أكّد أن لا همّ للشركات العابرة للقارات سوى الربح د. وليد الشايجي: الهويَّة الإسلاميَّة تتأثَّر بالمنتَج الغربيّ سلباً

نشر في 01-09-2008 | 00:00
آخر تحديث 01-09-2008 | 00:00
يتولى د. وليد خالد الشايجي منصب مدير مكتب الاقتصاد الإسلامي في كلّية الشريعة، في جامعة الكويت، وهو كذلك عضو هيئة التدريس فيها. في حديثه إلينا، ألمح إلى أن الاقتصاد الإسلامي يمر بمرحلة حرجة للغاية، لا سيما مع تنامي ظاهرة العولمة وانفتاح الأسواق الإسلامية أمام السلع الغربية أو الشرقية التي تنتجها دول عرفت بإمكاناتها التقنية والفنية العالية. كذلك أوضح أن بعض المؤسسات الدولية الكبرى يؤدي دوراً سلبياً في ما يتعلق بشعوب الدول الفقيرة أو النامية، لأن التشريعات التي تضعها هذه المؤسسات ومن بينها: البنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية، تصبُّ في صالح الأغنياء على حساب الفقراء.

هل هناك مواصفات محدّدة للنموذج الاقتصادي الإسلامي؟

يتَّصف المنهج الاقتصادي الإسلامي بأمور عدة يتميز عنها في الاقتصاديات الأخرى. أولاً، يقرّ الفكر الاقتصادي الإسلامي أن المال مال الله سبحانه وتعالى. لا ينطبق المال في الشريعة الإسلامية على النقود فحسب، إنما يطلق على كل شيء يتموَّل به الإنسان. لذلك يمكن أن نضيف إليه العقار، الأنعام، المنافع والخدمات الأخرى. كل ما يملكه الإنسان، هو في أصله ملك لله سبحانه وتعالى، ونحن مستخلَفون فيه. هناك أمر آخر يمكن اعتباره معلماً أساسياً في الاقتصاد الإسلامي، وهو ما نسميه بـ{الملكية المزدوجة»، وهذا المبدأ نقيض للرأسمالية التي بالغت في تقديس الملكية الفردية أو الخاصة، وللشيوعية أيضاً التي تقدس الملكية العامة، أو القطاع العام. لذلك يقوم الاقتصاد الإسلامي على أساس مزدوج، أي أن الملكيتين العامة والخاصة، يعملان جنباً إلى جنب، كل له دوره في النشاط الاقتصادي وفي المجتمع، إلا في حالة واحدة، إذا تعارضت المصلحتان الخاصة والعامة، فتتقدم العامة. كذلك يتميز هذا الاقتصاد بالتكافل الاجتماعي، الذي يثبت أن للفقير حقاً شرعياً في مال الأغنياء، يُترجم ذلك من خلال الزكاة والصدقات والتبرعات. في المجمل، يهتم الاقتصاد الإسلامي كثيراً بالجانب الأخلاقي، والمقصود به الضروريات الخمس التي دعت الشريعة الإسلامية إلى المحافظة عليها، وهي: الدين والعرض، النفس، النسل والمال. والمال آخر هذه الضروريات وأقلها من حيث الرعاية والاهتمام.

هل يتمثل النظام الاقتصادي الإسلامي في المصارف وشركات الاستثمار فحسب؟ أم أن هناك طرقاً أخرى يمكن أن يتجلى من خلالها؟

المصارف وشركات الاستثمار جزءان أساسيان من المنهجية الاقتصادية الإسلامية، وهما مهمان، ولا يمكن لإنسان غض البصر عنهما. لكن الاقتصاد الإسلامي يدخل في أمور أخرى منها: «مالية الدولة الإسلامية»، ويناقش من خلال هذه الجزئية إيرادات الدولة الإسلامية التي منها: الزكاة، و{الخراج»، وهي الضريبة العقارية، وهناك أيضاً «العشور»، وهو ما يعرف بالضريبة الشخصية. كذلك وضعت الشريعة الإسلامية ضوابط صارمة على ما يعرف بالضرائب الشخصية، وتدخل الاقتصاد الإسلامي في ضبط سلوكيات الإنسان المسلم من حيث الاستهلاك والإنفاق. لا يجوز للإنسان المسلم أن يُنتج شيئاً يحرمه الله سبحانه وتعالى، مهما كانت المبررات الربحية أو غيرها، والأمثلة على ذلك كثيرة، فالشرع الإسلامي حرّم على المسلم أن ينتج سلاحاً ويبيعه للعدو، ولا يجوز بيع العنب لمن ينتجه خمراً.

