مهرجانات شعرية

نشر في 22-03-2009
آخر تحديث 22-03-2009 | 00:00
 محمد سليمان لا أحد يستطيع أن يزعم أن مهرجانا شعريا ما قد نجح تماما واستطاع أن يرضي الشعراء كلهم، وأن يجمعهم تحت راياته، فالصراع والتطاحن الشعري وسعي كل تيار بل كل شاعر أحيانا إلى ترسيخ اسمه ووجوده وإقصاء أو تهميش الآخرين يقلل دائما من فرص النجاح أو حجمه، وفي العقود الثلاثة الماضية شاهدت وشاركت في العديد من المهرجانات الشعرية، مرة في صفوف المحتجين الغاضبين ومرة في صفوف المؤيدين والداعمين والمنظمين، ولم ينج مهرجان واحد من الهجوم عليه والتنديد بنشاطاته وبمنظميه حتى صار هذا التنديد أمرا عاديا ومنتظرا ودالا على حيوية الحركة الشعرية وتجددها.

***

لا يرى الشعراء من المهرجان الشعري سوى أمسياته وأسماء الشعراء المشاركين فيه، والمهرجان يعد ناجحا في تقدير الشاعر حينما يقدر منظموه موهبته ويوجهون إليه الدعوة للمشاركة بقصائده في إحياء الأمسيات، ويخفي الشاعر ذلك عادة بطنطنات عن التجديد والحداثة وامتداح المنظمين أو الهجوم عليهم، وينسى الشعراء دائما أن أي مهرجان شعري لا يستطيع بسبب قلة عدد الأمسيات وأيام انعقاده توجيه دعوة إلى كل من يكتبون شعرا أو يزعمون ذلك، والمنظمون مجبرون بالتالي على تمثيل التيارات الشعرية المختلفة بعدد من رموزها.

والاحتجاج أو التنديد بمهرجان ما يصبح مطلوبا وضروريا عندما يتجاهل منظموه تمثيل تيار شعري فاعل ومؤثر في الحركة الشعرية، وأشير هنا إلى مشاركتي في الاحتجاج والتنديد بمهرجان القاهرة للشعر العربي الذي عقد قبل أكثر من ربع قرن للاحتفال بمرور نصف قرن على رحيل الشاعرين أحمد شوقي وإبراهيم حافظ، والذي استبعد تماما كل شعراء جيل السبعينيات ومعهم الشاعر محمد عفيفي مطر، وبالإضافة إلى بيانات التنديد أقمنا مهرجانا شعريا بديلا للمهرجان الرسمي، وألقينا قصائدنا في أمسياته ليصير هذا المهرجان البديل تقليدا متبعا يحافظ عليه الشعراء بعد ذلك.

وأشير أيضا إلى مهرجان القاهرة الشعري الذي عقد عام 1996 وكنت أحد أعضاء اللجنة المنظمة له، وعضو لجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة، وقد تضامنت في ذلك الوقت مع المحتجين والغاضبين واستقلت من اللجنتين احتجاجا على الفوضى واستبعاد تيار قصيدة النثر، رغم أنني لست أحد كتابها أو المتحمسين لها لكنني كنت ومازلت أرى أن مشاركة هذا التيار في الأمسيات الشعرية قد يساعد على الفرز وتقليص الفوضى وتصحيح المسار.

***

قبل عامين عقد مهرجان القاهرة للشعر العربي في دورته الأولى، ومنح الشاعر الراحل محمود درويش جائزة الشعر، ورغم تمثيل تيار قصيدة النثر بعدد من الشعراء أقام كتاب هذه القصيدة مهرجانا شعريا بديلا كنوع من الاحتجاج على التمثيل الهزيل لتيار قصيدة النثر في المهرجان الرسمي، وقبل أيام أنهت الدورة الثانية لمهرجان الشعر العربي نشاطها، وكذلك مهرجان الشعر البديل الذي عقده شعراء قصيدة النثر لترسيخ وجودهم ومحاربة عسكرة الشعر على حد قولهم ومواجهة التسلط المؤسسي ومحاولات استبعاد نصوصهم. وهو كلام يوحي بأن هناك حربا معلنة ضد قصيدة النثر والواقع يكذب ذلك.

فمعظم ما ينشر في الصحف والمجلات قصائد نثر، ومجموعاتهم تنشرها دور النشر التابعة لوزارة الثقافة، وقد أجزت عشرات الدواوين وأوصيت بنشرها وقدمت أيضا بعض شعراء قصيدة النثر الجادين في السنوات الماضية، لكنهم على ما أظن قد نسوا أن العدو الحقيقي لقصيدة النثر لا يقف خارجها أو بعيدا عنها إنما في داخلها، فهي لم تستطع بعد أكثر من نصف قرن على ظهورها ابتداع جماليات خاصة بها تساعدها على طرد المدعين وكتاب الخواطر والسرديات التي لا قوام لها، وهذا العجز يطرح في النهاية العديد من الأسئلة عن جدارتها ومستقبلها وقدرتها على مقاومة غواية السرد والثرثرة وتشابه الأصوات والوجوه وغياب أو ندرة التميز، خصوصاً أن بعض شعرائها قد تجاوز الخمسين وتحولوا إلى قصيدة النثر بعد أن ظلوا لسنوات وسنوات يكتبون قصائد تفعيلة متواضعة وشاحبة وعاجزة عن التحليق.

***

القصيدة الجيدة هي سلاح الشاعر الوحيد، بها يرسخ وجوده ويفرض اسمه ووجهه الشعري ويرغم الحياة الأدبية على الترحيب به وتقبله، القصيدة وليس البيانات واختلاق أعداء وهميين ومحاربة طواحين الهواء والأشباح.

* كاتب وشاعر مصري

back to top