قصص العرب

نشر في 25-04-2009
آخر تحديث 25-04-2009 | 00:00
 محمد سليمان لم يكن الشعر وحده ديواناً للعرب، فقد كان للنثر أيضاً دوره وسحره وقدرته على الإمتاع، خصوصا أن معظم كتب التراث العربي تعج بالنوادر والقصص والحكايات الممتعة والمسلية، لكن الشعر فاز وحده باهتمام الناس في الماضي لأسباب عديدة منها: الأوزان والإيقاعات والقوافي والأغراض الشعرية وفي مقدمتها المديح والهجاء، فقد كان الشاعر يمدح فيرفع ويهجو فيوجع ويصعد به شعره أحياناً إلى مجالس الوزراء والأمراء والخلفاء، فيحظى بالمنح والجوائز والشهرة والمهابة، بينما ظل الناثرون ورواة القصص والنوادر عاجزين عن بلوغ هذه المكانة، لكن القصص المبعثرة في كتب التراث والتي جسدت ملامح الواقع العربي وخصوصيته وأحداثه في العصور المختلفة شكلت بدورها ديواناً آخر للعرب ساحراً وثرياً.

وفي الفترة الأخيرة أصدرت الهيئة العامة لقصور الثقافة «سلسلة الذخائر» كتاب «قصص العرب» الذي صدرت طبعته الأولى في أواخر الثلاثينيات من القرن الماضي، وألفه وجمع مادته ثلاثة من مدرسي اللغة العربية في ذلك الوقت هم: «محمد أحمد جاد المولى بك– محمد أبو الفضل إبراهيم– علي محمد البجاوي» وقد قدموا الطبعة الأولى بهذه العبارات «كتابنا هذا جمعنا فيه هذه القصص ما انتبذ منها وما شرد وألفنا ما تنافر وافترق وجعلناه أقساماً وقسمناه أبواباً ليجتمع إلى غرض القصة عرضٌ شامل لحياة العرب... ولم نقف في اختيار القصة على تعريف خاص أو حد مرسوم... إذ كان الغرض تثقيف الأذهان وكشف نواحي التاريخ وإظهار مفاخر العرب».

والطريف أن هذا الكتاب المهم بأجزائه الأربعة كان يُوزع على تلاميذ المدارس الثانوية في ذلك الوقت ليشحذ وعيهم وانتماءهم ويقوّم لغتهم ويفتح للموهوبين منهم أبواب الابتكار والإبداع «ولعله يكون فيه مبادئ صالحة وأسس قويمة لمن يريد أن ينشىء قصصاً أو روايات».

مع الشعر وربما قبله ولدت القصة، فالإنسان كان ومازال مغرماً بالسرد والقص ومحاولة تفسير ظواهر العالم وخفاياه بالقصص والحكايات الخيالية والأسطورية، والمتكئة أيضاً على الواقع وأحداثه، وقد كان للحكائين في القرى وللشعراء الجوالين هيبتهم ومكانتهم، فقد كانوا بسحر السرد والقص قادرين على إمتاعنا والتحليق بنا في عوالم جذابة ومدهشة، وأظنني بسبب هؤلاء قد انجذبت في صباي إلى «ألف ليلة وليلة» وإلى نوادر وحكايات «بخلاء» الجاحظ وإلى «أغاني» أبي الفرج الأصفهاني وحكايات الشعراء والمغنين والعشاق والخلفاء وغيرهم، كما ساهم القرآن الكريم بقصصه في ترسيخ ولعي بهذا الفن.

في مقدمة الطبعة الجديدة من قصص العرب يقول د.عبدالحكيم راضي رئيس تحرير سلسلة الذخائر «عرفت الحياة العربية ظاهرة القص ومادة القص... عرفتها تسلية... وعرفتها موعظة وعِبرة... كما عرفتها مادة فنية تُروى وقطعة أدبية تُنتقى... وحسب القصة شرفاً وقيمة أن اختصت إحدى سور القرآن الكريم باسم «سورة القصص» وأن كتاب الله قد ورد فيه قصص أصحاب الكهف وذي القرنين وصاحب الحوت وأيوب ويوسف وموسى وغير هذه من القصص».

والكتاب كما ذكر المؤلفون في مقدمتهم قائم على الجمع والتقسيم والتصنيف ومن ثم على الغوص في التراث وانتشال القصص والحكايات من عشرات المصادر والمراجع الأدبية والتاريخية والدينية والاجتماعية وغيرها، وهذا الجهد الكبير يضعنا أمام قضية التعليم في زمننا، وفي عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي وأمام صورة المُعلم المثقف عاشق مهنته والمشغول بالبحث والارتقاء بعملية التعليم في الماضي، والذي كاد كما يقول أحمد شوقي «أن يكون رسولاً».

لنقارن هذه الصورة بصورة أخرى لمُعلم زمننا المشغول بالدروس الخصوصية وبتلخيص المقرر الدراسي وبتلقين التلميذ وإعداده لاجتياز الامتحانات والحصول على الدرجات النهائية، طامساً وعيه وفضوله المعرفي وطموحه وقدرته على الابتكار والتجديد، وتقودنا المقارنة إلى تذكر المناخ الثقافي والسياسي قبل سبعة عقود عندما صدرت الطبعة الأولى من «قصص العرب» وهو المناخ الذي أشار إليه د.أحمد درويش في تقديمه لطبعة الذخائر «العقد الذي ينتمي إليه هذا الكتاب هو العقد الرابع من القرن الماضي وهو من أكثر العقود دلالةً على الطموح والرغبة في الارتياد والاكتشاف والتجديد والتعمق».

وقد أتاح هذا المناخ الفرص للحراك السياسي وللتوهج الأدبي والإبداعي فتألق طه حسين، وتوفيق الحكيم، والعقاد، وأحمد أمين، ويحيى حقي وغيرهم، ورحب هذا المناخ بحركة التجديد الشعري وعندما تغير المناخ وانحاز للجمود تغيرت صورة المُعلم والمتعلم والهدف من التعليم، فتراجع الاهتمام بالعقل وبدور المعرفة في بناء الشخصية وتأكيد الهوية.

* كاتب وشاعر مصري 

back to top