تسعى الشركات عابرة القارات إلى تحويل المجتمعات النامية إلى شعوب مستهلكة، هل من طرق محددة لمواجهة هذا المد الاستهلاكي المحيط بنا؟

قبل الإجابة المباشرة عن هذا السؤال، أطرح تساؤلاً آخر، هل يجوز التعامل مع هذه الشركات أم لا؟ ندرك جميعاً أن الإسلام دين يعتد بنفسه، وفيه من الخصائص والمميزات الكثيرة التي تجعله قوياً في مواجهة أي قوة أو نظام آخر، وبالتالي لا نخشى التعامل مع الآخرين، ومع الشركات عابرة القارات طبعاً. معروف أننا في الدول الإسلامية نحتاج إلى رؤوس الأموال، إذا جاءت هذه الأموال عبر الشركات العالمية فلا بأس أن نستفيد منها. كذلك تمتاز الشركات الكبرى بامتلاك القوة الفنية والخبرة المهنية، فالإسلام في المجمل يمتاز بمرونة كبيرة في التعامل مع رؤوس الأموال الأخرى. نصطدم الآن بواقع يختلف بعض الشيء، وهو أن هذه الشركات تهتم بمصالحها الشخصية، الأمر الذي نتج منه إغراق العالم الإسلامي بالمنتجات الاستهلاكية. لمعالجة هذه القضية، لا بد لنا في الدول الإسلامية من تهذيب سلوكيات المجتمع المسلم؛ وذلك عن طريق توعية المجتمع بالتعليم ووسائل الإعلام وترسيخ القيم الحسنة في نفوس الأبناء، ومن هذه القيم «الترشيد»، أي أن الإنسان لا يستهلك ما هو فائض عن حاجته، وبالتالي سيقل الطلب على السلع الاستهلاكية التي تروِّج لها هذه الشركات.

لكن هذه الشركات تملك آلة إعلامية وترويجية ضخمة، قد تخترق حاجز الحصانة الداخلية، الذي تتحدث عنه.

تتناقل وكالات الأنباء من وقت إلى آخر الخلاف القائم بين فرنسا والولايات المتحدة الأميركية، وهو متعلق برفض الأولى القاطع لإدخال الثقافة الأميركية إليها، وكانت تعد حظراً على وسائل الإعلام الأميركية. تخشى فرنسا أن تتسلل الثقافة الأميركية إليها، وتصبح بذلك مثل المجتمع الياباني، القائم الآن على «الفاست فود» مثل: «برغر كينغ» و{ماكدونالدز». الأمر الذي يعدّه بعض المحللين نوعاً من أنواع الاستعمار الأميركي. لا نستطيع أحياناً أن نضع حاجزاً منيعاً يصد هذه الشركات بنسبة 100% لما تملكه من نفوذ وقوة مالية. من هنا يبرز دور التربية والتوعية الاجتماعية، والعمل على إنشاء شركات إنتاجية منافسة. سمعنا أخيرًا، على سبيل المثال، أن المملكة العربية السعودية وضعت خطة مستقبلية تؤهلها لأن تكون إحدى الدول الصناعية العشر، وذلك مع حلول عام 2010.

تولي الثقافة الإسلامية اهتماماً كبيراً بالجانب الأخلاقي المتمثل في الزكاة والتراحم والصدقة، في حين أن العولمة الاقتصادية لا مكان فيها للأخلاق، ما رأيك؟

الاهتمام بالجانب الأخلاقي سمة تميز بها الاقتصاد الإسلامي، إلا أننا بدأنا نلاحظ أخيراً أن الدول الغربية بدأت هي الأخرى النظر بجدية إلى الجوانب الأخلاقية في التعاملات المالية، لذلك ظهر ما يعرف بـ»الاقتصاد الأخلاقي»، وتحدث أكثر من رئيس للولايات المتحدة الأميركية عن هذا الجانب. ورد ذكر الكنيسة في أكثر من قضية مالية وإنسانية، لأن المجتمع الأميركي بدأ يميل إلى الحديث عن الأخلاق، في ضوء الهجمة الشرسة للشركات ورؤوس الأموال التي لا همَّ لها سوى الربح المادي. ثمة مسألة أخرى قد يغفل عنها كثير من الدارسين، وهي أن المسلم يتعامل بالأخلاق حتى مع العدو، وهذا أمر نفتقد إليه في الأخلاقيات الوضعية.

