إيران وتحديات العام الجديد
يبدو أنه من الصعب إجراء مفاوضات أميركية-إيرانية حقيقية في وجود الرئيس الحالي محمود أحمدي نجاد، وإلا اعتبر ذلك استسلاماً أميركياً أمام إيران، وهو انطباع من المرجح جداً أن الرئيس الأميركي الجديد أوباما لا يريد أن يعطيه عن نفسه للرأي العام الأميركي والعالم.ينتهي العام 2008 وإيران تتهيأ لخطوة مصيرية في تاريخها الحديث، بعد نجاح مراهنتها السياسية على نجاح المرشح الديمقراطي باراك أوباما في انتخابات الرئاسة الأميركية وخروج جورج دبليو بوش من البيت الأبيض، وهو ما يعني تراجع خيار الضربة العسكرية لإيران، ويؤسس تراجع الضربة العسكرية إلى إمكانية واقعية لفتح الأبواب أمام مفاوضات أميركية-إيرانية، تشرع وتقنن- كما ترغب طهران- الدور الإقليمي لها في المنطقة.يفتح العام الجديد فرصاً أمام إيران لتحقيق أهدافها التفاوضية وتحسين صورتها الدولية، ولكنه يحمل في طياته أخطاراً في حال لم تحسن طهران التعامل مع الإدارة الأميركية الجديدة وبشكل يرسخ الصورة السلبية عنها، من بعض الدوائر، في العالم. تتنازع صورتان على إيران في المنطقة والعالم: الأولى «الضامن للاستقرار» التي تريدها إيران لنفسها، والثانية «الدولة المشاغبة» المرسومة لها، والنتيجة سيحسمها السلوك الإيراني حيال إدارة أوباما في العام الجديد.حتى الآن نجحت إيران في امتحانات سياسية شبيهة بتلك التي توجد فيها الآن، حيث أفلحت إيران في تحويل الوجود العسكري الأميركي في كل جوارها الجغرافي، وبالأخص في أفغانستان والعراق، وما يشكله من أخطار إلى فرص للتفاهم مع واشنطن وإلى استثمار للتناقضات التي سببها الوجود الأميركي. صحيح أن قدرات إيران كبيرة ومهاراتها عالية، ولكن تحدي المداورة الاستراتيجية مع إدارة أوباما في العام الجديد سيبقى التحدي الأكبر الذي تواجهه إيران منذ انتصار ثورتها عام 1979. يتوقع أن تجرى مفاوضات بين واشنطن وطهران في العام الجديد للحديث عن الملفات العالقة، ولكن من المستبعد أن تحظى إيران بما تراهن عليه من قبول أميركي بدورها الإقليمي دفعة واحدة، ومرد ذلك أن إدارة أوباما لا تتشاطر الأفكار المؤسسة لشكل المنطقة مع حكومة طهران. وإن كانت إدارة أوباما تتمتع ببعد نظر وواقعية سياسية- على عكس إدارة بوش- فإن هذا لا يعني بالضرورة التسليم لإيران بما تطمح إليه دونما نظر إلى مصالح وضغوط جماعات المصالح المختلفة. وإذا كانت النخبة السياسية الإيرانية تتندر وتتفاءل بالمصادفات الكامنة في اسم الرئيس الأميركي الجديد (أو-با-ما) الذي يعني بالفارسية: هو معنا، فإنها تعلم على الأرجح أن الجلوس لمائدة المفاوضات مع واشنطن لن يتحقق في ظل رئاسة الرئيس الإيراني الحالي محمود أحمدي نجاد. تقول النتيجة المنطقية لانتخابات الرئاسة الأميركية الأخيرة أن الثنائي بوش-نجاد هو الخاسر الأكبر من وصول أوباما إلى البيت الأبيض الأميركي، وليس بوش فقط. وضع انتخاب أوباما الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في مأزق كبير، على الرغم من مراهنة طهران على فوز أوباما ويعود السبب في ذلك إلى أن أجواء الحوار والتهدئة لا تتساوق مع ما قدمه الرئيس الإيراني للمنطقة والعالم من تصريحات منذ انتخابه رئيساً قبل أكثر من ثلاث سنوات، وعلى الأرجح فإن الرئيس الإيراني استراح في الثنائية التي جمعته مع الرئيس المنتهية ولايته جورج بوش الذي مرغ العقل السياسي الأميركي في أوحال الشرق الأوسط، كما لم يفعل أي رئيس أميركي في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية من قبل. هكذا خصم، وهكذا سياق إقليمي، كانا مريحين جداً للرئيس الإيراني في ثنائيته مع بوش، أما الرئيس الجديد الديمقراطي والليبرالي والمحفوف بترحيب العالم فسيشكل ضغطاً على الرئيس الإيراني المضغوط بالفعل. يؤسس الضغط على نجاد، والتنافر بين الشخصيتين والرمزين المحاورين نجاد على الجانب الإيراني وأوباما على الجانب الأميركي، لتكهن باتجاه إيران وليس باتجاه واشنطن، مفاده التكهن أن طهران ستعمد إلى تبديل الأفراس قبل نهاية السباق وتضع نداً لأوباما كنظير في المفاوضات؛ وهنا ربما يتنحى الرئيس نجاد عن خوض الانتخابات الرئاسية في صيف العام القادم «لأسباب صحية». بمعنى آخر يبدو أنه من الصعب إجراء مفاوضات أميركية-إيرانية حقيقية في وجود الرئيس الحالي محمود أحمدي نجاد، وإلا اعتبر ذلك استسلاماً أميركياً أمام إيران، وهو انطباع من المرجح جداً أن الرئيس الأميركي الجديد أوباما لا يريد أن يعطيه عن نفسه للرأي العام الأميركي والعالم.تأسيساً على ذلك فمن الممكن أن يشهد العام 2009 انتخابات رئاسية في إيران لا يترشح لها الرئيس نجاد، ليفتح الباب أمام فوز مرشح من تيار المحافظين البراغماتيين الغالب في الدولة الإيرانية (علي لاريجاني رئيس البرلمان أو باقر قاليباف محافظ طهران) للحوار مع أوباما.ستفيض معاني الانتخابات الرئاسية الإيرانية القادمة -بهذا المعنى- على الحدود السياسية لإيران، وتعبر الأطلنطي باعتبارها خطوة ضرورية على درب المفاوضات الإيرانية-الأميركية التي سيشهدها العام الجديد على الأرجح. * مدير مركز الشرق للدراسات الإقليمية والاستراتيجية-القاهرة