الدولة والأخلاق والسياسة: مشروع ابن المقفع كشف تردد المسلمين تجاه البنيات الاجتماعية للأمم الأخرى

نشر في 30-05-2008 | 00:00
آخر تحديث 30-05-2008 | 00:00

يؤمن ابن المقفع بالفضيلة باعتبارها مبدأ منظما لكل نظام سياسي

تتلخص رسالة عبدالله ابن المقفع على النحو التالي: «لكي يكون المرء مثل الآخرين، يجب عليه أن يتبنى ما يصنع عظمتهم، ولكن يجب عليه أن يكون هو نفسه متهيئا للتكيف مع ما سيستعار من الآخرين»، كان المجال مفتوحا كليا لابن المقفع كي يلاحظ تردد المسلمين تجاه البنيات الاجتماعية للأمم الأخرى، والوسيلة التي بقيت له هي أن يبين لهم احتمال تطابق مشروعه مع البنية الايديولوجية الإسلامية، بيد أن تصميم المسلمين وحزمهم في الدفاع عن «الدينية المجتمعية»، أفضى إلى وضع ابن المقفع على رصيف المجتمع، ثم على رصيف التاريخ، بدلا من منحه مكانة المثقف المنشغل بمستقبل مجتمعه.

يفرض المشروع المقفعي على المرء إعادة كتابة تاريخ العلم السياسي منذ الأصول حتى أيامنا هذه، ولكن مثل إعادة الكتابة هذه يجب أن تحترز من القبليات الايديولوجية والسطحية التي جردت كتابة تاريخ الأفكار السياسية من طبيعتها، يطرح فكر ابن المقفع نفسه باعتباره يكاد يكون مختلفا اختلافا كليا عن الإشكالية الإسلامية، والحاضرة الإنسانية التي تصورها ابن المقفع وامتدحها، سيقابلها التقليد الإسلامي-«تقليد الفقهاء السياسيين»- من دون ابتكار.

وتتمثل أصالة العلم السياسي المقفعي في أنه ألح على قدرة العقل على تأسيس دولة، على تدبير امبراطورية وتحقيق سعادة الإنسان انطلاقا من الانسجام الاجتماعي، ولكن التناقض هو الأقوى وحاضرة الإنسان هذه ستختفي نهائيا لفائدة حاضرة «الفقهاء السياسيين» أو حاضرة ميتافيزيقية يستنسخها الفلاسفة.

ابن المقفع أولا هو المحلل الذي يفرض نفسه، هو الرجل الذي يعرف وضع مسافات بينه وبين مجتمعه، ومحيطه، والايديولوجيا المهيمنة، تتجلى فيه مسبقا الخصال العلمية التي قد تباهي قرن ديكارت: واضعاً قواعد العلم السياسي، ينطلق من تقطيع، من تجريد يتيح له أن يعزل مفهوم الملك. هذا السلطان يوجد في استقلال عما يمكن أن يبرِّره (الدين أو الأخلاق وحدها)، إنه في آن واحد حتمي وضروري، يتعالى عن القرون والأمصار، يهدف إلى غاية موضوعية هي الدوام أو الاستمرار على الأقل.

وإذا كان ابن المقفع لا يبرر وجود السلطان بمؤسسة إلهية أو ببحث أخلاقي، فإنه يؤمن في المقابل بالفضيلة باعتبارها مبدأ منظما لكل نظام سياسي. ومن دون لبس يضع ابن المقفع نفسه في الخشبة، منيطا بذاته دور «الحكيم-الرادع»، وبالخليفة الحاكم دور المستبد، كان التلميحُ واضحا، فأدى حياته ثمنا عنه.

* بتصرف من المصدر: كتاب: الدولة والأخلاق والسياسة في السياق العربي الإسلامي، تأليف: د. حميد الدليمي، ترجمة: محمد أسيلم.

back to top