سوق الكتاب ... بعد الرقابة! القانون والظروف الإقليمية والجماعات المتشددة تحرق الكتب

نشر في 31-10-2008 | 00:00
آخر تحديث 31-10-2008 | 00:00
خلوّ الساحة الثقافية من العمل والانتاج، وتراجع دور الدولة الداعم للشأن الثقافي، وانتشار الفن الهابط أكثر خطراً من سطوة التشدد الفكري والديني، الذي يجد نفسه وحيداً في الساحة، وتكون ضحاياه المسرح والتلفزيون والكتب وحركة النشر.

معرض الكتاب العربي الثالث والثلاثون على الأعتاب، وسيقام في الفترة من 18 إلى 28 من نوفمبر الجاري... وهو تظاهرة ثقافية سنوية بدأت منذ عام 1975 بمشاركة 77 دار نشر قدمت 4000 كتاب من 12 دولة عربية، ويقدم المعرض فرصة لدور النشر المحلية والعربية لعرض انتاجها من المعرفة، وقد قام المجلس الوطني للثقافة والفنون والاداب راعي هذه التظاهرة بتطوير فكرة المعرض سنة بعد الاخرى، فتحول من مجرد معرض إلى تظاهرة ثقافية، عبر النشاطات الثقافية والادبية التي تصاحبه.

شكل الرقابة

ولعل أبرز منغصات معرض الكتاب السنوي، وأكثرها تأثيرا على فكرته العامة، هي مسألة الرقابة. وتنبع هذه المشكلة من قضيتين اساسيتين، الاولى في قانون رقم 3 لسنة 2006 في شأن المطبوعات والنشر، وتحديدا المواد ارقام 19، 20، 21 الخاصة بالمحظورات، أما الثانية وهي الأقل وضوحا والأكثر جدلا فتكمن في مسألة التقدير والمزاجية والخضوع للضغوط في عملية الافساح للكتب.

ويُعد معرض الكويت للكتاب العربي في نظر كثير من الناشرين والمؤلفين من أكثر المعارض العربية تنظيما واستقرارا، لكنه في طريقه لأن يكون أكثر المعارض العربية تشددا في مسألة الرقابة واجراءاتها، ففي حقبة ما بعد تحرير البلاد من الغزو العراقي، وهي فترة تنامي وقوة التيار الديني المتشدد، بدأ المعرض يشكل موضوعا في أجندته الحركية، الامر الذي ساهم في أخذ القائمين عليه في وزارة الاعلام خطورة هذا التدخل عبر اللعبة السياسية واستخدام الادوات الدستورية لمساءلة الوزراء المتعاقبين على وزارة الإعلام المسؤولة عن إجازة الكتب، وغالبا ما كان معرض الكتاب، وما يحتويه من «بضاعة ثقافية» مادة غنية لاسئلة برلمانية، تحولت لاحقا إلى مشروع استجواب للوزير المسؤول.

وقد أثرت التحولات التي شهدها المجتمع الكويتي من نواح سياسية واجتماعية على مسألة الثقافة وحركتها في الكويت، ويأتي معرض الكتاب ليشكل جزءا من هذا المشهد، ويذكر في هذا المجال المد الديني المتشدد، وضعف سياسات التعليم العام وارتباكها، وتراجع الدولة عن دورها في دعم الثقافة والادب والفنون، كما كان في بدايات نشوء الدولة الدستورية.

المزاجية

وتتسم عملية الرقابة على الكتب بالكثير من الارتباك والمزاجية والخضوع للضغوط، ويرجع ذلك إلى عدم وضوح العديد من بنود المحرمات والممنوعات في قانون المطبوعات والنشر الذي ذكرناه، ما يجعل الرقيب يتوسع في عملية الحجب، متى ما كانت الظروف السياسية غير مواتية. ولعل الحديث يتكرر دائما الى منع الكتب الفكرية والادبية والسياسية والجنسية، التي يقف وراءها ضغط جماعات التشدد الديني، الا ان ظروفا اخرى جعلت الدولة عبر جهاز وزارة الاعلام تقوم بعملية المنع لامهات الكتب، بالنسبة للتيار الديني كما حدث ذلك في معارض الكتاب الاسلامي الذي تقيمه جمعية الاصلاح الاجتماعي لسان حال تيار حركة الاخوان المسلمين، ففي عام 2006 منعت وزارة الاعلام في استجابة لظروف دولية تتعلق بمكافحة التطرف والافكار المتشددة ما يقارب الـ239 كتابا لشيوخ وائمة ومفكرين اسلاميين، ومنهم ابن عثيمين وعائض القرني وربيع المدخلي وعبدالله جبرين وصالح الفوزان والصابوني، اضافة الى كتب لابن تيمية ومحمد بن عبدالوهاب، وتكرر الحدث ذاته في معرض الكتاب الاسلامي، الذي أقيم في عام 2007، إذ تم منع 32 كتابا لبعض من ذكرنا اسماءهم، واتهمت ادارة المعرض كلا من وزارة الاعلام عبر ادارة رقابة المطبوعات، ووزارة الاوقاف التي يتم اخذ رأيها الاستشاري في ما يعرض عليها من اصدارات، وتكون توصياتها قابلة للتنفيذ أحيانا، اتهمتهما بالوقوف وراء قرار المنع، وحدث ان تراجعت وزارة الاعلام عن قرار المنع الذي وُصف بأنه خطأ اجرائي قام به موظف!

