ميشيل سليمان وسيف داموكليس!

نشر في 01-06-2008 | 00:00
آخر تحديث 01-06-2008 | 00:00
 بدر عبدالملك

ستكون أمام الرئيس الجديد ملفات كثيرة بحاجة للملاحقة والتنظيف، فما يحمله الرئيس من أمنيات ورغبات لا يعني أنه قادر بكل سهولة على انتشالها  من جذورها.

عاد الفرقاء اللبنانيون من الدوحة بعد أن تحاوروا في القاعات المغلقة وسربوا للإعلام والصحافة ما يمكن تسريبه والتصريح به، فأخبرونا عن اتفاق الفرقاء على العماد ميشيل سليمان كرئيس توافقي، وعلى ضرورة النظر في مسألة الموضوع الانتخابي، وبين الدوحة وباحات عمشيت الراقصة فرحا بابنها الرئيس الجديد للبنان. ما اتفق عليه الفرقاء في الدوحة تم تنفيذه في المجلس النيابي بصورة كرنفالية، تليق بحجم الأزمة التي كادت تطيح بلبنان في حرب أهلية وفتنة كبيرة، فدعيت وفود عديدة لكي ترى عملية الكرنفال السياسي التاريخي، بحيث يبدو لبنان بالفعل بلداً ديمقراطياً يعتمد على الشرعية الانتخابية، وكأنما لم تتم وراء الكواليس تسويات ضرورية بين أطراف الأزمة المحلية والإقليمية والدولية، فقد كان على الجميع مباركة خطوة التسوية وحل الأزمة، وإن كانت مسألة معالجة جذورها مرهونة بعنصر الوقت والانتهاء تماما من رحيل إسرائيل من جنوب لبنان والجولان لكي يصبح لدى «حزب الله» قناعة تامة بأن الاحتفاظ بسلاح المقاومة استنفد قيمته التاريخية ومهماته، شريطة تقديم إسرائيل ضمانات بعدم العودة إلى لبنان والاعتداء عليها وتركها تعيش بسلام، وتمارس حقها في معالجة مشاكلها الداخلية دون تدخل أي طرف خارجي أو إقليمي، وتترك للبنان ودولته خياراتهما الحرة في علاقاته الخارجية وعبر مؤسساته الشرعية.

لقد كان التصويت باختيار العماد ميشيل سليمان شبه إجماع حتى إن كانت هناك ست أوراق بيضاء وورقة بدت لنا مضحكة كونها أصرت على اختيار العماد لحود، وكأنها تتشبث بمرحلة قد طواها الوقت. وقد كانت الأصوات المؤيدة لانتخاب ميشيل سليمان رئيسا بمنزلة النوتة الموسيقية التي وضعت في الدوحة بصورة هارمونية، وقامت الأوركسترا اللبنانية بعزف اللحن في أجواء لبنان التي ارتدت حلة الفرح، معلنة كل الأطراف بأنها ترحب بالتسوية والبدء بانطلاقة جديدة بلبنان، فقد تم عبر الكواليس الانتهاء من اختيار الرئيس مثلما تم التلويح باختيار رئيس الوزراء، بتراضي كل الأطراف، فكان سعد الحريري المرشح الأقوى لذلك المنصب مثلما ستكون رئاسة مجلس النواب من نصيب نبيه بري، وبذلك تدور عجلة التسوية الدستورية واتفاق الطائف بتدوير المناصب على أساس طائفي، لعل المجلس النيابي والرئيس الجديد يحمل مفاتيح حل المشاكل العالقة في لبنان.

ومن أهم تلك المشاكل مسألة تشكيل حكومة وحدة وطنية حقيقية، ولم ترد كلمة حقيقية في خطاب حسن نصر الله جزافا أو تلاعبا بالألفاظ، فقد ظلت هناك أمور عديدة لم تستطع الحكومة السابقة حلها من الجذور ولم تكن بالمستوى الوطني الذي جعل من لبنان ظاهرة متفشية بالفساد ونمو الأثرياء الجدد، مع تدفق الاستثمارات والثروة، حيث تم تقاسمها في القمة في مناخ غابت فيه الرقابة والشفافية، بينما راحت البطالة تزداد وسط الشباب والامتيازات توزع وفق الحصص الطائفية. وتصاعدت الحرب الإعلامية اليومية فأنتجت مجتمعا عزز الانقسام الطائفي.

ما ينتظره اللبنانيون بكل مستوياتهم وانتماءاتهم ليس رؤية هدوء الرصاص وتكديس الأسلحة والنوم من دون خوف لرؤية اليوم الآخر مسدودا بشوارع تغطيها الأكياس الرملية وحسب، إنما رؤية بلد يوزع ثروته بصورة عادلة ويحقق التنمية بشكل مزدهر، ويتم تطوير البنية التحتية في أقصى قرية في بلد يتوق لسياحة متقدمة. وستكون أمام الرئيس الجديد ملفات كثيرة بحاجة للملاحقة والتنظيف فما يحمله الرئيس من أمنيات ورغبات لا يعني أنه قادر بكل سهولة على انتشالها من جذورها، فالإرث الذي تركه الرئيس السابق والسنوات السابقة المثقلة بالكراهية والشحن الطائفي ساهمت في خلق مناخ متوتر وروح تسودها مشاعر الشك وانعدام الثقة.

لقد كان خطاب الرئيس في يوم تتويجه على «مملكة الشرق الأوسط الجميل» ليس طريقا مفروشا بالورد، فالفرقاء الذين وضعوا خطوط التسوية خوفا من انجرار لبنان إلى حافة حرب أهلية مدمرة، هم أنفسهم من قدموا التبريكات، مثلما سارع الرئيس بمد يده إليهم مطمئنا بأن لبنان سيكون «صديقا للجميع» شريطة أن يترك لشؤونه، بحيث يصوغ مستقبله بعيدا عن تلك المحاور والتكتلات، فقد تعب لبنان من استعراض القوة، ومن كونه بلدا لتصفية الحسابات ومسرحا للصدامات. ولن تكون الملفات وحدها شائكة للرئيس حال ارتدائه بدلة مدنية، فتوجهاته وطنية يقرها الجميع ومواقفه يثني عليها كل الأطراف، ولكن المسألة التي يحتاجها «داموكليس اللبناني» هي الخبرة السياسية في فن إدارة الدولة، في بلد من نمط لبنان، فالمسألة سهلة حينما وضع الجيش على الحياد أثناء الصدامات، ولكن من الصعب الوقوف على الحياد بين أطراف سياسية متصارعة عندما يجد الرئيس نفسه في غمارها الشائكة وبحاجة إلى قرارات حاسمة، يشاطره في حكومته رئيس وزراء كفؤاد السنيورة يمتلك الخبرة والحنكة السياسية أيضا.

وبذلك يكون الرئيس ورئيس وزرائه متوافقين حول الكثير من الملفات، ولن يحمي الرئيس ورئيس وزرائه في مثل هذه الظروف إلا الشعب اللبناني ونوابه والديمقراطية الشرعية ودولة القانون والمشاريع التنموية العادلة والتمسك بخيارات الوحدة الوطنية التي تدفع بلبنان وشعبه نحو حياة أفضل واستقرار دائم، متى ما تمت عملية التوافق والتوازن السياسي والوطني بين القوى المتنازعة.

المرتعبون من سلاح المقاومة كثر في الساحة اللبنانية ومن حقهم أن يعيشوا بتلك الروح الكابوسية، ولكن من ينفخون في تلك الروح هم القوى التي لها أجندة أبعد من ذلك.

* كاتب بحريني

back to top