نبوءة ماركس
هل تصدق نبوءات كارل ماركس حول حتمية سقوط الرأسمالية؟تتعرض أسواق المال في وول ستريت ولندن ونيويورك وفي أنحاء العالم لاضطرابات وهزات عنيفة كانت نتيجتها حتى الآن اختفاء اثنين من أكبر أربعة مصارف في أميركا، و أعلن بنك «ليمان براذرز»، بعد 158 سنة، إفلاسه وخسر 25 ألف موظف حول العالم وظائفهم، واستحوذ «بنك أوف أميركا» على «ميريل لينش» مقابل 50 مليار دفعت له من قبل السلطات المالية الأميركية، وهناك شائعات عن 15 مصرفا آخر في مآزق مالي وأعلنت مجموعة AIG أكبر شركة تأمين حاجتها إلى أربعين مليار دولار للوفاء بالتزاماتها.ما هو تعريف الرأسمالية التي تنبأ بانهيارها ماركس:«الرأسمالية نظام اقتصادي ذو فلسفة اجتماعية وسياسية يقوم على أساس تنمية الملكية الفكرية والمحافظة عليها متوسعا في مفهوم الحرية».لقد ذاق العالم بسبب هذا النظام ويلات كثيرة إذ مارست الرأسمالية ضغوطا كثيرة وتدخلت سياسيا وثقافيا واجتماعيا ورمت بثقلها على الشعوب المختلفة.ماهو أهم اكتشافات كارل ماركس؟اكتشف كارل ماركس مفهومين: 1- المفهوم المادي للتاريخ، الذي كان نقطة تحول مهمة في دراسة علم التاريخ، فقد انطلق ماركس من الحقيقة البسيطة، وهي أن الناس قبل أن يمارسوا السياسة والفن والدين والحقوق..إلخ، عليهم توفير احتياجاتهم الأساسية من: مأكل ومشرب ومأوى وملبس..إلخ، ولكي يتم ذلك لابد أن ينتجوا، ولكي تتم عملية الإنتاج، لابد من توفير وسائل الإنتاج التي تتكون من أدوات الإنتاج ووسائل العمل، وقوى الإنتاج التي تتكون من وسائل الإنتاج والعمل البشري. وأثناء عملية الإنتاج تنشأ علاقات تتعلق بالملكية والتوزيع، أطلق عليها ماركس «علاقات الإنتاج»، ثم استنبط ماركس مفهوم البنية التحتية للمجتمع التي تتكون من قوي الإنتاج، وعلاقات الإنتاج، والبنية الفوقية التي تتكون من آراء الناس السياسية والحقوقية والدينية والفلسفية والفنية..إلخ. ووحدة البنية التحتية والفوقية هي ما أطلق عليه ماركس التشكيلة الاجتماعية أو أسلوب الإنتاج المعين. واستقرأ ماركس تطور التاريخ الأوروبي نتيجة للتناقض بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج، الذي يشكل المفتاح لفهم التغيير الاجتماعي، وأشار الي اللوحة الخماسية التي تتكون من: المشاعية البدائية، والرق، والاقطاع، والرأسمالية، والاشتراكية.2- اكتشف ماركس أيضا القانون الذي يحكم نمط الإنتاج الرأسمالي والمجتمع البرجوازي الذي خلقه هذا النمط من الإنتاج، وهو قانون «فائض القيمة»، الذي كشف جوهر وسر الاستغلال الرأسمالي.أسس الرأسمالية:• البحث عن الربح بشتى الطرق والأساليب، إلا ما تمنعه الدولة لضرر عام كالمخدرات مثلا.• تقدس الملكية الفردية، وذلك بفتح الطريق لأن يستغل كل إنسان قدراته في زيادة ثروته وحمايتها وعدم الاعتداء عليها وتوفير القوانين اللازمة لنموها وعدم تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية إلا بالقدر الذي يتطلبه النظام العالمي وتوطيد الأمن.• المنافسة والمزاحمة في الأسواق وإطلاق هذه الحرية وفق نظام حرية الأسعار ومتطلبات العرض والطلب واعتماد قانون السعر المنخفض في سبيل ترويج البضاعة وبيعها. أشكال الرأسمالية:• الرأسمالية التجارية، التي ظهرت في القرن السادس عشر إثر إزالة الاقطاع؛ إذ أخذ التاجر ينقل المنتجات من مكان إلى آخر حسب طلب السوق، فكان بذلك وسيطا بين المنتج والمستهلك.