محطات في حياة المسافر (6) عمر الشريف عند مقابلتي الأولى لفاتن حمامة... لم أشعر بشيء!

نشر في 07-09-2008 | 00:00
آخر تحديث 07-09-2008 | 00:00
تعرفنا في الحلقات السابقة الى جوانب من شخصية عمر الشريف، الرجل الذي ينظر إلى العالم بعين التسامح ويندهش من العنف... وعرفنا جانباً آخر مهماً في شخصيته وهو التمرّد الذي دعمه وجوده ودراسته في «فيكتوريا كوليدج» وعشقه الذي ولد عنيفاً لفن التمثيل وكأنه جاء تعويضاً لقصة حب لم تكتمل أو تحقيقاً لنبوءة عرافة يونانية أخبرته بأنه سيكون نجماً معروفاً خارج مصر.

خطوته الأولى في عالم التمثيل جاءت صدفة على يد مخرج إسكندراني المولد والهوى أيضاً هو الراحل يوسف شاهين وهو بالإضافة إلى ذلك واحد من أبناء «فيكتوريا كوليدج» درس فيها قبل أن يسافر إلى الولايات المتحدة ليدرس التمثيل في معهد باسادينا بكاليفورنيا ثم ترك التمثيل إلى الإخراج، وعاد في ذلك الوقت محملاً بأحلام سينمائية كثيرة وجريئة حقق بعضاً منها قبل أن يلتقي بعمر الشريف ويخبره بأنه اختاره ليكون بطل «صراع في الوادي» فيلمه السادس بعد «بابا أمين» و{ابن النيل» و{المهرج الكبير» و»سيدة القطار».

الشريف ورمزي

لا بد من أن شيئاً في وجه الشريف هو الذي صنع بدايته السينمائية بتلك الطريقة، شيء ما يجمع بين الشفافية والصلابة، شيء ما انتبه إليه يوسف شاهين بخبرته وعينه الفنية الثاقبة فمنحه فرصة العمر ورشحه بطلاً في أول إطلالة سينمائية، وجعله يغيّر مسار خطواته.

تلك القصة الشهيرة التي يعرفها الوسط الفني جيداً، فأحمد رمزي كان رفيق صبا الشريف وصديقه الذي يلازمه، الاثنان فيهما شيء مشترك ربما حب الحياة والتعايش فيها بمزاج مختلف، وربما دراستهما في «فيكتوريا كوليدج» ثم في كلية التجارة، وربما أيضا لأن رمزي واسمه الحقيقي رمزي محمود بيومي، ينتمي الى الطبقة الاجتماعية نفسها التي ينتمي إليها الشريف تقريباً، فهو من عائلة ثرية والده طبيب مصري وأمه اسكتلندية، المهم أن العناصر المتشابهة بينهما كانت كثيرة الى درجة أن كل من يراهما سوياً كان لا يتصور سوى أنهما شقيقان، لكن رمزي كان له شقيق آخر يكبره بنحو عشر سنوات يدعى حسن، كان متفوقاً ودرس الطب وسافر إلى بريطانيا حيث أكمل فيها دراساته العليا و تزوج واستقر فيها، أما رمزي فعلى رغم عدم تفوّقه في الدراسة أصرّ والده على إلحاقه بكلية الطب، وهي الرغبة التي لم يكن متحمساً لها ولكنه اضطر للإذعان لوالده ولم يستمر فيها سوى سنتين، مفضلاً عليها دراسة التجارة في جامعة القاهرة، وكانت علاقته بصديق عمره الشريف قد بدأت أيام الدراسة وتوطدت أكثر في ما بعد لأن حب التمثيل جمعهما.

يقول الشريف: «أحمد رمزي صديق عمري وصداقتنا كان لها تأثير كبير في حياتي لا يمكن أن أنكره، وعرفت فضل صداقته جيداً، خصوصاً بعد العمر الكبير الذي عشته في الخارج حيث لم أنجح في تكوين أية صداقة حقيقية، لدرجة أنني في كل مرة كنت أعود فيها الى مصر، بمجرد أن تهبط الطائرة كنت أتمنى أن أجد رمزي وصالح سليم ومروان لبيب أمامي، أصدقاء العمر الحقيقيون، خصوصا رمزي الذي أضحك معه من قلبي وتربط بيننا أمور جميلة كثيرة وقفشات لطيفة ونكتة حلوة ومشاركة وجدانية وحب حقيقي نادر الوجود».

