القرصنة... نوع قديم جديد من الإرهاب!
لمَ نطرح هذا السؤال الآن؟
شكّلت عمليات اختطاف السفن التي وقعت هذا العام قبالة الساحل الصومالي خطراً كبيراً هدد حياة بحارة سفن الشحن في تلك المنطقة، واستحوذت على اهتمام مصدّري العالم، الذين عمدوا إلى زيادة كلفة التجارة العالمية. تفاقمت هذه المشكلة المعقدة أساساً عندما نفذ القراصنة أكثر اعتداء جرأةً: اختطاف ناقلة النفط السعودية «سيريوس ستار» وحمولتها من النفط التي تُقدّر بمئة مليون جنيه استرليني. احتجز القراصنة أيضاً سفينة «ديلايت» المحملة بالحبوب مع طاقمها المؤلف من 25 بحاراً قبالة الساحل اليمني. كذلك تعرضت أخيراً سفينة أخرى، مسجلة في جمهورية كيريباتي وتحمل طاقماً من 12 بحاراً، لهجوم.هل هذه المشكلة جديدة؟كلا، لطالما كانت أعمال القرصنة شوكة في خاصرة المصدّرين. لكنّ هذه المشكلة بقيت في الماضي محصورة بمنطقة ماليزيا. لذلك يُعتبر تزايد هذه الأعمال أخيراً قرب الساحل الصومالي تبدّلاً جذرياً. اعتاد الصيادون الصوماليون في الماضي الخروج إلى عرض البحر وهم يحملون السلاح للدفاع عن مياههم الغنية بسمك التونة والحصول على ضريبة غير رسمية من الأساطيل التجارية التي عبرت العالم وأتت لتستغلّ هذه المياه.لكن سرعان ما أدرك الصيادون أن بإمكانهم جني أرباح أكبر من مجرد حماية ثروتهم السمكية. عام 2004، أُبلغ عن أقل من عشرة اعتداءات في تلك المنطقة. عام 2007، ارتفع عدد الاعتداءات إلى 25 ليصل هذا العام إلى 95. وبما أن نحو 16 ألف سفينة تمر عبر خليج عدن سنوياً والقراصنة يملكون معقلاً محصناً على القناة الضيقة عند مدخل الخليج الشمالي، يُتوقع أن يزداد الوضع سوءاً.أليست القرصنة عملاً نبيلاً؟رمزت الشخصيات الخيالية مثل القبطان باغوش وجاك سبارو، إلى التمرد على السلطات واعتناق حياة الحرية في عرض البحر. لكن القرصنة لم تكن يوماً عملاً نبيلاً. في زمن الرومان، كان القراصنة الفينيقيون يبيعون الأسرى عبيداً. في القرن الأول قبل الميلاد، اعتاد القراصنة، في ما يُعرف اليوم بغرب تركيا، قتل البحارة الذين يهاجمونهم وحاولوا تجويع روما بسلبها إمدادات الطعام. خلال العصر الذهبي للقراصنة في البحر الكاريبي، بين عامي 1660 و1720، أحرق القبطان هنري مورغان باناما وسوّاها أرضاً، قاتلاً ومشرداً سكانها كلّهم.لماذا تنتشر القرصنة في الصومال؟عام 2006، أخاف الحكم الصارم لاتحاد المحاكم الإسلامية في الصومال معظم الناس وأثناهم عن الانضمام إلى عصابات القراصنة. لكن سقوط تلك الحكومة ترك فراغاً أتاح للقراصنة القيام بما يحلو لهم، فوضعوا بسهولة يدهم على الأسلحة وقاذفات القنابل المحمولة التي يحتاجون إليها ليحتجزوا سفن الشحن. أدرك الصوماليون أن مَن يشاركون في أعمال القرصنة يجنون أرباحاً وفيرة من الفدية التي يتقاضونها من دون أن يتعرّضوا لخطر كبير. نتيجة لذلك، تعزز إغراء الانضمام إلى هؤلاء القراصنة والهرب من حياة الفقر والجوع. أما الحكومة الضعيفة المتبقّية في الصومال فهي غير مستعدة أو غير قادرة على التصدي لهذه العصابات، حتى أنها تستفيد من أعمال مواطنيها الجريئة والمتهوّرة هذه. ذكر أخيراً أحد القراصنة المسجونين، فرح إسماعيل عيد، أن نحو 30% من أرباح القراصنة تذهب إلى المسؤولين الحكوميين: «صدّقوني، الكثير من أموالنا يدخل جيوبهم مباشرة».لمَ يُعتبر خطف ناقلة النفط السعوديّة «سيريوس ستار» مهماً إلى هذا الحد؟يُظهر هذا العمل أن القراصنة صاروا أكثر جرأة. كتب الباحث في المعهد الملكي البريطاني للشؤون الدولية روجر ميدلتون، في تقرير وضعه الشهر الماضي: «يبدو أن تسلّق الجوانب المرتفعة لناقلات النفط الكبرى ما زال بعيداً عن متناولهم». إلا أن «سيريوس ستار» ناقلة نفط كبرى وجوانبها عالية. ذكر ميدلتون: «هذا بالتأكيد تطوّر جديد ومقلق. كنا نظن أن سفناً كبيرة كهذه هي في مأمن، لكن يبدو أن الوضع تبدّل. لقد ازدادوا جرأة بكل بساطة».