«الشبكة العنكبوتية» وسيلة مناسبة لنشر العولمة الاقتصادية، ما نصيب العالم الإسلامي منها؟

بحسب مشاهداتي، نصيب العالم الإسلامي من استخدام الإنترنت، ضئيل للغاية، وهذا أمر يحز في النفس. لكن عمومًا، نقول إن الإنترنت سلاح ذو حدين، ممكن أن نحصل منه على فائدة كبيرة للغاية، وممكن أن يضرّنا. يفيدنا الانترنت في توصيل أفكار الدين الإسلامي إلى الغرب، وبالتالي ننفتح على أسواق جديدة تصب في مصلحة العالم الإسلامي. نحن متيقنون أن الدين الإسلامي دين حق، وإذا وصل إلى الناس بطريقة صحيحة، فإن كثيراً من الناس سيدينون به. الانترنت وسيلة مناسبة للدعوة الإسلامية، بالإضافة إلى أننا يمكن لنا أن نعرّي كل ما هو سلبي من العولمة، ونبين للناس النواحي الإيجابية التي تتماشى وتعاليم ديننا.

أحدث التقدم التقني في مجال البث الإعلامي ثورة كبرى في حياة الناس، ما أثر الانفتاح الإعلامي على اقتصاديات الأسر المسلمة؟

الأثر السلبي للبث الإعلامي الغربي واضح للغاية ولا يمكن إنكاره، وربما ينبع من أن هذه القنوات تنطلق من مبدأ الربح المادي فحسب. لو كانت في هذه القنوات فسحة من الحديث عن الحب والتعاون والصدق والترشيد، لكنا لمسنا أمورًا إيجابية كثيرة. أحب أن أذكر هنا أن ظاهرة الإرهاب التي أرّقت العالم في السنوات الأخيرة هي من صنع الإعلام الغربي، وذلك عن طريق الأفلام التي تعلم الناس أبجديات العنف والقتل وصناعة السلاح والقنابل.

يتجه كثير من الدول الإسلامية إلى تطبيق نظام الخصخصة مما يؤدي إلى تقليص دور القطاع العام. هل ترى أن الوقت مناسب لهذه الخطوة؟

في رأيي، الخصخصة (تعني تغليب القطاع الخاص على العام) هي مسألة ليست مرتبطة بزمن أو مكان محددين. تنظر الدولة في الأمور وتغلب المصلحة العامة، سواء كان ذلك بالمضي في طريق الخصخصة أو إبقاء المنافع والخدمات الحياتية ضمن إطار صلاحيتها. أعطي مثالاً على ذلك، ما حصل مع أزمة «سوق المناخ» في أوائل الثمانينات من القرن المنصرم، عندما تدخلت الدولة في الاقتصاد وقامت بشراء الملكيات الخاصة كي تعوض الخسائر التي مني بها كثير من التجار، ويشاركها القطاع الخاص في مسألة استيعاب الأفراد في الوظائف، وبالتالي التخفيف من هاجس البطالة. كذلك يمتاز القطاع الخاص بالمرونة وسهولة التنقل من دولة إلى أخرى، ما يؤدي الى التكامل الاقتصادي والتعاون الذي يُطلق عليه «التجارة البينية». في الكويت أيضاً، تم تداول مشروع خصخصة الخطوط الجوية الكويتية. برأيي، الخصخصة مفيدة لهذه الشركة التي هي ناقل جوي يحمل شعار البلد، وسمعته في كل مكان، بعد ما لاحظناه من خسائر جسيمة منيت بها في السنوات الأخيرة. ما يؤسف له، أن الحكومة الكويتية ضعيفة في مقابل البرلمان، لذلك تمرر بعض الأمور التي تضر بالشركة وتوقعها في خسائر. وأضرب مثالاً على بعض الشركات الخاصة التي تحقق نجاحاً منقطع النظير ليس داخل الكويت وحدها، إنما في الخارج أيضاً، مثل شركات الاتصالات.

النظام الرأسمالي متهم بالانحياز إلى جانب الأغنياء، سواء على مستوى الدول أو الأفراد. هل هناك مجال للحديث عن العدالة الاجتماعية؟

يحقق الدين الإسلامي العدالة، وأبرز مثال على ذلك «الزكاة» التي هي في أساسها معادلة للرواتب والأموال. لا بد من ملاحظة أن «العدالة» مختلفة عن «المساواة»، فالثانية على المطلق ظلم، كأن يساوي أحدهم بين (أ) و(ب) من الناس، مع أنهما مختلفان من حيث القدرات أو الإنتاج الوظيفي. لكن العدالة تعني أن ننصف الإنسان ونمنحة بقدر ما ينتج من عمل، وما يتميز به من قدرات فردية ووظيفية. من باب العدالة، أن تعطي الدولة في الكويت راتباً للمتزوج مختلفاً عن الأعزب، ولحامل الشهادة الجامعية راتباً يختلف عمن لا يحمل مؤهلات جامعية أو أكاديمية. يقف النظام الرأسمالي، للأسف، إلى جانب الأغنياء على حساب الفقراء، الأمر الذي خلف ردّة فعل ظهرت بموجبه حركات مغايرة، أبرزها الشيوعية أو الاشتراكية، التي لا تخلو من ظلم، لأننا لا يمكن أن نأخذ أموال الأغنياء بغير وجه حق ونمنحها للفقراء. في الدين الإسلامي العدالة واجبة التطبيق.