في البداية، لم تكن علاقة رمزي بالتمثيل تتعدى مشاهدته لأفلام السينما والتردد عليها بين الحين والآخر، بحسب اعترافه وتصريحه بذلك أكثر من مرة، إلا أنه أثناء وجوده في فيكتوريا كوليدج، كان يحب متابعة «بروفات» المسرحيات المدرسية وتقليد أبطالها من باب التهريج، وفي إحدى المرات كانت المسرحية التي تتدرب عليها فرقة التمثيل المدرسية هي «الرجل والسلاح» للكاتب الساخر برنارد شو، وكان يحفظ المسرحية من كثرة مشاهدته لها وفي اليوم الرئيس للعرض غابت الممثلة التي كانت تقدم شخصية الخادمة، فجن جنون المدرب الذي كان إنكليزياً، فعرض عليه أحد الزملاء أن يستعين برمزي ليقدم الدور، وعلى رغم غرابة الموقف أرسل له المدرب وعرض عليه إنقاذ الموقف فوافق من باب الشقاوة، إلا أنه فوجئ باستحسان الجمهور وإعجاب المدرب بأدائه، حتى أنه تنبأ له بمستقبل مثمر في عالم الفن... مع ذلك لم يكن هذا بداية خيط علاقته بالتمثيل وإنما كان الشريف هو السبب، فولعه بالتمثيل جعله يشاركه إياه فيذهبان الى السينما سوياً لمتابعة أحدث العروض الأجنبية، فشعر رمزي أن تحوّلاً بدأ يحدث في حياته وأنها تتخذ شكلاً جديداً غير الذي رسمه له والده أو حتى الذي رسمه هو لنفسه، شكل فرضته عليه صداقته بالشريف، والغريب أنه أحب التحوّل جداً.

يقول الشريف: «علاقتي برمزي كانت تكبر يوماً بعد الآخر، كنت مولعاً بعالم التمثيل والسينما وكان يشاركني العشق، وفي أحد أيام عام 1954 وأثناء وجودنا في محل «جروبي» في وسط القاهرة، التقينا بصديق آخر لنا لم تكن لديه أحلام فنية، لكنه كان على صلة قوية بالمخرج يوسف شاهين، وفوجئنا ذات يوم بدخول الأخير علينا وأخذ صديقنا بالأحضان الذي قدمنا بدوره الى شاهين الذي تحدثنا معه عن أحلامنا وهوايتنا، فراح يطيل النظر إلينا أنا ورمزي وقال إننا نمتلك قدراً كبيراً من الوسامة للعمل في السينما، وكانت الوسامة من الشروط المهمة للسينما في ذلك الوقت، وسألنا أسئلة لم أعرف ماذا يعني بها عن هوايتنا وعما إذا كنا نجيد ركوب الخيل، كذلك سألنا عن دراستنا وسهراتنا وشعرنا أنه قريب إلى قلبنا وجاء في الليلة التالية وشعرنا أنه أصبح واحداً منا وبدأت أحلامي تتأكد أن طريق الفن هي طريقي، وأعتقد أن رمزي أيضاً بدأت أحلامه تتجه إلى الفن خاصة بعدما حدثنا شاهين في تلك الجلسة عن فيلمه الذي يزمع إخراجه «صراع في الوادي».

أشعل شاهين شرارة الحلم لدى الصديقين، شعر الشريف أنه على بداية الطريق وتمنى رمزي في تلك اللحظة أن يكون البطل الذي يبحث عنه شاهين وانتظر ذلك بالفعل أيامًا عدة، لكن كانت المفاجأة التي لم ينسها أبداً حين جاءه الشريف ليخبره أن شاهين نجح في إقناع المنتج جبرائيل تلحمي، بمنحه دور البطولة في فيلم «صراع في الوادي»، كان المشهد ميلودرامياً أربك رمزي الذي اختلطت مشاعره بين فرحته لصديقه الذي على وشك أن ينال فرصة عمره، وبين شعوره هو بمرارة شديدة لضياع الدور منه، لكنه استطاع أن يسيطر على الموقف بسرعة ولم يُشعر صديقه بألمه، إلا أن هذه المرارة سرعان ما تلاشت، فهنأه وحبس دموعه.

