لا نعرف الكثير عن الإمارات وهي بلادنا

نشر في 05-05-2009
آخر تحديث 05-05-2009 | 00:00
 د. عبدالخالق عبدالله اتصلت بي الطالبة فاطمة من جامعة زايد تدعوني للمشاركة في ورشة عمل للحديث حول تاريخ ومجتمع الإمارات والتجربة الاتحادية وعمل الحكومة ومؤسساتها وسياساتها. وذكرت فاطمة أنها مع مجموعة من الطالبات على وشك التخرج، إلا أنها تشعر بخجل شديد تجاه معرفتها المتواضعة جدا عن دولة الإمارات. قالت فاطمة «نحن طالبات جامعيات، تعملنا أمورا مفيدة، ونعرف حقائق كثيرة عن العالم الخارجي وعن التطورات والمستجدات العالمية لكن لا نعرف الكثير عن الإمارات وهي بلادنا».

ربما كانت المكالمة عادية، لكن هزتني كثيرا كلمة «لا نعرف الكثير عن الإمارات وهي بلادنا»، فقد وجدت أن فاطمة تتحدث بصدق وعفوية عن مشاعر وأحاسيس جيل كامل من أبناء وبنات الإمارات على وشك التخرج من الجامعات العديدة لكنه لا يعرف الكثير عن الإمارات وهي بلادهم.

بخلاف الجيل السابق لقيام الاتحاد، جيل فاطمة هو جيل متعلم تعليما جامعيا، ومنفتح كل الانفتاح على العالم الخارجي، ويملك المهارات والمعارف التقنية والفنية للتعامل مع المستجدات الحياتية والفكرية العالمية، وتؤكد جميع المؤشرات والبيانات الحيوية أن هذا الجيل هو أفضل حالا على الصعيد المادي والمعيشي والرفاهية الاجتماعية من أي جيل سابق في تاريخ الإمارات، كما تشير الدراسات الاستطلاعية إلى أن هذا الجيل أكثر ثقة بنفسه وأكثر تفاؤلا بالمستقبل.

لكن جيل فاطمة يعرف الخارج أكثر من معرفته بالداخل، هذا الجيل أقل اطلاعا على تاريخه، وأقل وعيا بحقوقه وواجباته، وأقل إدراكا لخصوصيته الثقافية، وسيعاني كثيرا من اختلال الانسجام في مجتمعه، كما بدأ هذا الجيل يفقد الصلة بعاداته وتقاليده وعلاقاته الحميمة المتوارثة أبا عن جد والتي تجعل المواطن مواطنا، والإماراتي إماراتيا منسجما مع نفسه، ومنتميا إلى جماعته، ومطمئن البال في وطنه، ومتميزا قليلا أو كثيرا عن غيره.

لقد تم إعداد جيل فاطمة بنجاح للمشاركة كموظف في سوق العمل وإدارة الأعمال لكنه لم يعد الإعداد المناسب للمشاركة كمواطن في إدارة الوطن، وفهم مسؤوليات المواطنة وتقدير قيمة كل ذرة من ذرات تراب الاتحاد، فجيل فاطمة هو جيل موظفين وليس جيل مواطنين شركاء في حاضر الوطن ومستقبله.

فجأة وجد جيل فاطمة أنه يعيش في زمن العولمة، ووسط خليط سكاني، وفي ظل اندفاع نحو كل ما هو محلي، لكن عليه أن ينتمي إلى الإمارات وهو لا يعرف الكثير عن الإمارات والكيان الاتحادي ولا يعرف الكثير عن معنى الانتماء للإمارات.

فالدولة تدفع هذا الجيل نحو المستجدات العالمية التي أخذت تتضخم في فكر وسلوك ووجدان هذا الجيل. جيل فاطمة جيل معولم ومعلق بين المحلي والعالمي، ويسكن في مكان ما بين الأرض والسماء. لم تعد رِجل هذا الجيل ثابتة كما ينبغي أن تكون في أرض وطنه، لذلك فهو يشعر بالغربة تجاه وطنه، والغموض تجاه هويته، والحيرة تجاه من يكون؟ فهو يعيش في عصر المواطنة العالمية وتعدد الهويات وتداخل الثقافات وعليه أن يتقمص القيم المتدفقة عليه بكثافة في زمن العولمة.