• الرأسمالية الصناعية، التي ساعد على ظهورها تقدم الصناعة وظهور الآلة البخارية والمغزل سنة 1770؛ وتقوم على الفصل فيما بين الآلة والإنسان أي العامل ورأس المال.• نظام «الكارتل»، الذي يعني اتفاق الشركات الكبيرة على اقتسام السوق العالمية فيما بينها مما يعطيها فرصة احتكار هذه الأسواق وابتزز الأهالي بحرية تامة.• نظام «الترست»، الذي يعني تكوين شركة من الشركات المتنافسة لتكون الأقدر على الانتاج وأقوى في التحكم والسيطرة على السوق. يخيم على الاقتصاد العالمي جو من الترقب الغريب، فالتقارير الصحفية تشير إلى انخفاض تقديرات النمو في الدول المتقدمة الرئيسية مثل الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا واليابان. وتستخدم الصحف في تقاريرها الصحفية مصطلحات كئيبة محبطة حيث تتحدث عن البنوك والأسواق المالية مع إبداء القليل من الاهتمام بالاقتصاد الحقيقي، وكأن الأزمة الحالية مالية بحتة ومن المحتم أن تظل هكذا، بل إن بعض الخبراء يعتقد أنه يمكن حل هذه الأزمة الحالية عن طريق ضخ الأموال بالبنوك وبذلك يكون تأثيرها محدودا نسبيا على الاقتصاد الحقيقي.طبعا هناك خبراء اقتصاديون يقولون إن هناك خطرا على الاقتصاد الحقيقي وأن خطر الركود الاقتصادي حقيقي.هناك ما بين 3 و 4 ملايين من مالكي العقارات الأميركيين عجزوا عن أداء الرهن المستحق عليهم، كما أن حجم الديون الرديئة التي تهدد البنوك غير معلوم، إذ إن الرهن العقاري اختلط بعدد من الأنواع الأخرى من السندات المالية مما أدى إلى فقدان البنوك للثقة فيما بينها، وتوقفت عن إقراض بعضها بعضا مما يعرض النشاط الاقتصادي للخطر نتيجة الانخفاض الحاد في المتاح من القدرة الائتمانية للأعمال التجارية. في ضوء هذا يبدو الكساد حتميا. كان العالم شهد في القرن الماضي كوارث كبرى وفي مقدمها حربان عالميتان حصدتا أكثر من ستين مليون قتيل وأضعافهم من الجرحى والمعوقين بالإضافة إلى الدمار الشامل الذي لحق بأوروبا والعالم.كادت هذه الحرب أن تطيح النظام الرأسمالي لو لم تنطفئ ولايزال بعض رجال الاقتصاد يتفق مع آدم سميث على أن النظام الرأسمالي يمثل عالما بهيجا للمنافسة الحرة، وتؤدي فيه المصلحة الخاصة على المدى الطويل إلى ما فيه مصلحة الجماعة. بينما يختلف اقتصاديون آخرون، مثل مالتس وريكاردو، مع سميث واعتبروا الصورة قاتمة ولا تدعو للتفاؤل، وأن العالم ليس بهيجا رغم عدم دعوتهم إلى إلغاء النظام الاقتصادي الذي بقي صامدا يصد الرياح التي تهب عليه رغم الضربات التي تلقاها أهمها كساد عام 1929- الذي وصف آنذاك بأنه «مرض عضال»- ورغم الصراع بين الاتحاد السوفييتي السابق والولايات المتحدة الذي أدى إلى اندلاع الحرب الكورية وحرب فيتنام.انتشل «مشروع مارشال» سنة 47 اقتصاد أوروبا من الانهيار. فماذا ينتشل أميركا صاحبة أكبر استهلاك عالمي، خصوصا أنها ترتكب الخطأ نفسه الذي ارتكبه الاتحاد السوفييتي السابق حين تمدد هنا وهناك في أرجاء العالم، فانهار.بعد ان اعتقدت الإدارة الأميركية أنها تجسد القطب الأوحد، راحت تصول وتجول وتشن الحرب تلو الأخرى حتى غرقت في بحر من الديون كأكبر دولة مدينة في العالم وازداد العجز في موازنتها وبلغت موازنة الدفاع وحدها للعام 2007 نحو 700 مليار دولار، وبلغ ما أنفقته على حروبها في العراق وأفغانستان 800 مليار دولار. هل تهلل روح ماركس في قبره وتتحقق نبوءته بانهيار الرأسمالية... الأيام القادمة ستظهر أن ما خفي كان أعظم.* كاتب لبناني