ربما كانت المفاجأة صادمة لرمزي، لكنها لم تؤثر في علاقة الصديقين، بل لازم رمزي الشريف أثناء تصوير «صراع في الوادي» بعدما طلب من شاهين السماح له بمرافقته أثناء التصوير، حيث بدأ التعرف الى كل كبيرة وصغيرة في «تكنيك» العمل السينمائي من خلال تعرفه الى العاملين الذين منحوه أسرار المهنة.

يقول رمزي نفسه في أحد حواراته الصحافية: «أردت أن أبرهن للشريف عن حبي له وسعادتي بالدور، بأن طلبت من شاهين، الذي كان يقيم لأسرة الفيلم معسكراً في صحراء سقارة، أن أقيم في المعسكر معهم كي أعيش في جو السينما فوافق، وبعد يومين من ذهابي معهم الى المعسكر قال لي مدير الإنتاج إنني لا بد من أن أجد لنفسي عملاً يسلّيني، فليس معقولا أن أمكث في المعسكر شهراً كاملاً من دون عمل، فقلت له إنني مستعد أن أعمل أي شيء، فذهب وغاب بعض الوقت ثم عاد ومعه اثنان من الرجال الأقوياء ومعهما آنية للكيروسين والزيت، وطلب مني أن أغسلها وأملأها من قرية سقارة، فذهبت مع الرجلين إلى القرية التي تبعد عن موقع المعسكر ثلاثة كيلو مترات ولم أجد مكاناً أغسل فيه الآنية، فقال لي أحد الخفراء إن المكان الوحيد الذي أجد فيه طلمبة هو نقطة الشرطة، فذهبت إلى النقطة فوجدتها موصدة الأبواب، فطفت ببيوت العزبة أبحث عن خفير النقطة حتى عثرت عليه وبدأ الرجال يخرجون الماء من الطلمبة وأنا أغسل الآنية وأملأها، وقضيت اليوم «مرمطوناً» وقضيت الأيام الأخرى أعمل أي شيء، وكان الفنيون في مقابل ذلك لا يبخلون بالإجابة عن أي سؤال أوجهه، وعرفت الكاميرا وكيف تعمل والسيناريو والإلقاء وعمل كل جهاز سينمائي، فكنت أقف وراء شاهين وأستوعب ما يقوله للعاملين في الفيلم وكان لذلك كله تأثير شديد في مشواري».

حين يسمع الشريف الحكايات يبتسم ممتناً ثم يكتفي بالقول: «رمزي من الأمور الجميلة التي حدثت لي في حياتي، فهو صديق بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وإنسان أحبه جداً».

ثم يستعيد الشريف كيف حصل على الدور الذي رشحه له شاهين وبعد مقابلة حاسمة مع بطلة الفيلم والنجمة التي كانت ملء السمع والبصر فاتن حمامة... كانت تلك المقابلة الأولى بينهما وكانت تقريباً لا توحي بشيء، مجرد مقابلة بين نجمة كبيرة وممثل يتحسس طريقه إلى عالم التمثيل. رشحه المخرج بديلاً عن شكري سرحان الذي اعترضت حمامة على مشاركته لها بطولة «صراع في الوادي» كي لا تقع في فخ الثنائيات، لأنها مثلت أمامه فيلم «ابن النيل» وكان المخرج شاهين أيضاً. قبل المقابلة، حاولت فاتن أن تعرف اسم هذا الممثل الجديد، لكن شاهين كان يرفض ويقول لها «ها تشوفيه... هو شاب رياضي ومهذب ولديه قبول». أصرت أن تعرف اسمه بعد أن كاد صبرها ينفد، ولم يجد شاهين مفراً من إخبارها باسمه، فقال وهو يتهته: «إيه... اسمه ميشيل شلهوب... إيه المشكلة؟»، فضحكت حمامة بصوت عال وقالت: «ميشيل إيه؟ هو أجنبي؟»... أجاب شاهين: «لأ... مصري وأنا سميته عمر الشريف خلاص».