يشير بعض الباحثين إلى أن العولمة الاقتصادية تهدف إلى التحكم في اقتصاديات الدول النامية عن طريق صندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية والبنك الدولي، إلى أي مدى يصح ذلك؟

ما يؤسف له، أن هذه المؤسسات واقعة تحت سيطرة الدول الغربية الكبرى، الأمر الذي يحجب عنها نصرة الفقراء والوقوف إلى جانبهم، وهي تطالب الدول الفقيرة بأن تفتح أسواقها أمام المنتجات من جميع الدول. إذا أتيح للمنتجات الغربية أن تدخل أسواق العالم الإسلامي فما من شك أنها ستكسب الرهان أو المنافسة، لأسباب عدة، من بينها وجود الإمكانات الفنية كما ذكرنا سلفاً، ولقدرتها على إنتاج كميات كبيرة من السلع، مما يجعلها قادرة على إنقاص السعر، ومن ثم جذب المستهلك إليها. لا تستطيع دول العالم الإسلامي المنافسة في مجال التجارة الحرة، إلا في حالة واحدة تتمثل في الصناعات البترولية، أو البتروكيماويات، كما هي الحال مع دول الخليج العربي. لكن حتى بالنسبة إلى البتروكيماويات، نجد أن الدول الغربية تنجح في شراء النفط الخام مثلاً وتستخدمه في مصانعها، لإعادة إنتاج مواد صناعية تبيعها بأضعاف أسعارها، مثل السيارات والصناعات الحديدية والأسلحة...إلخ. في الأحوال كلها، الدول الإسلامية خاسرة، لا سيما بعدما دعاها صندوق النقد الدولي إلى فتح أسواقها أمام جميع السلع والمنتجات.

تشغل مسألة الهوية الإسلامية بال كثير من الباحثين. هل تتعارض طروحات العولمة الاقتصادية مع مبادئ الدين الإسلامي؟

هناك تعارض من حيث فتح الأبواب مشرعة أمام الثقافات الغربية والشرقية، وهي ثقافات تتعارض مع مبادئ الدين الإسلامي، ليس من الناحية الدينية فحسب، إنما مع العادات والتقاليد. من حيث اللباس أو سلوكيات الأفراد الأخرى، نجد أن الطرح الإسلامي يختلف تماماً عما يقدم في هذه الدول. بلا شك، سيمسح فتح المجال من دون ضوابط محددة الهوية الإسلامية. لننظر إلى اللغة العربية الآن، لقد اضمحلت وأصبحت غريبة، حتى بالنسبة إلى المجتمع المسلم أو العربي، أصبح الاختصاصيون فيها قلة، ولا يُلتفت إليهم.

العولمة الاقتصادية ليست شراً كلها، إنما لها إيجابيات أيضاً على اقتصاديات الدول الإسلامية. كيف ترى ذلك؟

لكل شيء إيجابيات وسلبيات، من حسنات العولمة أنها فتحت الباب أمام الثقافة الإسلامية كي تصل إلى كل بيت في العالم أجمع، والى الأسواق الحرة، وسهلت وصولها الى الأمم الأخرى. يجهل كثير ممن يحاربون الدين الإسلامي حقيقة الإسلام، وهذا ما حصل في الدنمارك وقضية الإساءة إلى الرسول (ص). لو استطعنا إيصال الصورة السمحة للدين الإسلامي، بعيداً عن الإرهاب، والصورة النمطية التي يطلقها الغرب، لكان كثير ممن يسيؤون إلى الإسلام توقفوا عن إساءاتهم. أو وقفوا في موقف الحياد على أقل تقدير. العولمة مفيدة من حيث العلوم التقنية والمكتشفات الطبية الحديثة، وانتشار التعليم وانفتاحة على جميع الشعوب. هناك أيضاً السياحة والتعرف الى المجتمعات الأخرى. العولمة لها إيجابيات حتى بالنسبة إلى الجانب السياسي، أصبح كثير من الحكام وقادة الدول يخشون الانفتاح الإعلامي، وبالتالي تدويل القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان، وسجن الناس أو حبسهم، من دون جرم أو جناية، كأن يسجن إنسان بسبب إبداء رأيه أو موقفه السياسي.

back to top