خمسون عاماً على الثورة الكوبية
رغم مرور خمسين عاما على الثورة الكوبية لم يتغير الموقف الأميركي قيد أنملة فلقد أعلن الرئيس المنتخب أوباما عصر الثالث والعشرين من مايو 2008 أمام «المجمع الوطني الكوبي- الأميركي»، الذي شكله ريغان، «سوف نسعى معا لجلب الحرية لكوبا... هذه هي كلمتي. هذا هو عهدي... لقد حان الوقت لكي يجعل المال الأميركي الشعب الكوبي أقل اعتمادا على نظام كاسترو. سوف أبقي على الحصار».وفي المقابل لاتزال كوبا صامدة رغم كل الرهانات على سقوطها أسوة بالاتحاد السوفييتي السابق الذي سقط منذ 17 عاما... ففي ذلك الوقت تجاوزت كوبا أزمة خطيرة، وسجل اقتصادها الاشتراكي مؤشرات في غاية الحيوية ليتحول إلى واحد من أسرع الاقتصادات نموا في أميركا اللاتينية. حدث ذلك بالرغم من قرابة 50 عاماً من الحرب الاقتصادية المفروضة على البلاد من قبل الحكومات المتتالية الأميركية، والتي تكبدت بسببها كوبا حتى الآن خسائر تقدر بأكثر من 89 مليار دولار، بمعنى عامين من صافي الناتج المحلى للبلاد.بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وجدت جزيرة كوبا، التي يبلغ عدد سكانها 11.2 مليون نسمة شركاء جددا خصوصا فنزويلا التي تمنحها مئة ألف برميل من النفط يوميا وأيضا دولة الصين «الشقيقة» حيث نمت التجارة الثنائية بين البلدين من 578 مليون دولار أميركي في عام 2003 إلى 2.6 مليار دولار أميركي في عام 2007. فالصين مستورد مضمون للنيكل والسكر من كوبا وأصبحت مستثمرا رئيسيا في كوبا... بيد أن ظروف عيش الكوبيين الذين تبلغ معدلات أجورهم الشهرية 20 دولارا لاتزال صعبة، وهم يعيشون بفضل الاقتصاد الموازي.إلا أن ما يميز احتفالات هذا العام واقعية القيادة الكوبية الجديدة فلقد أعرب راؤول كاسترو الشهر الماضي عن استعداده لفتح حوار لا يستند إلى سياسية «الجزرة والعصا» مع الرئيس الأميركي المنتخب باراك أوباما الذي يؤيد حدوث انفراج في العلاقات مع كوبا.ومضى يقول «نحن لا نتوهم عندما نحتفل بنصف قرن من الانتصارات... فيجب أن نفكر في المستقبل بالسنوات الخمسين المقبلة التي ستكون نضالا مستمرا»، معتبرا أن كوبا ستشهد مراحل «أكثر صعوبة على الأرجح».في مطلع يناير 1959 أعلن فيدل كاسترو بداية الثورة من شرفة بمدينة سانتياغو بجنوب شرق الجزيرة في كوبا. كانت ثورة وطنية في البدء، لكنها أخذت سريعا توجها قريبا من الطروحات السوفييتية والماركسية في الوقت الذي كان النزاع بين واشنطن وموسكو على أشده. بعد 50 سنة، فيدل كاسترو لم يعد رئيسا للدولة، لكن الكوبيين يعانون مضاعفات ثقل الإرث الذي تركه. فالمشكل مع هذا البلد ليس حصار أميركا فحسب، بل أنواع الحصار الكثيرة الأخرى الموجودة في البلد: الحصار الثقافي، والحصار المهني، وحصار الاجتماعات، والحصار على الإبداع لدى الكوبيين. ذلك كله دفع الآلاف من الكوبيين إلى تبني حلم الذهاب إلى أميركا الشمالية الإمبريالية، أملاً في حياة أفضل. وعلى الجانب الآخر تركز الحكومة والمدافعون عنها كثيرا على التطور الاقتصادي والاجتماعي في الجزيرة حيث يرتفع معدل محو الأمية إلى 99.8% السؤال الكبير هو الى متى ستستطيع كوبا الصمود؟ لم تكن احتفالات هذا العام بالثورة بزخم الاحتفالات السابقة التي كانت تُجرى بوجود قائد الثورة فيدل وبحضور عدد كبير من قادة العالم، أما هذه الذكرى فتم الغاء الاحتفالات التقليدية بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية وثلاثة أعاصير متتالية عصفت بالجزيرة، ولم يشارك أي من قادة اليسار في أميركا اللاتينية في احتفالات سانتياغو دي كوبا، لكن بعضهم أشاد بالثورة وبزعيمها التاريخي فيدل كاسترو أمثال إيفو موراليس (بوليفيا) ودانيال اورتيغا (نيكاراغوا) وهوغو تشافيز (فنزويلا).وقال الرئيس البوليفي «مضى خمسون عاما على تحرر الشعب الكوبي من الإمبراطورية الأميركية. وتحولت كوبا وشعبها وقادتها إلى رمز لتحرير شعوب العالم».وقد عانت كوبا في 2008 آثار ثلاثة أعاصير سببت، بحسب السلطات، خسائر قيمتها عشرة مليارات دولار، (20% من الناتج المحلي الإجمالي) وجعلت البلاد غير قادرة على سداد جانب من ديونها. وهي لاتزال رسميا تعيش في ظل «فترة استثنائية في زمن السلم».فيدل كاسترو الذي كان من الوجوه التي فرضت نفسها على الساحة الدولية من النصف الثاني من القرن العشرين هو الوحيد المتبقي على الحياة من جيله الذي عاصر جمال عبد الناصر ونهرو وتيتيو، وانتخب رمزيا لرئاسة آخر قمة لدول عدم الانحياز التي عقدت في هافانا في سبتمبر 2006 الحالم بالتغيير مع رفيق دربه غيفارا الذي مازال ضريحه يشكل محجة لكل الثوار استقال من الثورة ليستريح في آخر أيامه فهل تستقيل كوبا من حلمها الكاستروي وتعتمد سياسة أكثر واقعية تؤمن الخبز و الحرية لأكثر من أحد عشر مليون كوبي.*كاتب لبناني