من أول نظرة

كان اللقاء الأول بين حمامة والشريف في بيتها بناء على رغبتها، كي تتأكد من البطل المغمور صاحب الإسم الغريب الذي سيقف أمامها، وهي النجمة الكبيرة والشهيرة في فيلم «صراع في الوادي» مع مخرج سبق أن عملت معه أكثر من فيلم كان أولها «بابا أمين» (1950) ، صحيح أن الفيلم لم يحقق نجاحاً جماهيرياً وقتها، لكنها كررت التجربة لإيمانها بروح مخرجه المغامرة، وعندما ذهب الشريف مع شاهين إلى بيتها طلب منه أن يؤدي مشهداً أمامها، فمثّل جزءاً من مسرحية «هاملت» بالإنكليزية وهو الذي كان يعرف أنها لا تعرف هذه اللغة، لكنه خدعها وأوهمها، أو بمعنى أدق «لعب» معها، فوجدها توقّع عقداً لبطولة الفيلم، وكان على شاهين أن يدربه تماماً ولمدة طويلة، فجعله يقرأ مسرحيات شكسبير، إذ كان يعرف أن الأخير يملك ظلال التعبير كلها.

يقول الشريف: «أخذني شاهين وذهبنا الى حمامة في البيت لنحتسي معها الشاي، وأثناء ذلك طلبت مني أن أمثّل أمامها أي مشهد، فأُحرجت وتساءلت بيني وبين نفسي هل هي تختبرني؟، ثم قررت أن أمثّل لها مشهداً بالإنكليزية من رواية «هاملت» على أساس أنها قد تُحرج أن تعلن أنها لم تفهم ما أقول، مما يعفيني من الحرج لو أخطأت بالأداء، غير أنها مع نهاية المشهد قالت: «ده هايل».

ربما تكون حمامة شعرت بالانبهار تجاهه مع نهاية المقابلة التي بدأت عادية إلى حد ما، باستثناء شعورها برقته اللافتة في كلامه وسلوكياته، خصوصا بعدما أثنى على صورة لها معلقة على الحائط كان رسمها لها الفنان التشكيلي صلاح طاهر، تسمرت حمامة في مكانها بضع دقائق وشعرت بوخزة خفيفة لم تفهمها وهو لم يرتعش وراح يتكلم بثقة وهو يؤدي دور هاملت وكأنه متأكد من قبوله، أو لعله كان يتحرك ويتكلم بطريقة من تحرِّكه نبوءة قديمة بأن انتصاراته وفتوحاته في عالم الفن قادمة لا محالة، فلا داعي للارتباك أو القلق أو الارتعاش في حضرة فنانة ونجمة كبيرة مثل فاتن حمامة.

حمامة التي تنتمي إلى عائلة بسيطة من مدينة المنصورة، فيها الأم زينب هانم توفيق والأب أحمد حمامة أفندي كان موظفاً في وزارة المعارف «التعليم راهناً» في مصر، لكنها ولدت في حي عابدين بالقاهرة عام 1931 واحتار أهلها في اختيار اسم لها، وكان لأخيها منير الذي يكبرها بعامين «عروسة» أطلق عليها من بنات أفكاره إسماً جميلاً لم يكن متداولاً بكثرة في ذلك الوقت وهو «فاتن»، الإسم الذي قطع خيط الحيرة حين وضع منير «فاتن العروسة» بجوار شقيقته المولودة هدية منه لها، وعلى الفور أطلقت عليها أمها إسم العروسة...

فاتن الشهيرة التي حصدت إعجاب الجميع منذ طفولتها، خصوصا أبيها الذي كان يراها طفلة مختلفة، وجدت نفسها تقف فجأة أمام شخص غريب لا تعرفه يؤدي دوراً بالإنكليزية التي لا تفهمها ووجدت نفسها تشرد بعيداً عنه ثم تعود إليه ثم تشرد في حياتها التي مرت أمامها سريعاً كشريط سينمائي عابر، فتذكرت حين فازت بمسابقة أجمل طفلة في مصر، فأرسل والدها صورة لها إلى المخرج محمد كريم (1896 - 1972) الذي كان يبحث عن {أنيسة} تلك الطفلة التي تسكن مع الموسيقار محمد عبد الوهاب في المنزل نفسه وتمثل له أقرب أصدقائه بحلو حديثها في فيلم {يوم سعيد» (1940).