أما الوجه الآخر المثير للاهتمام في هذا الاعتداء فهو أن «سيريوس ستار» كانت على بعد نحو 725 كيلومتراً جنوب شرق الساحل الكيني، أي ما يوازي ضعف المسافة التي تجرأ القراصنة سابقاً على اجتيازها لينفذوا اعتداءاتهم. يوضح الخبراء أن القراصنة يستخدمون «سفناً أساسية» ينطلقون منها في مراكب أصغر حجماً ليهاجموا هدفهم. بهذه الطريقة اكتسبوا مرونة أكبر وقدرة على اجتياز مسافات أطول. لمَ تخلو هذه العمليات من المخاطر؟ لأن شركات الشحن فضّلت طوال سنوات دفع الفدية لضمان سلامة حمولاتها، فضلاً عن أن عدداً قليلاً من السفن محصّن ضد هذه الهجمات. بالمقارنة مع حجم ناقلات النفط الضخمة التي يهاجمونها، تبدو مراكب القراصنة صغيرة وسريعة. علاوة على ذلك، لا تفصل بين رصد السفينة مركب القراصنة وصعودهم إلى سطحها أكثر من خمس عشرة دقيقة. لذلك لا يتسنى للسفن الحربية المجاورة الاقتراب قبل أن يأخذ القراصنة رهائن. وبما أن الفدية تتراوح عادة بين 170 ألف جنيه استرليني و840 ألفاً، فلا عجب أن تستهوي هذه الأعمال الكثيرين.ما هي عواقب هذه الاعتداءات؟يواجه البحارة على متن السفن المستهدفة أسابيع من الأسر أو حتى الموت، مع أن قليلين نسبياً قتلوا. تذكر التقارير أن القراصنة يحتجزون الأسرى في ظروف مقبولة عموماً.شهدت أقساط التأمين التي تدفعها شركات الشحن ارتفاعاً كبيراً منذ أن أصبحت الاعتداءات أشد خطورة. فعلى كل مَن يرغب في نقل حمولة حول الساحل الأفريقي الشرقي أن يدفع عشرة أضعاف ما كان يدفعه العام الماضي. لا شك في أن هذا الوضع أثّر سلباً في المستهلكين، إذ من المتوقع ارتفاع الأسعار في البلدان الغربية التي تقصدها سفن الشحن الكثيرة هذه. حتى أن شركات الشحن قد تبدأ بإرسال سفنها في رحلة أطول قبالة الساحل الأفريقي الغربي. في هذه الحالة، تكون العواقب الاقتصادية وخيمة. كذلك تكثر التساؤلات عن مصير القسم الأكبر من غنيمة القراصنة. ثمة تقارير تربط هذه الأموال بميليشيا «الشباب» التي تدرجها الولايات المتحدة على لائحتها للمنظمات الإرهابية. وإذا كانت القرصنة تعود بالفائدة على المسؤولين الحكوميين، فمن الصعب إيجاد سبيل لتشكيل حكومة مسؤولة في الصومال قريباً.ما السبيل إلى إيقاف القراصنة؟بدأ العمل على تنظيم «خط آمن» يحمي السفن رغم أن الاعتداءات المتواصلة تُظهر أنه لم يلقَ النجاح. كذلك عززت الحكومات الغربية وجودها العسكري في خليج عدن، ومن المفترض أن يُغادر المنطقة قريباً أسطول تابع لحلف شمال الأطلسي لتحل مكانه قوة أكبر تابعة للاتحاد الأوروبي. علاوة على ذلك، أعلنت شركة الأمن «بلاكوتر»، التي انتهت لتوّها من عملها في العراق، أنها سترسل قواتاً إلى المنطقة. كذلك شُجعت شركات الشحن على زيادة الوجود المسلح على متن سفنها. على الرغم من هذه التدابير كافة، لا يمكن وقف هذه الاعتداءات إلا بتأسيس حكومة صومالية قوية. وحتى تحقيق هذا الهدف سيواصل القراصنة على الأرجح اعتداءاتهم من دون أي خوف، متحلّين بروح أسلافهم الجريئة. قال زعيم القراصنة، سوغول علي، بعد اختطاف ناقلة الأسلحة «فاينا» في شهر سبتمبر (أيلول) الفائت: «نحن لا نشعر بالخوف لأننا نعلم أن الإنسان لا يموت إلا مرة واحدة».هل يستطيع المتعاقدون العسكريّون الحد منها؟نعم* لا يملك أفراد الطاقم إلا أسلحة غير قاتلة لا تشكّل أي خطر على القراصنة المسلّحين، مثل المدافع الصوتية.* السفن الحربية أكبر من أن تتصدى بالسرعة المطلوبة لهجوم يشنّه القراصنة.* عدد السفن البحرية في المنطقة لا يكفي لتأمين الحماية لسفن الشحن التي تعبر خليج عدن.لا* لن يتورّع القراصنة عن استخدام أسلحتهم إذا رأوا خصومهم مسلّحين.* لا تتمتع الشركات الخاصة بالصلاحية القانونية المنوطة بالقوات المسلحة الوطنية.* إذا كان عدد السفن البحريّة غير كاف، فيكمن الحل في تأمين عدد أكبر منها، لا ملء الفراغ بمجموعة من المرتزقة.