جحا الكويتي ورهان الوقت

نشر في 20-03-2009
آخر تحديث 20-03-2009 | 00:00
 فالح ماجد المطيري إن عمنا جحا كشف عن ملكة أخرى يملكها غير الظرف و«خفة الدم» ألا وهي أنه فيلسوف كبير، فقد راهن على الوقت، حين طلب مهلة لمدة أربع سنوات، وضمن مقدما خمسين ألف دينار، فخلال السنوات الأربع- حسب رأيه- إما أن يموت الخليفة، وإما أن يموت هو، وإما أن يموت الحمار.

رُويت الكثير من النوادر عن شيخ الظرفاء في الأدب العربي «جحا»، وفي إحدى النوادر التي أعجبتي، أن الخليفة في ذلك الوقت وحينما أراد التسلية وإضاعة الوقت مع جلسائه «لم يكن لديه مجلس أمة يشغل وقته، ويجعله يحك رأسه وجنبه كما قال النائب العزيز قيصل المسلم»، وكان من بينهم عمنا حجا، قال الخليفة: أهداني أحد الأصدقاء حماراً مميزاً في كل شيء إلا أنه لا يستطيع الكلام، فمن منكم يقدر أن يجعله يتكلم وله جائزة مئة ألف دينار.

أعلن جميع الحضور عدم قدرتهم على القيام بهذه المهمة، إلا أن عمنا حجا وكعادته مدفوعاً بطمعه وحبه للمال والمغامرة، أعلن أنه قادر على القيام بهذه المهمة، وسط استغراب وتندر الجميع، وقد سأله الخليفة أكثر من مرة... وفي كل مرة كان عمنا الظريف يؤكد قدرته على جعل الحمار يتكلم!

ولمعرفة الخليفة بحب حجا للمال، أراد أن يصعِّب الأمر عليه، فقال له إن فشل في هذه المهمة فعقابه القتل، وقد أدهش شيخ الظرفاء الخليفة وجلساءه بإصراره على أداء المهمة المستحيلة وفق قياسات العقل والمنطق حتى بعد التهديد بالقتل في حال الفشل، وهو ما يتوقعه الجميع، إلا أنه طلب من الخليفة أن يمهله أربعة أعوام لإكمال مهمته، فالمخلوق المراد إنطاقه ليس مخلوقاً عاديا بل هو الحائز على المرتبة الأولى بالغباء منذ آلاف السنين ولم يستطع أي حيوان أن يزحزحه عن هذا المركز.

وقد وافق الخليفة على طلب السيد جحا، وهو يفكر أيهما الحمار الحقيقي أو أيهما يتفوق «بالحمورية» على الآخر... فكلاهما حمار! أخذ عمنا حجا نصف المبلغ كمقدم على وعد أن يأخذ البقية بعد إتمام مهمته أو مغامرته المجنونة، دخل بيته وبيده اليسرى رسن الحمار، وباليمنى صرة المال، ألقى السيد جحا صرة المال في حضن زوجته التي طارت فرحاً بها، فقد كانت لا تقل عنه طمعاً وحباً للمال، فهما ينطبق عليهما المثل المصري القائل «ما جمَع إلا ما وفق)... وبالفصحى «وافق شن طبقه»، وبعد أن استفسرته عن مصدر المال فأخبرها بالحكاية المغامرة، انقلب فرحها صراخاً وعويلاً وهي تردد: إنك ميت لا محالة... فكيف ستُنطق حماراً؟

إلا أن عمّنا جحا كشف عن ملكة أخرى يملكها غير الظرف و«خفة الدم» ألا وهي أنه فيلسوف كبير، ورد على صراخ وعويل زوجته قائلا: يابلهاء أنا لست غبيا لأغامر بحياتي على رهان خاسر ومستحيل أن أجعل الحمار يتكلم، أنا أراهن على الوقت، لقد طلبت مهلة لمدة أربع سنوات، وضمنت مقدماً خمسين ألف دينار، فخلال السنوات الأربع هذه إما أن يموت الخليفة، وإما أموت أنا، وإما أن يموت الحمار.

تنتهي القصة الطريفة إلى هنا ولا تخبرنا هل كسب عمنا جحا رهانه على الوقت أم خسر، ولكن لو أسقطنا هذه القصة على واقعنا، هل سيربح جحا الكويتي رهانه على الوقت أم سيخسر؟

back to top