ومن سوء حظ جيل فاطمة أنه يجد نفسه وسط خلل سكاني غير مسبوق في تاريخ الإمارات، وعليه أن يتعامل بتسامح ما بعده تسامح مع خليط بشري من كل الجنسيات القريبة والبعيدة. أكثر من 200 جنسية تزاحم هذا الجيل في كل ما يملكه ويمتلكه، وتنافسه في كل حق من حقوقه. لقد ضاع جيل فاطمة في وضع سكاني مختل أشد الاختلال مكون من نحو 5 ملايين وافد، وضاعت معهم أمور عزيزة كثيرة بما في ذلك انكماش حضور المواطن في الوطن، وانكماش الوطن في وعي المواطن. بعد أن أصبحت نسبة المواطنين أقل من 20% من السكان، دخل المواطن والوطن في دائرة الخطر، ولم يعد السؤال من نكون بل أصبح السؤال نكون أو لا نكون. سيحمل جيل فاطمة عبء الخلل السكاني ويدفع ثمن اهتزاز التوازن الدقيق بين الوطن والمواطن، فالوطن أهمل المواطن كثيرا بعد أن تحول إلى أقلية في وطنه.

ولا تقتصر المعاناة على الخلل السكاني وتضخم الكل العالمي، فهذا الجيل الذي نشأ في حضن الاتحاد وتشرب بكل رمز من رموز الكيان الاتحادي، يجد نفسه اليوم أمام لحظة جديدة ومضطربة تدفع نحو المحلي الذي أخذ يزاحم الاتحادي وينافس بشدة الانتماء لوطن الأب المؤسس زايد. هذا الاندفاع نحو الانتماءات المحلية يزيد من اختلال الهوية الوطنية لدى جيل فاطمة. من حق هذ الجيل أن يسأل من هو الإماراتي، وما معنى الانتماء إلى الإمارات إذا كان المزاج الوطني الجديد يركز على المحلي بدلا من الاتحادي؟ وما يحتاجه جيل فاطمة جرعة أكبر من التربية الوطنية التي تركز على الولاء والانتماء للاتحاد أولا وثانيا وعاشرا وقبل الولاء لأي كيان آخر.

ما يحدث من اضطراب في هوية جيل فاطمة ليس بمسؤولية هذا الجيل بل هو مسؤولية الجيل السابق، الذي أخفق حينما ترك جيل شاب يقول بحسرة إنه «لا يعرف الإمارات وهي بلادنا».

جيل الأبناء والبنات هو ضحية جيل الآباء والأمهات في الإمارات، فالآباء انغمسوا كثيرا في وهم الماديات، والأمهات انجرفن كثيرا خلف عالم الشكليات. لم ينقل الجيل السابق الخبرة والمعرفة والحكمة إلى الجيل اللاحق، ولم يتم إعداد الفرد في جيل فاطمة كمواطن صالح يخدم بلده في المقام الأول، ويعي حقوقه ومسؤولياته لتولي الأمانة واستلام الراية ومواصلة المسيرة والمحافظة على المكتسبات الوطنية العديدة. الإخفاق هو إخفاق جماعي وليس إخفاقا فرديا، ويشمل الحكومة والأسرة والمدرسة والجامعة والمنابر الإعلامية ومؤسسات التنشئة.

عندما أخفق جيل بأكمله في نقل الخبرة والمعرفة والحكمة قررت فاطمة تنظيم ورشة عمل حول الإمارات وتجاوز الشعور بالخجل بأن جيلا بأكمله «لا يعرف الكثير عن الإمارات وهي بلادنا». لذلك فإن مكالمة فاطمة بقدر ما هي موجعة هي أيضا مفرحة. هذه المكالمة تجسد العمل المطلوب من هذا الجيل والأمل المعقود على هذا الجيل.

لم تستسلم فاطمة ومجموعة صغيرة من زميلاتها في جامعة زايد للإحباط واليأس وقلة المعرفة، بل أخذت المباردة كي تتعرف على بلادها الإمارات العزيزة على قلبها. إن أكثر ما تحتاجه الإمارات أفراد بوعي وطموح فاطمة، هؤلاء هم الرواد، وكل جيل يفرز رواده الذي يتسم بالوعي والحس الوطني ويتحلى بجرأة الرأي والموقف، ويكون مستعدا لحمل الراية، ومواصلة المسيرة، وحماية الهوية، والمحافظة على أمانة الأب المؤسس زايد... الله يكون في عون جيل فاطمة، ليس في الإمارات فحسب، بل في بقية دول ملجس التعاون.

* باحث وأكاديمي إماراتي

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top