تتذكر حمامة، فتقول: «لا أنسى الموسيقار محمد عبد الوهاب، عندما مثلت معه في «يوم سعيد»، فقد كان ضاحكاً وكلما أتيت بحركة أو تلفظت بكلمة ينطلق ضاحكاً، فشعرت بغيظ شديد منه حتى أنني صرخت في وجهه أطالبه بعدم الضحك فضحك أكثر، مما جعلني أشعر بالضيق منه وأمضي إلى المخرج محمد كريم، لأشكوه له وأطلب منه استبداله بشخص آخر».

إلا أن كريم أفهمها بأنه شريكها في التمثيل وأنه لا يسخر منها، بل سعيد بقيامها بالدور، فأعاد كتابة السيناريو لتزيد مساحة دورها، كذلك استعان ببعض كتاب الحوار ليضعوا حواراً يتناسب مع هذه الطفلة الصغيرة التي شبهتها الصحافة بطفلة هوليوود الشهيرة وقتها {شيرلي تمبل». أصبح كريم مقتنعا بموهبة الطفلة فاتن حمامة التي قال عنها في مذكراته التي أعدها الناقد محمود علي: «من النظرة الأولى، أعجبت بالطفلة وجلست أتحدث معها ساعات، فأيقنت أنها لا تصلح للدور مائة في المائة فحسب بل أيقنت أنها أكبر من الدور الذي رشحتها له، فرجعت إلى السيناريو لتكبير دور أنيسة في كل جزء من أجزائه، لقد كانت بحق شيرلي تمبل المصرية، أعظم وأشهر أطفال السينما في العالم في أوج مجدها في ذلك الوقت، لكن كنت أقول لأصدقائي وعن إيمان ويقين وعقيدة إن فاتن حمامة تفوقها بمراحل».

وصل إيمان كريم بموهبتها إلى حد أنه قام بإبرام عقد مع والدها ليضمن مشاركتها في أعماله السينمائية المستقبلية، وبعد 4 سنوات استدعاها مرة ثانية لتمثل أمام عبد الوهاب في فيلم «رصاصة في القلب» (1944)، ومع فيلمها الثالث «دنيا» (1946) نجحت في أن ترسخ قدمها في السينما المصرية وانتقلت العائلة المكونة من الأب والأم والأشقاء: الأكبر منير وكان ضابطاً في الجيش، وليلى والأصغر مظهر، إلى القاهرة تشجيعا منهم للفنانة الناشئة والتي بدأت تخطو بثقة نحو النجومية، وأقاموا في شارع إسماعيل أبو جبل بحي الناصرية، ثم انتقلوا للإقامة في حي الدقي حينما تحسن دخلهم المادي، ودخلت حمامة عام 1946 المعهد العالي للتمثيل الذي افتتحه زكي طليمات آنذاك في شارع نوبار، وكانت الدفعة الأولى تضم نعيمة وصفي وفريد شوقي وحمدي غيث وشكري سرحان وعبد الرحيم الزرقاني، وكانت هي أصغرهم سناً، وأولاها طليمات اهتماماً خاصاً وبدأ يدربها على حرف الراء حيث كانت تعاني من لثغة في لسانها فتنطق الراء (غيناً) واستفادت كثيراً من هذه التدريبات.

لاحظ يوسف وهبي موهبتها وطلب منها تمثيل دور ابنته في فيلم «ملاك الرحمة» (1946)، وبهذا الفيلم دخلت حمامة مرحلة جديدة في حياتها وهي الميلودراما وكان عمرها آنذاك 15 سنة فحسب، وبدأ اهتمام النقاد والمخرجين بها، وشاركت مرة أخرى في التمثيل إلى جانب وهبي في فيلم «كرسي الاعتراف» (1949) ، وفي الفيلم الأول للمخرج يوسف شاهين «بابا أمين» (1950)، ذلك المخرج الجريء والمشاكس الذي جاءها بشخص غريب يقف أمامها ويؤدي حركات غريبة بلغة غريبة لا تفهمها ويريده أن يكون بطلاً أمامها من المرة الأولى..

هي عرفت من أول وهلة أن لا خبرة له كممثل محترف، لكنه كان رئيساً لفريق التمثيل في مدرسته، لكن الحقيقة أن حالها تغيرت تماماً من أول لقاء، ولم تكن تعرف السبب.

back to top