استخدام القانون

وتكشف مزاجية المنع هذه أن قانون المطبوعات والنشر ما هو إلا جسم جامد يتم إحيائه حسب الظروف السياسية الاقليمية او المحلية، وهذا الاستخدام يتم تارة عبر الدولة وتقديرها للمحيط الدولي والاقليمي، وتارة أخرى عبر ضغط الجماعات الدينية المتشددة التي اصبحت تسمى «رقيب الظل» في تشبيه لمصطلح «حكومة الظل» وهو ما ترجم في قرار حجب الكتب. في معرض الكتاب العربي الذي اقيم عام 2007 مثل كتاب الامام جعفر الصادق، والائمة الاربعة ونهج البلاغة، وغيرها من الكتب، هذا... وتعاني مسألة الرقابة التي تقوم بها وزارة الاعلام اشكالات حقيقية، بعضها يثير التندر، ففي عام يُجاز كتاب بينما يمنع في عام آخر، واحيانا تتم اجازة طبعة من كتاب بينما تمنع طبعة أخرى، ويحدث كذلك في اجازة كتاب في دول مجاورة اكثر انغلاقا في التقييم العام، ويمنع في الكويت.

ما الحل؟

أمام هذه المشكلة التي أثرت من دون شك في حال الثقافة بمفهومها العام في الكويت، وتراجع مفرداتها، سواء كان على مستوى المسرح والتلفزيون وحركة النشر، فإن الحديث عن معرض الكتاب يأتي جزءا او مثالا ينبئ عن هذه الحال، والحل يكمن في إحياء دور الدولة في دعم الثقافة عبر الوزارات المعنية كالتربية والاعلام، والتخطيط لدور جديد للجمعيات الاهلية المعنية بالثقافة والادب، فمن غير المنطقي ان يقال دائما إن التشدد الديني هو المسؤول الاول عن تردي الحالة الثقافية في الكويت، فالحقيقة الأخرى التي يجب الالتفات اليها هي أن الساحة الثقافية خالية، بدليل التراجع الكبير في اداء الكثير من منابر الثقافة، والحاجة اصبحت ملحة لربط المشروعين الثقافيين الحكومي والاهلي بقنوات تمويل اكثر مهنية وديمومة لدعم حركة النشر والابداع والثقافة بشكل عام.

مُنع في معرض الكتاب العربي

تعرضت عناوين كثيرة للمنع في معرض الكتاب العربي، منها كتب دارجة في الثقافة الدينية والادبية للطائقة الشيعية مثل كتاب نهج البلاغة، والامام جعفر الصادق، والمذاهب الأربعة، وكتاب «الامام علي صوت العدالة الانسانية» لمؤلفه جورج جرداق.

كما شهد على مر أعوام سابقة منع عناوين كثيرة لكتب سياسية ودينية وادبية وجنسية، ومن بينها: دراسات في الخليج العربي للدكتور محمد العيدروس، الشعر والتصوف للدكتور ابراهيم منصور، وصرح ومهد الحضارة السورية لمفيد عرنوق، واسرار مكشوفة لاسرائيل شاهاك، انتحار عنتر لناجي بيضون، الحل السلمي لقضية عدن لرضية احسان، 50 سؤالا في الحب والجنس لمحمد محمود، البريق الزائف للحضارة الغربية لمحمد الخولي.

مُنع في المعرض الإسلامي

واجه معرض الكتاب الاسلامي الذي تقيمه جمعية الاصلاح الاجتماعي في الكويت سنوياً قرارات المنع من قبل وزارة الاعلام، وكانت الاتهامات قد طالت وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية، بصفتها جهة استشارية في عملية الإفساح، ومن الكتب التي صدرت بحقها قرارات منع في معرض اعوام 2006 و2007 ما يلي:

مناهج السنة النبوية لابن تيمية لمؤلفه محمد رشاد، والمنهج السلفي لابن عثيمين، والكبائر لمؤلفه محمد عبدالوهاب، ومقدمة أصول التفسير لابن تيمية، والارشاد الى صحيح الاعتقاد لمؤلفه صالح الفوزان.

أسباب المنع

تدون ادارة الرقابة في وزارة الاعلان اسباب منعها للكتب والمؤلفات، ومن بين تلك الاسباب ما يلي: الاساءة للذات الالهية- مخالفة الاداب العامة- التعاطف مع العراق- الاساءة الى معاوية والزبير بين العوام (في اشارة إلى الصحابة والتابعين)- الاساءة لدولة صديقة او شقيقة- تمجيد الشيطان- افتراءات بحق الكويت- الاعتماد على آراء للسياسيين الاسرائيليين.

back to top