كما قدم البرنامج الإذاعي «سيرة ومسيرة» الذي يبث من إذاعة قطر حلقات خاصة عنه، وعقد ملتقى الثلاثاء في الكويت أمسية قدمت فيها أبحاث، وقُرئت قصائد من شعره.

الشابي لم يعلن «إرادة الحياة» لأبناء شعبه فقط، وإنما للإنسانية جمعاء، ولم يقدم «صلواته في هيكل الحب» لأبناء تونس وإنما لكل العاشقين المسكونين بالمشاعر الشفافة والحب العذري المقدس. ولم «يَلعن الطغاة» في مكان أو زمان محددين، وإنما لعن الظلم على امتداد التاريخ وفي أي بقعة وجدت. يحق له أن يبقى خالداً على امتداد التاريخ، ويحق للناطقين بالعربية وغيرها الاحتفاء بهذا الشاعر/ الإنسان.

مات الشابي صغيراً لم يتجاوز الخامسة والعشرين من العمر، ولكنه ترك آثاراً أدبية خالدة، ما يؤكد موهبته التي نضجت في سن مبكرة، وظل هاجس الشعر يشغله حتى أفرغ ما في جعبته من هموم. كنت أسأل نفسي كلما قرأت أو سمعت أن الشابي مات صغيراً: ماذا يمكن له أن يقول أعظم من هذا الشعر، حتى لوعاش مئة سنة، فالموهبة عندما تنضج والحكمة عندما تحاصر الإنسان، وإن يكن في سن مبكرة يبدع شعراً لن يستطيع عليه من سبقه من حيث امتداد العمر، هو بكل تأكيد يأتي «بما لم تستطعه الأوائل».

سيبقى الشابي خالداً إلى جانب عظماء آخرين سبقوه: امرؤ القيس، المتنبي، عنترة بن شداد، وطرفة بن العبد الذي مات دون الثلاثين من عمره، ويلتقي مع الشابي في نقاط منها إعلان الثورة على الظلم والاستبداد، فطرفة عانى الأمرّين من أبناء عمومته، واختار لنفسه طريق المقاومة شعراً، وركب القفار وسعى إلى تحقيق طموحه الذي كان سبباً في موته، أما الشابي فمات بسبب قلبه، وحبه، والمستعمر .. وظلم الطغاة.

back to top