قانون الاستقرار حماية للمواطن والمال العام... ولكن!

نشر في 09-03-2009
آخر تحديث 09-03-2009 | 00:00
 حسن مصطفى الموسوي كثيرة هي الأمور التي لا يمكن رؤيتها والحكم عليها من جانب واحد نظراً لوجود أكثر من زاوية وأكثر من عامل مرتبط ومؤثر في تلك القضايا، وقانون الاستقرار الاقتصادي من أكثر القوانين المثيرة للجدل، فهو يعد نموذجاً ليس للاختلاف الفني فحسب، بل يتعداه ليكون وجهاً من أوجه الاختلاف الاجتماعي والتعبير عن عدم الثقة بالدولة ومؤسساتها.

قبل ثلاثة أسابيع تقريباً قلت في هذه الزاوية إن انهيار التجار لا يعني انهيار الاقتصاد، لأن الأغلبية العظمى من المواطنين تعمل لدى القطاع الحكومي، ومع أن انهيارها قد يعني فقدان بعض السلع والخدمات، لكنه لن يؤدي إلى تفشي البطالة كما في دول أخرى معتمدة على القطاع الخاص، ومع أني مازلت على رأيي هذا، إلا أن ذلك لا يعني أنني ضد قانون الاستقرار المالي الذي لا يهم التجار فحسب، بل يهم عشرات الآلاف من المواطنين المستثمرين في البورصة والمساهمين في شركاتها والمودعين أموالهم في بنوكها المؤمّنة من قبل الدولة.

ولذلك فإن انهيار المصارف سيعني خسارة للمال العام الذي سيغطي هذا العجز، كما أن هذا القانون لن يتم بموجبه دفع فلس واحد للشركات والحيتان كما يدّعي البعض، بل سيعطي ضماناً بنسبة 50% للبنوك تشجيعاً لها على إقراض الشركات ذات الملاءة، وهي كلفة- إن تحققت- ستكون أقل بكثير من كلفة ضمان ودائع بنك منهار، فوضعنا ليس أفضل من أغلب دول العالم التي هبت حكوماتها لإقرار خطط إنقاذ، ومع ذلك فلا يوجد أحد يدّعي بأن هذا القانون سيكون طوق النجاة للشركات والبنوك حتى يقال إنه سينقذ الحيتان، لكنه مجرد اجتهاد لإيجاد حل للأزمة الاقتصادية التي اجتاحت العالم بأسره.

نعم، قد يكون هناك أوجه قصور في القانون، لكن معالجتها تكون في تحمل جميع النواب- وليس بعضهم فقط- مسؤولياتهم، فهناك نواب يجتمعون يومياً ولساعات متأخرة من الليل أحياناً لدراسة القانون، بينما هناك نواب لا يحضرون الاجتماعات ولا يجيدون سوى توتير الأجواء- المتوترة أصلا- وإطلاق التصريحات الجوفاء... فمن السهل جداً أن يضع أي نائب رِجلاً على رجل، ويحضن مايكرفون المجلس ليردح ويخوّن من يشاء، ثم يصفّق له الجميع ويعتبرونه بطلاً! تُرى ماذا ترك هؤلاء النواب للكتّاب والنقابات والمراقبين، وهل انتخبهم المواطنون للتصريح أم لأداء أعمالهم؟!

وفي المقابل، وحتى لو افترضنا أن هذا القانون هو الحل السحري لإنقاذ البورصة والبنوك والشركات، فإنه يجب ألا يمر من دون الاتفاق على حل يعالج مشاكل المواطنين عامة، لأن مراعاة الرأي العام في هذه المسائل ضرورية جدا، خصوصاً أن المواطن فقد الثقة بهذه الحكومة التي ناقضت نفسها في أكثر من موقع.

فوزير المالية مثلاً قال إن البورصة ليست دكاناً حتى يتم إقفاله، ويجب أن يكون مفتوحاً لمن يريد أن يشتري ويبيع، بينما سهم بنك الخليج موقوف عن التداول لخمسة أشهر تقريباً دون أن يتسنى لأي مساهم فيه بالبيع لتغطية التزاماته!

ووزير التجارة قال إن الحكومة ليست ملزمة بإنقاذ المغامرين بينما رأيناها تهب لنجدة البنك المغامر دون أن نرى أي عقوبات على من تسببوا في تدهوره، فكل ما قرأناه هو رفع الهيئة العامة للاستثمار قضية ضد رئيس البنك السابق، ومنذ ذلك الوقت لم نسمع عن مصير ذلك الشخص أي شيء! وهذه الحالة هي أحد أسباب اعتقاد عامة المواطنين بأن هناك أشخاصا فوق القانون وأن الحكومة معنية فقط بحماية مصالح علية القوم دون غيرهم.

أما بالنسبة للبنك المركزي، فمهما بلغت كفاءة قيادته، فإن عامة الناس ستتذكر أن هذا البنك هو الذي عجز عن حمايتها من جشع البنوك حتى بلغت مخالفات القروض 30 ألف مخالفة تقريبا، ولذلك تجد أن معظم التعديلات على قانون المحافظ تركز على تحديد معايير الملاءة التي سيعطي البنك بموجبها ضمان الـ50%، مع أنه قد يكون من الصعب تحديد تلك المعايير، وهذا يعكس فقدان ثقة أغلب النواب بإدارة البنك، وهو بدوره نابع من فقدان ثقة عامة المواطنين به كذلك.

لاحظوا معي أن عودة موجة الإضرابات والمطالبات بإقرار كوادر عدة جهات حكومية تزامن مع مناقشة قانون الاستقرار المالي، وهي مؤشر على رغبة الناس في تحسين أوضاعهم المالية في مقابل إنقاذ الشركات والمصارف، ولذلك، لن يكون بالإمكان معالجة الوضع الاقتصادي دون إسكات المواطنين بقانون يفرج عنهم كربهم أيضا.

back to top